• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبد الله الفريحالشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح شعار موقع الشيخ عبد الله الفريح
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم


علامة باركود

إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه

إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح


تاريخ الإضافة: 10/1/2023 ميلادي - 17/6/1444 هجري

الزيارات: 7996

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه

 

عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قال: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطفَانُ، بِذَرَاريِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ، وَمَعَ النَّبِيِّ يَوْمَئِذٍ عَشَرَةُ آلاَفٍ، وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرَوا عَنْهُ، حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، قَالَ: فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ، لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، قَالَ: فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ»، فَقَالُوا: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ»، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولُ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، قَالَ: وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَزَلَ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ غَنَائِمَ كَثِيرَةً. فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، وفي رواية: قَالَتِ الأَنْصَارُ: إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَإِنَّ غنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ فَبَلَغَ ذِلِكَ رَسُولَ اللّهِ فَجَمَعَهُمْ، وفي رواية: فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللّهِ، فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُم؟» فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا، يَا رَسُولَ اللّهِ، فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا: يَغْفِرُ اللّهُ لِرَسُولِهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، أَتَأَلَّفُهُمْ، أَفَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللّهِ؟ فَوَاللّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» فَقَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَضِينَا، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً. فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللّهَ وَرَسُولَهُ. فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ»، قَالُوا: سَنَصْبِرُ، وفي رواية: جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ الأَنْصارَ، فَقَالَ: «أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟»، فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ»، فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ».

 

عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ لَمَّا فَتَحَ حُنَيْنًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ، فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصيِبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلًا، فَهَدَاكُمُ اللّهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللّهُ بِي»، وَيَقُولُونَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ: «أَلاَ تُجِيبُونِي؟»، فَقَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا» - لأشَيْاءَ عَدَّدَهَا - فَقَال: «أَلاَ تَرْضَونَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبْلِ، وَتَذُهبُونَ بِرَسُولِ اللّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرًَا مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ».

 

شرح ألفاظ الحديثين:

((حُنَيْنٍ)): تقدم أنه واد بين الطائف ومكة المكرمة، وهو إلى مكة أقرب (26 كم شرقي مكة)، وفيه كانت غزوة حنين في شوال سنة 8هـ، غزا فيها النبي - صلى الله عليه وسلم – هوازن، وغنم منهم الذراري والسبي والأنعام.

 

((هَوَازِنُ)): قبيلة عدنانية كانت تقطن في نجد مما يلي اليمن، ومن أوديتهم (حنين)، وأوطاس: وادٍ هو أيضًا من ديارهم فيه اجتمعت هوازن وثقيف سنة (8هـ) لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

((غَطفَانُ)): قبيلة عدنانية كانت منازلهم بنجد مما يلي وادي القرى، وجبل طييء، ومن أوديتهم الرُّمَّة، كانوا يعبدون العزى في الجاهلية، وحالفوا قريشًا في غزوة الخندق (الأحزاب)، وحاربهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيها، ثم ارتدوا بعد موت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحاربهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حيث بعث عليهم خالد بن الوليد- رضي الله عنه - فقتلهم شر قتلة؛ [انظر معجم قبائل العرب القديمة والحديثة لعمر رضا كحالة (3/ 888،1231) وانظر أطلس الحديث النبوي من الكتب الصحاح ص (156، 287، 3682)].

 

((وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ)): بضم الطاء وفتح اللام، وهم الذين أسلموا يوم فتح مكة، وهو جمع طليق، يقال ذاك لمن أطلق من أسار أو وثاق، قال القاضي في المشارق: "قيل لمسلمي الفتح الطلقاء لمنِّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليهم؛ أي: إنه أطلقهم فلم يأسِرهم؛ [انظر شرح النووي لمسلم حديث (1059)].

 

((فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرينَ وَالطُّلَقَاءِ)): المهاجرون هم الذين هاجروا إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المدينة قبل فتح مكة، وبايعوه ومكثوا في المدينة، وناصروا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويدخل معهم أيضًا من هاجر من غير مكة إلى النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - في المدينة، وأما الأنصار، فهم الأوس والخزرج ومن والاهم من سكان المدينة الذين آمنوا بالله تعالى ونصروا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ودافعوا عنه، فهم أهل المدينة ممن آمن برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذين هاجر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى بلدتهم (المدينة) ومَن ثم هاجر المهاجرون إليهم، فسماهم النبي – صلى الله عليه وسلم - (الأنصار)، والمهاجرون أيضًا ناصروا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل جمعوا بين الهجرة والنصرة.

 

((فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ)): أدم بفتح الهمزة وهو الجلد المدبوغ، أي في قبة من جلد مدبوغ.

 

((أَتَأَلَّفُهُمْ)): أي أطلب بعطائي ألفهم وودهم وحبهم للإسلام.

((إِلَى رِحَالِكُمْ)): أي بيوتكم.

 

((سَتَجِدُونَ أُثْرَةً)): (أُثْرَةً): فيها لغتان صحيحتان إحداهما: بضم الهمزة وإسكان الثاء، والأخرى بفتحها، والأثرة: الاستئثار بالشيء المشترك؛ أي ستجدون من يستأثر عليكم؛ أي يفضل عليكم غيركم بغير حق، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصبر حتى يجدونه على الحوض يوم القيامة أي يصبروا حتى يموتوا.

 

((إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ)): أي في التعاون وما سيُسمع في لقاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع الأنصار، وأما بالنسبة للميراث ففيه خلاف، فقد استدل به من يورث ذوي الأرحام وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، ومذهب مالك والشافعي - رحمهم الله جميعًا - أنهم لا يورثون؛ لأن ظاهر الحديث لا يراد به الميراث.

 

وفي رواية أخرى لمسلم - رحمه الله -: "إن أناسًا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله".

 

والفيء: هي الغنائم التي حصلت للمسلمين يوم حنين، وأصل الفيء الرد والرجوع، ولذا سمي الظل بعد الزوال فيئًا؛ لأنه رجع من جانب إلى جانب، فكأن أموال الكفار سميت فيئًا؛ لأنها كانت في الأصل للمؤمنين؛ لأن الإيمان هو الأصل والكفر طارئ عليه، وهذه الأموال حين رجعت بعدما كانت في الأصل للمسلمين سميت فيئًا؛ [انظر الفتح كتاب المغازي حديث (4330) باب غزاة أوطاس].

 

((فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ)): هم أناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا، فأعطاهم النبي ليتمكن الإسلام من قلوبهم، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس - رضي الله عنه -: ((إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ)).


((أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلًا)): بضم الضاد وتشديدها جمع ضال، والمراد هنا ضلالة الشرك ((فَهَدَاكُمُ اللّهُ بِي)) الهداية هي الإيمان.

 

((وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللّهُ بِي)): العيلة: هي الفقر؛ أي كنتم فقراء لا مال لكم فأغناكم الله بي.

 

((وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللّهُ بِي)): لأن الأنصار كانوا قبل الهجرة في غاية التنافر والتقاطع لما وقع بينهم من حرب بُعاث وغيرها من الوقائع والحروب، فزال ذلك كله بالإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (الأنفال63).

 

((وَيَقُولُونَ: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ)): أي: إن المنة والفضل لله ورسوله، و(أَمَنُّ) اسم تفضيل.

 

((أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا. وَكَانَ مِنَ الأَمْرِ كَذَا وَكَذَا)): قال ابن حجر - رحمه الله -: "وأخرجه أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - بلفظ: ((" أفلا تقولون جئتنا خائفًا فأمناك، وطريدًا فآويناك، ومخذولًا فنصرناك"، فقالوا: بل المن علينا لله ولرسوله))، وإسناده صحيح، وإنما قال - صلى الله عليه وسلم – ذلك تواضعًا منه وإنصافًا، وإلا ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك له عليهم، فإنه لولا هجرته إليهم وسكناه عندهم، لَما كان بينهم وبين غيرهم فرق"؛ [انظر الفتح كتاب المغازي حديث (4330) باب غزاة أوطاس].

 

((أَلاَ تَرْضَونَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبْلِ)): الشاء: جمع شاة وهي للمذكر والمؤنث.

 

((الأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ)): الشعار: بكسر الشين، وهو الثوب الذي يلي الجسد، والدثار: بكسر الدال هو الثوب الذي فوق الشعار، وفي هذا استعارة لطيفة لبيان قربهم، وأنهم بطانته وخاصته والألصق به من غيرهم.

 

وفي رواية عند أحمد من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال بعد ذلك: "اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا)).

 

((وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرًَا مِنَ الأَنْصَارِ)): أراد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك أن يبين مالهم من منزلة ورفعة عنده، وأراد أن يطيِّب نفوسهم، وأنه لا يمنعه إلا الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ولا ينبغي له التفريط في فضلها.

 

((لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ)): المراد بوادي الأنصار هنا بلدهم، والشعب: بكسر الشين هو اسم لما انفرج بين جبلين، وقيل: هو الطريق في الجبل، وأراد بذلك أن يبيِّن لهم أنه يكون في مكان الأنصار، ولو سلكوا طريقًا لسلك طريقهم، وفيه فضيلة لهم ورجحانهم في طريقهم.

 

من فوائد الحديثين:

الفائدة الأولى: الحديثان فيهما دلالة على إعطاء صنف من أهل الزكاة الثمانية واستحقاقهم لذلك، وهم المؤلفة قلوبهم، وهم الذين يُطلب تأليف قلوبهم لأجل الإسلام، وهم على قسمين:

الأول: مؤلفة قلوبهم من المسلمين.

والثاني: مؤلفة قلوبهم من الكفار.

 

والمؤلفة قلوبهم من الكفار على قسمين:-

1- من يُعطى لرجاء إسلامه، ولابد من قرائن تدل على رجاء إسلامه.

2- من يُعطى لكف شره ولو لم يُرجَ إسلامه.

 

وأما المؤلفة قلوبهم من المسلمين، فهم على صور، فمنهم من يُعطى رجاء قوة إيمانه، وذلك كأن يكون حديث عهد بكفر، فيعطى ليقوى إيمانه؛ كما في حديثي الباب؛ حيث أعطى النبي –صلى الله عليه وسلم - كفار قريش لأنهم حديثو عهد بجاهلية ومصيبة، حيث أصابهم التفرق والشتات بعد فتح مكة، وأعطى الطلقاء والمهاجرين كل ذلك طلبًا لتقوية إيمانهم وتأليف قلوبهم للإسلام.

 

الفائدة الثانية: الحديثان فيهما دلالة على جواز تصرف الإمام بالفيء ولو أدى ذلك إلى منع طائفة منه وإعطاء طائفة وأناس آخرين، ولو كان فيهم أغنياء كل ذلك تبعًا للمصلحة التي يراها الإمام في مصالح المسلمين؛ إذ في إعطاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المؤلفة قلوبهم إنقاذًا لهم من الضعف الذي يعيشونه، وتكثيرًا لسواد المسلمين وقوة لشوكتهم.

 

الفائدة الثالثة: الحديثان دليل على فضل الأنصار، وتقدم بيان ذلك والكلام عليه في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حُبَّ الأنصار وعلي - رضي الله عنهم – من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.

 

وفي حديث الباب بيَّن فضلهم بقربهم منه كونهم كالشعار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الناس ينطلقون بمتاع الدنيا وأنتم تنطلقون برسول الله إلى بيوتكم، ولولا الهجرة لكان منهم ولو سلك الناس واديًا وشعبًا لسلك واديهم وشعبهم، وأخبرهم بلقياه على الحوض، وهذه الفضائل والقرب من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واسمهم الأنصار جعلت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستنصر بهم، فينادي نداءين كلاهما للأنصار، فرضي الله عنهم وأرضاهم.

 

الفائدة الرابعة: في هذه الحادثة ثلاث لفتات تربوية:

الأولى: أنه ينبغي للمربي حين يعتب عليه من تحت يده في تصرف يرى هذا المتربي أن له حقًّا فيه لم يعطاه، أن يبيِّن له ويزيل ما في نفسه، وإن كان يرى أن في تصرفه مصلحة، وأنه مُحق فيما تصرف فيه، بل يبيِّن له ويخصه بالحديث والكلام والتوضيح والبيان، تأمل كيف أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين عتب عليه شبان الأنصار - رضوان الله عليهم - فخطبهم وخصهم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ))، وبيَّن لهم سبب تصرفه، ولم يتركهم هكذا، وأنه يرى ما لا يرون من المصلحة.

 

والثانية:حسن أدب المتعلم بأن يعتذر إلى معلمه ومربيه فيما صدر عنه، ولا ينس فضل معلمه عليه، ويتأمل كيف اعتذر الأنصار، حين قالوا: ((أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا، يَا رَسُولَ اللّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا. وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، قَالُوا: يَغْفِرُ اللّهُ لِرَسُولِهِ. يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ))، ولم ينسوا فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلما قال شيء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالوا: ((اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ))، ولم يماروه أو يحاققوه.

 

والثالثة: أنه ينبغي للمربي أن يزيل ما عند المتربي من فهم خاطئ ربما يحدثه الموقف، ويبيِّن ماله من حق ومنزلة وفضل إن كان له ذلك، ويرشده ويوصيه بما يناسب الموقف، وتأمل كيف بيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما للأنصار من فضل ومنزلة وقرب، حينما ظنوا أن هذا الموقف يعني بعدهم عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقرب غيرهم؛ حيث أعطى غيرهم ولم يعطهم، فأزال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك ببيان منزلتهم، وكيف أوصاهم وأخبرهم بأنه سيأتي من يضيع حقهم، فليصبروا والله أعلم.

 

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الزكاة)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • إبهاج المسلم بشرح ...
  • الدر الثمين
  • سلسلة 10 أحكام ...
  • فوائد شرح الأربعين
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة