• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع  محمد الدبلد. محمد بن سعد الدبل شعار موقع  محمد الدبل
شبكة الألوكة / موقع د. محمد الدبل / مقالات


علامة باركود

عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (4)

عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (4)
د. محمد بن سعد الدبل


تاريخ الإضافة: 11/12/2013 ميلادي - 7/2/1435 هجري

الزيارات: 13693

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عناصر النظم القرآني في سورة الرعد (4)


قِفْ - أيها الكريم - عند قوله - سبحانه -: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 10]، وتأمَّل هذا النظم البديع؛ إذ لما قرر السياق إثبات علم الله المحيط بالشاهد والغائب في الآية السابقة من قوله: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ جاء قوله: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ ﴾ الآية، وفي ذلك تفصيل لمدى علم الله - جلت قدرته - بكل شيء، ومن بديع هذا النظم تلك المقابلات الفنية العجيبة بين الألفاظ، ومن روائعه مقابلة "مستخفٍ" بـ: "سارب"، تلك اللفظة التي بظلها تعطي عكس معناها، فظلها ظل خفاء أو قريب منه، ولكن الحركة فيها هي المقصودة في مقابل الاستخفاء[1]، فتم التقابل العجيب الذي يدركه كلُّ من له أدنى ذوق بفن القول.


وإن كانت المقابلة هنا غير حقيقية، بل تكاد تكون إيهامًا بالمقابلة، لأن المستخفي يقابله الظاهر الذي يكشف عن نفسه، أما السروب ففيه حركة خفية؛ ولذلك فهو قريب من الاستخفاء، ففيه ما يمكن أن نسميه "مشاكلة معنوية" أو إيهام هذه المشاكلة، وقد فسر الطبري "السارب" بالظاهر؛ أي: الظاهر بالنهار في ضوئه[2]، وهنا تتم المقابلة بين اللفظين.


ويمضي السياق مترابطًا؛ إذ يقول - سبحانه -: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ [الرعد: 11] إلى قوله: ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]، في هذه الآية ترابط عجيب يلحظه المتأمل في جو الآية السابقة؛ حيث ترتب عليهن ذكر الأسباب الداعية إلى حلول عذاب الله بكل من يحيد عن الحق بعد ظهوره تكبُّرًا وعنادًا، وعلى ذكر الأسباب تترتب النتائج في أسلوب هذه الآية، والتي من عجيب نظمها عرض الأمور التي ما إن راقبها الإنسان إلا كان بمنجاة من عذاب الله وبطشه، تلك الأمور متمثلة في قوله -تعالى-: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ﴾، وهذا على القول: بأن الهاء في "له" تعود إلى "من" في قوله: ﴿ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾ [الرعد: 10]... وعلى أن المراد بـ: "المعقبات" الملائكة الحفظة، "وهو الذي عليه الجمهور[3]".


ويتبين بديع الرصف والتأليف في ذكر الأسباب الداعية إلى حلول العذاب، ثم في ذكر ما من شأنه الحيلولة دون عذاب الله بحكمه ومشيئته، وهو عمل الملائكة الموكلين بحفظ البشر ومراقبتهم، فمتى ادَّكر هذا الشأن حصل الخلاص من عذاب الله بأمره وحكمته، وإن لم يراقب الإنسان ربه في سره وجهره، فليس بمنجاة من العذاب، وهذا ما جاء مرتبًا في السياق من قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وقوله: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].


ومن بديع النظم في الآية أن وردت تراكيبها مصدَّرة بالجملة الاسمية في قوله: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ﴾.


مع بلاغة التقديم والتأخير هنا، وفي ذلك تمام التوكيد وقوته، ثم التنويع في العبارة بمجيء الجملة الفعلية من قوله: ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾، والفعل هنا مضارع، وصيغة المضارع تفيد معنى التجدد والحدوث، وهذا هو ما يتناسب مع عمل الملائكة الموكلين بالآدميين في جيئة وذهوب، وحدوث واستمرار، وفي تكرار لفظة "قوم" وتنكيرها ما يوحي بملائمتها للفعل ﴿ يُغَيِّرُ ﴾؛ إذ سيق لمعنى الانتقام والعذاب، وفي تكرار لفظ الجلالة "الله" ثلاثًا ما يعضد المعنى قوة ووضوحًا؛ إذ البطش والعذاب قوة، والله لا غيره القوي القادر العزيز.


وأخيرًا تختم الآية بالجملة الاسمية في قوله: ﴿ فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]، وفي ذلك تأكيد لتقوية المعنى كما تقتضيه الجملة الاسمية، وانظر لم خطفت الياء من لفظة "وال"؟ فليس ذلك لمجرد تناسق الفاصلة، وإنما في ذلك تعبير عن إنزال العذاب، وسرعته، وعدم القدرة على رده والإفلات منه.


ولم تزَلِ الآيات في تراكيبها متلاحمة متلاصقة؛ إذ ترسم الآيتان الكريمتان من قوله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾ [الرعد: 12] حتى قوله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [الرعد: 13] مشهدًا علويًّا هائلاً يُؤذِن بالرعب والخوف الشديد.

••••


تلك نقلة عجيبة في سياق الآيات بارعة في نقل الحس والشعور؛ فمن روائع النظم هنا ذكر البرق والرعد، والسحاب الثقال، وبجانب تلك الظواهر تساق لفظتان هما: ﴿ خَوْفًا وَطَمَعًا ﴾؛ إذ إن الظواهر السابق ذكرها من برق ورعد وسحاب - تُحدِث في النفس البشرية أمرين، هما الخوف والطمع، ولا ثالث لهما، وهذا التعبير من براعة صحة الأقسام الذي هو عبارة عن استيفاء المتكلم جميع أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه، بحيث لا يغادر منه شيئًا، وكل ذلك أتت عليه الآية الكريمة، فليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق، والطمع في الغيث، ومن بدائع النظم في الآية هنا تقديم الخوف على الطمع، وإذ إن الصواعق يجوز وقوعها من أول برقة، ولا يحصل المطر إلا بعد تواتر الإبراق، فيبقي عامل الخوف مسيطرًا على النفوس، أما إذا تواتر الإبراق ففي ذلك توقع لنزول المطر؛ ولذا كانت العرب تعد سبعين برقة ثم تنتجع فلا تخطئ الغيث والكلأ، وإلى هذا أشار المتنبي بقوله:

وقد أَرِدُ المياهَ بغير هادٍ
سوى عدِّي لها بَرْقَ الغمام[4]

 

ولما كان الأمر المَخُوف يجوز وقوعه من أول برقة واحدة أتى ذكر الخوف في الآية مقدمًا؛ لكون الواحد أول العدد، ولما كان الأمر المطمع من البرق إنما يقع بعد عدد من الإبراق أتى ذكر الطمع ثانيًا؛ لكونه لا يقع إلا في أثناء العدد، وليكون الطمع ناسخًا للخوف، كمجيء الرخاء بعد الشدة، والفرَج بعد الكربة، والمسرة بعد الحزن، فيكون ذلك أحلى موقعًا في القلوب، ويشهد لهذا التفسير قوله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ﴾ [الشورى: 28][5].

••••


وقد حصل في هاتين اللفظتين اللتين هما بعض من الآية مع صحة التقسيم حسنُ الترتيب والتهذيب، ومن تمام المعنى وحسن النظم ختام الآية بقوله: ﴿ وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴾ [الرعد: 12]، فقد جاءت هذه الخاتمة بعد قوله: "وَطَمَعًا"، فمن ذا الذي لا يطمع فيما تحمله السحاب من خير، وفي وصف السحاب "الثقال" ما يضفي على المشهد روعة وجلالاً وقوة تشهد أنه من صنع الله.


ثم عطفت الآية الثانية بالواو من قوله: ﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ﴾ [الرعد: 13]، فهنا مشهد آخر ذو حركة مليئة بالخوف، متمثلة في زمجرة الرعد، وقصف الصواعق المدبرة بمشيئة الله، والإطار المتضمن لتلك المعاني متحرك أيضًا يلحظ ذلك في الأفعال المضارعة "يسبح، يرسل، يصيب، يشاء، يجادلون"، وراعِ العطف بالواو الذي وَلِيَه عطف بالفاء في قوله: ﴿ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الرعد: 13] ففي ذلك الدلالة على نفاذ أمر الله، وسرعته من غير ما تباطؤ أو مانع يحول.


بعد أن قررت هذه الآية أمورًا كلها من عند الله، وأزِمَّتها طوع إرادته من خير أو شر يصيب به العباد أو يصرفه عنهم، جاء قوله: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ﴾ [الرعد: 14].


وهنا يتضح الترابط المحكم بين الآيات؛ فقوله: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾ حتى آخر الآية: تقرير بأنه ما من شيء سبق ذكره في الآية السابقة، إلا وهو مسيَّر ومدبَّر بمشيئة الله وإرادته، وأن ما دونه من المخلوقات لا يملك من الأمر شيئًا، وإذًا له دعوة الحق لا لغيره.

 

والآن لنتفحص بعض تراكيب هذه الآية، ولننظر في مدى تلاحم كل لفظة مع أختها، وقيام كل تركيب بوظيفته فيما يخدم المعنى ويوضحه.


انظر لأول الآية، فقد صدِّر بالجار والمجرور مقدمًا على خبره، وفي ذلك تخصيص بأن مَصْدر كل شيء من عند الله، وإليه، وله؛ فإذًا ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾، وراعِ تلك الإضافة في قوله: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾ لأي غرض تلك؟ "إنها من إضافة الموصوف إلى الصفة، فحاصل المعنى أن الذي يستحق أن يُعبَد هو الله - تعالى - لا غيره؛ فهو حقٌّ، وله دعوة الحق[6]"، ويعضد ذلك المعنى ويقويه قوله بعده: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ﴾ [الرعد: 14].


ويعنينا في نظم تلك الآية الوقوف على كُنْهِ التركيب فيها وطريقته، فبعد قوله: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ﴾ خذ من الآية قوله: ﴿ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ﴾ [الرعد: 14]، وانظر لسَلاسةِ تلك الألفاظ وسهولتها، مع أنها تعبِّر عن مشهد يتطلب ألفاظًا أقوى وأشد، ولكن عدل عن غيرها إليها؛ لأن التصوير جاء منتزعًا من القريب الواقع، فجيء له بألفاظ قريبة المتناول، ثم الْحَظْ لِم التعبير بـ: ﴿ كَفَّيْهِ ﴾ دون كفه، وما السر في تعريف لفظة الماء باللام؟ كل ذلك معين لأداء المعنى على أكمل وجه، في أكمل صورة وأبدع تركيب.

••••


وهذا شأن الأسلوب القرآني في اتباع طريقة التصوير؛ إذ يعمل على تقريب المعنى وتقريره في الأذهان، وسيمر معنا القول في ذلك مفصلاً في حينه إن شاء الله.


وأخيرًا تأمل تكرار النفي في سياق الآية من قوله: ﴿ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [الرعد: 14]، ثم لِمَ لَمْ يعبر بخسارٍ أو ضياع؟ ذلك التكرار للنفي، والتعبير بـ: ﴿ ضَلَالٍ ﴾ يُبقِي المعنى مستمرًّا يشهد بخسران ما يعمله الكافر.



[1] في ظلال القرآن لسيد قطب ((تفسير سورة الرعد))، الجزء الثالث عشر من المجلد الرابع، طبعة دار الشروق ببيروت.

[2] تفسير الطبري، الجزء الثالث عشر من المجلد السابع ص 75، الطبعة الثانية، دار المعرفة بيروت.

[3]انظر تفسير الرازي، الجزء 19 ص 18، الطبعة الأولى 1357هـ، الطبعة البهية بمصر.

[4] انظر التبيان في شرح الديوان للعكبري ص 411، مطبعة بولاق.

[5] انظر بديع القرآن لابن أبي الإصبع ص 65، 66، تحقيق حفني شرف، الطبعة الثانية، مطبعة نهضة مصر.

[6] انظر روح المعاني للألوسي، الجزء الثالث عشر، ص 123، مطبعة إحياء التراث، بيروت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • خطب منبرية
  • قصائد
  • أناشيد
  • كتب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة