• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
موقع العلامة محمد بهجة الأثريالعلامة محمد بهجه الأثري شعار موقع العلامة محمد بهجة الأثري
شبكة الألوكة / موقع العلامة محمد بهجة الأثري / بحوث ودراسات


علامة باركود

كيف تستدرك الفصاح في المعاجم الحديثة (3)

كيف تستدرك الفصاح في المعاجم الحديثة (3)
العلامة محمد بهجه الأثري


تاريخ الإضافة: 30/11/2013 ميلادي - 26/1/1435 هجري

الزيارات: 11267

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كيف تستدرك الفصاح في المعاجم الحديثة (3)


اللفظ الثالث:

صمد، ومعناه، ومصدره.


جرى في الاستعمال الحديث (الصمود) مصدرًا للفعل (صمد)، وأُعْطِي غير معناه عند العرب.


والصَاد والميم والدال - كما قال أحمد بن فارس في (المقاييس) - أصلانِ: أحدهما القصد، والآخر الصلابة؛ فالأول: (الصمْد: القصد)، يقال: صمدته صمدًا، وفلان مصمَّدٌ: إذا كان سيدًا يُقصد إليه في الأمور، وصَمَدٌ أيضًا، والله - جل ثناؤه - الصَّمَد، وهو كل مكان صُلْب، وعلى هذين المضمونين جرت الأمَّهات المتداولة: تهذيب اللغة، والصِّحاح، وأساس البلاغة، والقاموس المحيط، ولسان العرب، وتاج العروس، والنهاية، ومفردات الراغب.


وكلها قد ذكرت (الصمد) وحده مصدرًا لـ: (صَمَدَ)، ولم يذكر شيء منها (الصمود)، كما أنها كلها ذكرت من معاني هذه المادة ما لا يخرج عن تأصيل (المقاييس)، لأصليها القصد والصلابة، ما خلا زيادات عليه في بيان وجوه استعمال فعله متعدِّيًا بنفسه، أو بالهمزة، أو بالتضعيف، وأذكر منها ما يعنيني، وهو من لسان العرب وتاج العروس، ففيهما: "صمده، يصمده، صمدًا، وصمد إليه، كلاهما قصده، وصمَد صَمْد هذا الأمر: قصد قَصْده واعتمده، وتصمَّد له بالعصا: قصد، وفي حديث معاذ بن الجموح في قتل أبي جهل - وليلاحظ أنه مسوق في بيان معنى القصد -: "فصمدت له حتى أمكنتني منه غرَّة"؛ أي: وَثَبْتُ له وقصدته.


وقد حرَّف النُّسَّاخ أو المطبعة (وَثَبْتُ له) إلى (ثبَتُّ له) في (النهاية في غريب الحديث) طبعة المطبعة الخيرية، ومختصرها (المسمى بالدُّر النثير)، القابع في أسفل (النهاية)، فصُرف بذلك عن معناه خلافًا لنصَّي اللسان والتَّاج، والذي يناسب القصد إنما هو الوثوب لا الثبات، وليس للثبات صلة ما بالسياق وبالأصل المؤصل للصاد والميم والدال، فهو مباين له بلا نزاع.


وقد شاع في الأيام الأخيرة (الصمود) مصدرًا لصمد، واستُعمل بمعنى الثبات، فقالوا: صامد وصامدون؛ أي: ثابت وثابتون.


فأما (الصمود) مصدرًا لصمد، فقد أغفلته الأمَّهات، ولم تذكر له غير مصدر واحد هو (الصمد) كما قدمت، وانفرد ابن القطَّاع بذكره مع (الصَّمْد) في كتابه الأفعال، كما انفرد بالهروب وبغيره أيضًا، فقال: "صمدت إلى الله - تعالى - صمدًا وصُمُودًا، وأصمدت: لجأت، وصَمَدْتُ للشَّيء صَمْدًا، وصَمَدْتُه: قَصَدْتُهُ"، ويلاحظ إذ ذكر الصُّمُود أنه خصَّه بمعنى اللجوء، ليس غير، واللجوء فيه معنى القَصْد، وكلاهما بعيد عن الثَّبات.


في (الثَّبات) الرُّسُوخُ والاستقرار، وفي (الصَّمْد) الحركة والمبادرة والوثوب، وإعطاء الصمد معنى الثبات إضعافٌ له، ونحن نثبُتُ للعدوِّ في قتاله، ثم نصمُدُ له ونهجُمَ عليه، فالثبات أوَّلاً، ثم يكون الهجوم بعد الرسوخ والتعبئة والاستعداد.


قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ﴾ [الأنفال: 45]؛ أي: لا تفرُّوا ولا تضطربوا، وقال في سورة البقرة: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ﴾ [البقرة: 250]، وفي سورة آل عمران: ﴿ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ﴾ [آل عمران: 147].


وإذا أردنا الهجوم، قلنا: صَمْدًا صَمْدًا، ألا نرى إلى الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كيف يقول ذلك لأصحابه في أول أيام اللقاء والحرب بصِفِّين - وهو في نهج البلاغة -: "... فعاوِدوا الكرَّ، واستحيُوا من الفر؛ فإنه عار في الأعقاب، ونار يوم الحساب، وطِيبوا عن أنفسكم نفْسًا، وامشوا إلى الموت مشيةً سُجُحًا، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرِّواق المُطَنَّب، فاضربوا ثَبَجَهُ؛ فإن الشيطان كامنٌ في كِسْرِه، وقد قدَّم للوثبة يدًا، وأخَّر للنكوص رِجْلاً، (فصَمْدًا صَمْدًا)، حتى ينجلي لكم عمود الحق، وأنتم الأعلون، والله معكم، ولن يَتِرَكم أعمالكم"[1].


أهذا الكلام؛ إذ يقول فيه بعد أمره أصحابه بمعاودة الكر: (فصَمْدًا صَمْدًا)، يشم منه معنى غير معنى القصد والهجوم؟


قال ابن أبي الحديد يشرحه: "وقوله - عليه السلام -: فصَمْدًا صَمْدًا؛ أي: اصمدوا صَمْدًا صَمْدًا، صمدت لفلان؛ أي: قصدت له".


وجاء في خبر ذهاب شَبِيب نحو الكوفة ومحاربته الحجَّاج وإخافته، قولُه - وهو في شرح نهج البلاغة -: "دبُّوا دبيبًا تحت تِراسكم، حتى إذا سارت أسنَّة أصحاب الحجاج فوقها، (فأدلفوها صَمْدًا)، وادخلوا تحتها، واضربوا سُوقهم وأقدامهم، وهي الهزيمة - بإذن الله"، فأقبلوا يدبُّون دبيبًا تحت الحَجَف (صَمْدًا صَمْدًا) نحو أصحاب الحَجَّاج[2].


أفأراد شبيب بقوله: (فأدلفوها صمدًا)، وبقوله: (صمدًا صمدًا) نحو أصحاب الحَجَّاج": اثبُتوا لهم، أم أراد: اقصدوا نحوهم؟


وإذا استقر هذا كُلُّه في الأذهان، واطمأنت إليه النفوس، فلعله يصلُح حينئذٍ منطلقًا لمعاودة النظر في تحرير هذه المادة في (المعجم الوسيط) عند إعداده لطبعة جديدة؛ إذ جاء فيه: "صمد، يصمد، صمدًا، وصمودًا: ثبت واستمر، ومنه قول الإمام علي: صمدًا صمدًا حتى يتجلى[3] لكم عمود الحق: ثباتًا ثباتًا.."، إلى آخر ما جاء فيه، وقد قدَّمتُ الحُجَّة على ما يفيد خلاف هذا.


وأغلب الظنِّ عندي أن (الصمود) الشائع الذي تجري به الأقلام وتنطقه الألسنة، مُحَرَّف من السُّمود، وإن كاتبًا من الكتَّاب قد استعمله متفاصحًا ومتقيِّلاً مذهب البُلَغاء في انتقاء الألفاظ، فتلقَّفه منه المتلقِّفون، ثم أبدلوا سينه صادًا على سبيل التوهم، والسمود تشترك فيه عدة معانٍ، ومن هذه المعاني: الثبات في الأرض والدَّوام عليه، ومنها رفع الرجل رأسه تكبرًا، والسَّامد: المنتصب إذا كان رافعًا رأسه، ناصبًا صدره، وفي حديث علي - رضي الله عنه - وقد خرج إلى المسجد والناس ينتظرونه للصلاة قيامًا، فقال: ما لي أراكم سامدين؟ قال الشَّارح: أنكر عليهم قيامهم قبل أن يرَوْا إمامهم.


أردتُ من محاكمة هذه الألفاظ إلى أصولها اللغوية الأصلية، وأنصبتها الحقيقية - وغيرُها كثير - أن أستبينَ المذهب الذي ينبغي أن يُستنَّ في تدوين المعجم الحديث، وما يودع فيه من ألفاظ صالحة استدراكًا على المعاجم الأصول، وما نرفض إيداعه فيه من الألفاظ التي تحيَّفها الزَّيغ أو التحريف أو التصحيف، ويظُنُّ المتعجِّلُ سلامتها من ذلك، كما يفرِضُ الحفاظ على أصالة اللغة أن نفعل، وهي بعدُ من وَفْرَة الألفاظ ومن الاتساع والطَّواعية والمُواتاة بحيث لا تحتاج إطلاقًا إلى إدخال الفاسد عليها، المنحرف عن معانيها ومقاصدها.


الاستدراك على المعاجم الأصول سهلٌ ميسور حينًا، وصعبٌ بل عسيرٌ حينًا آخر، سهل ميسور حين يتصل الأمر بالمُوَلَّد والمُعَرَّب ونحوهما - دون العامي المبتذل - مما لم يدوَّن في المعاجم الأصول، ويظفر به في كتب غيرها، ويجمع من مظانِّه المعتمدة ويدون في المعجم الحديث، وهو صعب، بل عسيرٌ غاية العسر حين يتصل الأمر بالفصاح، يُظَنُّ أنَّها فاتت الأوائل، وتُحسَب حين يظفر بها في كتاب من غير كتب اللغة صيدًا أَفْلَتَ من شِباك القَنَّاص، فيسارع إلى قيدها، وتُقبَل قبل أن يتبيَّن مصدرها وموردها، وقبل أن تمحَّص وتعارضَ على الأصول المحررة بتدقيق بالغ، ونحن نعلم أن هذه الكتب قد اعتَوَرَها من التحريف والتصحيف والنقص والزيادة ما يتجاوز حدود التصور، وقبل أن يحرر العلماء الأثبات هذه الكتب تحريرًا علميًّا أصيلاً وعميقًا، يَئِلُ إلى علم وفهم وتثبُّت، لا يجوزُ في نظري الأخذُ منها والاحتجاج بها لصحة شيء أو استدراكه.


والأمثلة التي عرضتها صورٌ، مَثُلَ في وجوهِها العَوَرُ والتشويه والمسخ، وغيرها كثيرٌ جدًّا، ولعلَّها تسمح لمثل نظرتي إليها وإلى أمثالها أن نقفَ منها موقف الحذِرِ، ولا نقبل شيئًا منها، إلا بعد تحقيقِها كما يَفْرِض وفاء الذِّمم للغتنا الكريمة الغالية.


وأنا إذ أَعْرِض هذه الألفاظ المنقودة، لا أقف دونها موقف "حامي الهدف" "في لعبة الكرة"، وإن كان الأمر في جُملتِه وتفصيله جِدًّا بالغ الخطورة في حياة اللغة، وإنما أرجو أن تكون دُولةً بينكم في مناقشة منهجها، وتبيُّن ما فيه من خطأ ومن صواب.


إن هذه اللغة ليست مِلْكًا لفرد، ولا لأهل إقليم بعينه، وإنما هي مِلك الأمة العربية جمعاء، ملك أبنائها الحاضرين والمقبلين، بل ملك الأمة الإسلامية ما بين مشرق للشمس ومغيب، في حاضرٍ وفي مستقبل، هي لسان القرآن، وهو لسان الدين الذي تدين به، وتنطق به شهادتها، وترفع أذانَها، وتتلوه في صلواتها آناء الليل وأطراف النَّهار.


أقول هذا، وأنتم جميعًا أفقه منِّي له، وأبعدُ عمقًا في فهمه، وأَكِلُ إليكم نقده وتمحيصه، والله ولي التوفيق.



[1] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 1/479.

[2] شرح نهج البلاغة، 1/422 - والحَجَف: جمع حجفة، وهي الترس من جلود وليس فيه خشب ولا عقب.

[3] في شرح النهج "ينجلي" بالنون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب
  • ديوان الأثري
  • قالوا عن الأثري
  • مراسلات
  • مقالات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة