• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / خطب منبرية


علامة باركود

شرح حديث المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (خطبة)

شرح حديث المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 16/12/2025 ميلادي - 26/6/1447 هجري

الزيارات: 199

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرحُ حديث المتشبِّع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور

 

إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].


أمَّا بعدُ:فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ وتذاكَرُوا في مجالسكم ومع أهلِ بُيُوتِكم جَوَامِعَ الكَلِمِ التي أُوتِيها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، لتستخرجوا كنوزَها، وتُطبِّقُوا مُعْطَيَاتِها على واقِعِكُم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (‌وَأُوتِيتُ ‌جَوَامِعَ ‌الْكَلِمِ) الحديث رواه مسلم.


ألا وإنَّ مِن جوامِعِ الكَلِم التي أُوتيها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم قولُه: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ ‌كَلابِسِ ‌ثَوْبَيْ ‌زُورٍ) متفق عليه.


ففي هذا الحديث التحذير من أنواع كثيرة من الذنوب والآثام والتي أعظمُها الرياء، وفيه أدبُ التعامُلِ مع اللهِ ومَع عبادِه، وفيه النظر في الأسباب التي تُوقِعُ في هذا الْخُلُقِ المذمومِ، وطُرُقِ الوقايةِ منه، وكيف عالَجَ هذا الحديثُ ظاهرةَ التفاخُرِ والْمُباهاةِ وحُبِّ الْمَظاهرِ والتباهي باقتنائها بين أفرادِ المجتمعِ بجميع فِئاتِه، بل وحتى الأطفال انتقل إليهم هذا الأمر، فصاروا يَتباهَوْن بِلُبس الْمَاركاتِ العالميةِ ويُطالبون آبائهم بها، وأمَّا النساءُ والرجال فلا يُستطاعُ أنْ يُمَيَّزَ بين صاحب الدخل المتوسط مِن الدخل العالي، فالبعضُ مِن النساءِ يلبسن أغلى الماركاتِ ويتفاخرن بذلك، تشبُّعٌ بما لا يَملِكْنَ إمَّا بِدُيونٍ أو استئجارٍ أو استعارةٍ أو إثقالٍ لكاهلِ الزوجِ، وانتقل الأمر إلى الرجالِ بشراء سياراتٍ فارهةٍ وبُيوتٍ مرموقةٍ بالدُّيونِ والتكلُّف والتبذير في المناسبات وبالدُّيونِ تَشَبُّعًا بما لَم يُعْطَوْا، فهل كلُّ هذه الفئاتِ لديها مِن الأموالِ ما يكفي لِمجاراةِ غيرِهم؟ وما السبب وراء ذلك؟ وما آثاره على الفردِ والمجتمع؟ وما علاجِ هذه الظاهرة؟

 

عباد الله: لقد اهتمَّ الإسلامُ ببناء الفردِ الْمُسلمِ، واعتنى به بأَنْ أرشده للسلوك القويم في جميع معاملاته، وحذَّره مما يُمكنُ أن يقع فيه من أخطاءٍ أو انحرافاتٍ.


ومِن هذه الانحرافات السلوكية: أنْ يَتَظاهرَ الفردُ بما ليس عنده مِن مالٍ أو عِلْمٍ، ليُعْرَفَ ويُشتهرَ بين الناسِ، وبيَّن له بأن ذلكَ مِن الزُّورِ والكذبِ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188]، قال ابنُ كثيرٍ: (يعني بذلكَ الْمُرائينَ الْمُتكثِّرين بما لَم يُعْطَوا)، وقال الْمَازريُّ: (ويَدخُلُ في ذلكَ الْمُتكثرون بما لم يُعْطَوا)، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]، قال السعدي: (‌أدعي ‌أمرا ‌ليس ‌لي).


وعن أسماء رضي الله عنها: (أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ ‌كَلابِسِ ‌ثَوْبَيْ ‌زُورٍ»؛ رواه البخاري ومسلم، قال ابنُ الأثير: (أَيِ ‌الْمُتكثِّرُ ‌بأكثَر مِمَّا عنْده يَتَجَمَّلُ بذَلِكَ، كَالَّذِي يُرى أَنهُ شَبْعَانٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَنْ فَعَلَهُ فَإِنَّمَا يَسْخَرُ مِنْ نفْسِه، وهُوَ مِنْ أَفْعَالِ ذَوُي الزُّورِ، بَلْ هُوَ في نَفْسِهِ زُورٌ: أَيْ كَذبٌ)، (وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: هُوَ أَنْ ‌يَلْبَسَ ‌ثَوْبَيْ ‌وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهُمَا لَهُ، ولِبَاسُهُمَا لا يَدُومُ وَيَفْتَضِحُ بِكَذِبِهِ)، وقال الخطَّابيُّ: (والمعنى أن المتشبع بما لم يعط ‌بمنزلة ‌الكاذب ‌القائل ما لم يكن)، وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: (الزُّورُ هو الْمُحَسَّن الْمُمَوَّه حتى يَظْهَرَ بخلافِ ما هو عليه في الحقيقة)، وقال القرطبي: (ويُفهم من هذا الكلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم ‌نهى ‌المرأة ‌عن ‌أن ‌تتظاهر وتتكاثر بما لم يُعطها زوجُها؛ لأنَّه شَبَّه فعلَها ذلك بما يُنتهى عنه، وهو: أن يَلبس الإنسانُ ثوبينِ زُورًا).


وقال صلى الله عليه وسلم: (‌وَمَنِ ‌ادَّعَى ‌دَعْوَى ‌كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلاَّ قِلَّةً) الحديث رواه مسلم، (قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ دَعْوَى يَتَشَبَّعُ بِهَا الْمَرْءُ بِمَا لَمْ يُعْطَ، مِنْ مَالٍ يَخْتَالُ في التَّجَمُّلِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ نَسَبٍ يَنْتَمِي إِلَيْهِ، أَوْ عِلْمٍ يَتَحَلَّى بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَمَلَتِهِ، أَوْ دِينٍ يُظْهِرُهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَعْلَمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ غَيْرُ مُبَارَكٍ لَهُ في دَعْوَاهُ وَلا زَاكٍ مَا اكْتَسَبَهُ بهَا).


وقال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنِ ‌ادَّعَى ‌مَا ‌لَيْسَ ‌لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا) رواه مسلم، قال ابن حجر: (وَيُؤْخَذُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ‌تَحْرِيمُ ‌الدَّعْوَى ‌بِشَيْءٍ لَيْسَ هُوَ لِلْمُدَّعِي، فَيَدْخُلُ فِيهِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةُ كُلُّهَا مَالًا وَعِلْمًا وَتَعَلُّمًا وَنَسَبًا وَحَالًا وَصَلاحًا وَنِعْمَةً وَوَلاءً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَيَزْدَادُ التَّحْرِيمُ بِزِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ).


وقال عمر في رسالته لأبي موسى رضي الله عنهما في القضاء: (فَمَنْ ‌خَلُصَتْ ‌نِيَّتُهُ ‌في ‌الْحَقِّ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ كَفَاهُ اللهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لَهُمْ بِمَا لَيْسَ في قَلْبِهِ شَانَهُ اللهُ) رواه البيهقي وجوَّده البلقيني، قال ابن القيم: (هذا شقيق كلام النبوة، وهو جدير بأن يخرج من مشكاة المحدَّث الملهَم. وهاتان الكلمتان من كنوز العلم، ومَن أحسنَ الإنفاقَ منهما نفَع غيرَه وانتفَع غايةَ الانتفاع، فأما الكلمةُ الأولى فهي منبعُ الخير وأصلُه، والثانيةُ أصلُ الشرِّ وفصلُه.. وأساس النفاق وأصله هو التزيُّن للناس بما ليس في الباطن من الإيمان، فعُلِم أن هاتين الكلمتين من كلام أمير المؤمنين مشتقَّةٌ من كلام النبوة، وهُما مِن أنفعِ الكلامِ وأَشْفَاهُ للسَّقَام).


وهذه الخصلة الذميمة (التشبُّع بما لَم يُعْطَ) من كبائر الذنوب، وقد ذكرها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه الكبائر.


عباد الله: وأما مظاهر هذا السلوك الذميم:

فمنها: أولًا: ظاهرةُ المفاخرةِ والتقليد: والمتأمل في مواقع التواصُلِ الاجتماعي يجد كثيرًا من الممارساتِ والصورِ للتكلُّف والْمُفاخرةِ، حتى سبَّبت تقاطعًا وحِقْدًا وحَسَدًا بين الناس بهذا التباهي الممقوت، وبعضهم يتكلف بالسفر إلى بلادٍ بعيدةٍ ليَظْهَرَ أمامَ الناس مقتدرًا غنيًا، وهو في الحقيقةِ أثقلَ كاهلَهُ بالدُّيون، وأخرى تشتري الملابس والحقائب الْمُقلَّدة للماركات العالمية ليُقالَ غنيَّة.


ثانيًا: التَّعالُم: فَيَدَّعِي العِلْمَ وهو ليسَ بعالِمٍ، والله جلَّ وعلا قد سمَّى مَن حلَّلَ أو حَرَّمَ بلا بيِّنةٍ بأنه مُفْتَرٍ، فقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]، وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: (فَمَنْ قَالَ في الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ تَكَلَّفَ مَا لا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَسَلَكَ غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ أَصَابَ الْمَعْنَى في نَفْسِ الأَمْرِ لَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الأَمْرُ مِنْ بَابِهِ، كَمَنْ حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ في النَّارِ ‌وَإِنْ ‌وَافَقَ ‌حُكْمُهُ ‌الصَّوَابَ في نَفْسِ الأَمْرِ)، وقال ابن القيم: (وقد حرَّم الله سبحانه القولَ عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرَّمات؛ بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، فرتَّب المحرَّماتِ أربعَ مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنَّى بما هو أشدُّ تحريمًا منه وهو الإثم والظلم، ‌ثم ‌ثلَّث ‌بما ‌هو ‌أعظم تحريمًا منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشدُّ تحريمًا من ذلك كلِّه، وهو القولُ عليه بلا علم، وهذا يعُمُّ القولَ عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي دينه وشرعه).

 

ثالثًا: عدمُ نسبة الفائدة العلمية إلى قائلها: قال السخاوي: (وصحّ عن سفيان الثَّوريِّ أنه قال ما معناه: ‌نسبة ‌الفائدة ‌إلى مفيدها مِنَ الصِّدق في العلم وشُكره، وأن السكوت عن ذلك مِنَ الكذب في العلم وكُفْره)، وقال النووي: (ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تستغرب إلى قائلها فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال. ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها).

 

رابعًا: الانتسابُ إلى غيرِ القبيلة، وهذا مِن صفات أهل الجاهلية ومِن كُفْرِ النِّعمة وفاعلُه ملعون، قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‌صَرْفًا ‌ولا ‌عَدْلًا) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ ‌ادَّعَى ‌إِلَى ‌غَيْرِ ‌أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) رواه البخاري ومسلم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:فمن آثار هذا السلوك (التشبُّع بما لم يُعط):

أولًا: الكذبُ والنفاق، فالذي يتظاهر بما ليس عنده مِن الغِنى أو العِلْمِ وهو ليس كذلك فإنه سيلجأ إلى الكذب، قال صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ ‌الْكَذِبَ ‌يَهْدِي ‌إِلَى ‌الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا) رواه البخاري ومسلم.


ثانيًا: شهادةُ الزور والسرقة، ليُقلِّد غيرَه في الغِنى بما ليس عنده فيشهد شهادات الزور وقد يسرق لكي يحصل على المال.


ثالثًا: الوقوع في الدُّيونِ من النساء والرجال والشباب والشابات لكي يُواكبوا غيرَهم في الغِنى والثراءِ وأنهم يمتلكُون مثل غيرِهم، وسبق الحديث عن الدَّينِ وخُطورته قبل جُمُعتين.


وأمَّا أسبابُ ظاهرة التشبُّع بما لم يُعْطَ:

فمنها أولًا: ضعف الإيمان والرضا بالقدر، فاقنع عبدَ الله بما أعطاك الله، ولا تطمع فيما في أيدي الناس، (أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا في أَيْدِي ‌النَّاسِ ‌يُحِبُّكَ ‌النَّاسُ») رواه ابن ماجه وحسَّنه النووي، ومَن لم يَرض بقضاء الله وقدره سيَدُبُّ الحسدُ في قلبه لِما يَرى مِن نعَمِ اللهِ على غيرِه، ويَتمنَّى زوال النِّعَمِ عنهم، ثم يبحث عن الوسائل التي يُجاري فيها هؤلاء فيتشبع بما لم يُعط، ويَتظاهر بأنه يملك ما يملكون.


ثانيًا: التأثير السلبي لوسائل التواصل والتقليد الأعمى، حتى أصبحت بيوتُ بعض الناس مفتوحة وأسرارُهم مكشوفة مِن خلال هذه الوسائل، فإذا رأى ذلك ضعيف الدَّخل أو مُتوسِّطُه زيَّنت له نفسه مُجاراتِهِم وادِّعاء ما ليس عندهم، والنفس كما قال شيخ الإسلام: (فَإِذَا رَأَتْ نُظَرَاءَهَا قَدْ ظَلَمُوا وَتَنَاوَلُوا هَذِهِ الشَّهَوَاتِ صَارَ ‌دَاعِي ‌هَذِهِ ‌الشَّهَوَاتِ أَوْ الظُّلْمِ فِيهَا أَعْظَمَ بِكَثِيرِ)، فعلى المسلم أنْ يَمتثل قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].


ثالثًا: حُبُّ الظهورِ والشُّهرة، وهو من الأسباب الرئيسة التي تجعل الإنسان يتشبع بما لم يعط.


رابعًا: كثرة الْمَدح، فنفس الإنسان ضعيفة، وقد يعشق المدح، ويُحاول استجلابه لنفسه وإن لم يكن يدَّعي ما ليس فيه، وعندما قَامَ رَجُلٌ يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ، (فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَقَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ ‌نَحْثِيَ ‌فِي ‌وُجُوهِ ‌الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ) رواه مسلم.


وأما العلاج:

فأولا: الصدق والقناعة، فترضى بما أعطاك الله، قال رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (قدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، ورُزِقَ كَفَافًَا، ‌وقَنَّعَهُ ‌اللهُ بما آتاهُ) رواه مسلم، وقال جبريل: («يَا مُحَمَّدُ شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، ‌وَعِزُّهُ ‌اسْتِغْنَاؤُهُ ‌عَنِ ‌النَّاسِ») رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي.


ثانيًا: النصيحة لِمن ابْتُلي بالتشبع بما لم يُعط، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: («الدِّينُ النصيحةُ»، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قالَ: «للهِ ولكِتابهِ ولرسولِهِ ولأئِمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهِم») رواه مسلم.


ثالثًا: كثرة الحديث عن هذه الظاهرة وأسبابها وأضرارها وعلاجها في الخطب والدروس والمجالس والمنتديات.


رابعًا: القدوة الحسنة، فيُصبح الأبُ والأم والكبير وشيخ القبيلة قدوة بعقلهم وقولهم وفعلهم لأولادهم ومَن تحتهم.


خامسًا: الصبر على الْمُغرياتِ والفِتَن، قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وقال سبحانه: ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 115]، (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: «أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ ‌كِسَاءً ‌وَإِزَارًا ‌غَلِيظًا، فَقَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَيْنِ») رواه البخاري، وإلى غير ذلك من وسائل العلاج.


فإياك إياك والتشبُّع بما لم تُعط حتى لا تكون ممن يلبس ثوبي الزور فيبيع آخرته بدنياه فيخسرهما جميعًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • خطب منبرية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة