• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

الضحك والبكاء في الكتاب والسنة (خطبة)

الضحك والبكاء في الكتاب والسنة (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 7/10/2025 ميلادي - 15/4/1447 هجري

الزيارات: 119

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الضَّحِكُ والبُكاءُ في القرآنِ والسُّنة

 

‌الحمد ‌لله ‌الذي ‌خلق ‌فسوى، وقدَّر فهدى، وأضحكَ وأبكى، وأسعدَ وأشقى، أحمدُه سبحانه وأشكره، له الحمدُ في الآخرةِ والأولى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلَّمَ عليه وعلى آله وأصحابه.


أمَّا بعدُ: فاتقوا الله عباد الله وتدبَّرُوا كتابَ ربِّكم، ألا وإِنَّ مِن الآياتِ التي تكرَّرت في كتابِ ربِّنا: آياتٌ فيها ذِكْرٌ للضَّحِكِ والبُكاءِ، وجاءت على صُوَرٍ مُختلفةٍ ومَعانٍ مُتفاوتة، والضحكُ والبُكاءُ مِن الأمور الْمُشتركةِ بين سائرِ البَشَر، وهي اللُّغةُ الوحيدةُ التي يفهمها جميعُ الناس على اختلافِ لُغاتِهِم وألسنتهم، وقد جَعَلَ اللهُ سبحانه في الضحكِ والبُكاءِ تنفيساً عن النُّفوسِ وترويحاً عن القلوب، وميداناً فسيحاً تُفْرِغُ النفوسُ فيهِ مِن شُحُنَاتِ العَناءِ والضيقِ، ولذلك سيكون حديثُنا عن الضحك والبكاء في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وعن تعريفهما، وعن هدي نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فيهما، وعن فوائدهما وأنواعهِما.

 

عباد الله: الضَّحِكُ مَعْرُوفٌ وأصلُه انبساطُ الوجهِ وتكشيرُ الأسنانِ لسُرورِ النفسِ وانشراحها، ولذلك سُمِّيت مُقَدِّماتُ الأسنانِ: ضواحك، وقد يُستعمل في السُّرور المجرَّد، ومنه قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس: 38، 39]، ويُستعملُ الضحكُ للتعجُّب المجرَّد تارة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ يُنْشِئُ السَّحَابَ، فَيَنْطِقُ أَحْسَنَ الْمَنْطِقِ، وَيَضْحَكُ ‌أَحْسَنَ ‌الضَّحِكِ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه محققو المسند، فالضحكُ حالةٌ تعتري الإنسان عندما يحصل له ما يُفرحه أو يُعجبُه، تُؤدِّي إلى انبساط الوجه، وتكشير الأسنان وبُروزِها، مع راحةٍ وانشراحٍ في الغالب.

 

والضحكُ مِن صفاتِ اللهِ الفعليةِ الخبريةِ الثابتةِ له سبحانه بالأحاديثِ الصحيحةِ، قال صلى الله عليه وسلم عن آخرِ أهلِ النارِ دُخولاً الجنة: (فَلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى ‌يَضْحَكَ ‌اللهُ مِنْهُ، فَإِذا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ) الحديث، وقال صلى الله عليه وسلم: (‌يَضْحَكُ ‌اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الْجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذا في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ) رواهما البخاري ومسلم.

 

وأَمَّا البُكاءُ: فَبَكَى: أي سالَ الدَّمْعُ مِن عينيهِ حُزناً، والحُزنُ ليسَ هو السببُ الوحيدُ للبُكاءِ، فقد يَبكي الإنسانُ مِن غيرِ سَبَبٍ بل لأنه رأى مَن يَبكي، وقد يكونُ الدافعُ للبُكاءِ الخشية والخوف، وأشدُّ البُكاءِ: النشيجُ والنحيبُ والاختراط، أمَّا النُّواحُ والعَويلُ فهُما للمرأة خاصة، وتَرَدُّدُ البُكاءِ في الصدرِ هو الخنينُ والنحيطُ والشهيقُ والرنين، وإذا تَهَيَّأ الرَّجلُ للبُكاءِ قيلَ: أجهش، وإذا امتلأت عَيْناهُ وشَرَقَت بالدُّموعِ قيل: اغرورقت وترقرقت، والدَّمْعُ هو ماءُ العَيْنِ، القطرةُ منه دمعة، وهي قبلَ أنْ تفيضَ مِن العينِ: العبرة.

 

عباد الله: اللهُ ربُّنا هو خالقُ الضَّحكِ والبُكاءِ، قال سبحانه: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ [النجم: 43]، فاللهُ سبحانه خَلَقَ فِعْلَ الضَّحكِ والبُكاءِ، وقيل: خَلَقَ ما يَسُرُّ وما يُحْزِن مِن الأعمالِ الصالحةِ والطالحةِ، وقيلَ: أَضْحَكَ أهلَ الْجنَّةِ وأبكَى أهلَ النَّارِ، والبُكَاءُ أنواعٌ: أحدُها: بُكاءُ الرحمةِ والرِّقَّة، والثاني: بُكاءُ الخوفِ والخشيةِ مِمَّا يُستقبل، والثالثُ: بُكاءُ المحبَّةِ والشوقِ، والرابعُ: بُكاءُ الفَرَحِ والسرور، والخامسُ: بُكاءُ الجَزَعِ، والسادسُ: بُكاءُ الحُزنِ على ما مضى، والسابعُ: بُكاءُ الخَوَرِ والضعف، والثامنُ: بُكاءُ النفاقِ بأنْ تدمعَ العينُ والقلبُ قاسٍ، والتاسعُ: البُكاء الْمُستعارُ كبُكاءِ النائحةِ بالأُجرة، والعاشرُ: بُكاءُ الْمُوافقةِ، فَيَرَى غيرَهُ يبكي فيبكي مَعَهُ ولا يَدري لأيِّ شيءٍ بكى.

 

والتباكي نوعانِ: محمودٌ بأنْ يُستجلبَ لرِقَّة القلبِ ولِخشية اللهِ لا للرِّياءِ والسُّمعة، ومذمومٌ: وهو ما أُريدَ به الناس.

 

أيها المسلمون: وأمَّا هديُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في الضَّحِكِ والبُكاء، فكما قال الله عنه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، قالت عائشة رضي الله عنها: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه محققو المسند، فكان صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ يَضْحَكُ معَ أصحابه، ويبكي إذا حَصَلَ ما يدعو إلى البُكاءِ، وكان هديهُ في الضَّحِكِ والبُكاءِ أَكْمَلُ هَدْيٍّ، فلقد كان أكثرُ ضَحِكِه تَبَسُّمَاً، فكان يَضْحَكُ مما يَدعُو إلى الضَّحِكِ، يُضَاحِكُ أصحابَهُ ولا يَتَرَفَّعُ عنهُم، قال عبدُ اللهِ بنُ الحَارِثِ: (ما رَأَيْتُ ‌أَحَداً ‌أَكْثَرَ ‌تَبَسُّمَاً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ)، وفي رِوايةٍ: (ما ‌كانَ ‌ضَحِكُ ‌رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إِلاَّ تَبَسُّمَاً) رواهما الترمذي وصحَّحهُما الألباني، والفَرْقُ بينَ الضَّحِكِ والتبسُّمِ أنَّ الضَّحِكَ بصَوْتٍ، والتبسُّمُ بدون صَوْتٍ، ومِن هديهِ صلى الله عليه وسلم أنه كان يَضْحَكُ في وَجْهِ أصحابهِ ولا يُكَشِّرُ ولا يُقَطِّبُ، قال جريرُ بنُ عبدالله: (ولا رآنِي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ‌إِلاَّ ‌ضَحِكَ) متفقٌ عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ إذا حَصَلَ مَوْقفٌ يَدْعُو إلى الضَّحِكِ، كما في قِصَّةِ عُمَرَ مع القُرَشِيَّات، قال سعدُ ابنُ أبي وقَّاص: (اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضيَ اللهُ عنهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ ويَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ، فأَذِنَ لَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَدَخَلَ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَضْحَكُ، فقالَ: ‌أَضْحَكَ ‌اللهُ ‌سِنَّكَ ‌يا رَسُولَ اللهِ، بأَبي أَنْتَ وأُمِّي، فقالَ: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي، لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ، فقالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فقالَ: يا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي ولَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إِيهٍ يا ابْنَ الخَطَّابِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكَاً فَجَّاً إِلاَّ سَلَكَ فَجَّاً غَيْرَ فَجِّكَ») رواه البخاري ومسلم.

 

وأَمَّا بُكَاؤُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فكان مِن جنسِ ضَحِكِهِ، لَم يكن بشهيقٍ ورفعِ صوتٍ، ولكنْ كانت تَدْمَعُ عَيْنَاهُ حتى تهملا، ويُسْمَعُ لِصَدْرهِ أزيزٌ، وكان بُكاؤُه تارةً رَحْمَةً للميِّتِ، وقد مرَّت عليهِ صلى الله عليه وسلم أحزانٌ، فَفَقَدَ صلى الله عليه وسلم زوجتينِ مِن زوجاتهِ، خديجةٌ العُظمى التي مَكَثَ مَعَهَا خمسة وعشرين سَنَةً، حتَّى سُمِّيَ العامُ الذي ماتت فيهِ عامَ الْحُزْنِ، ثُمَّ فَقْدُهُ لابنتهِ رُقَيَّة ودُفِنَت وهو بغزوةِ بَدْرٍ، ثمَّ يتزوجُ صلى الله عليه وسلم بزينب بنتِ خزيمة فَتَتَوَفَّى بعدَ شهرينِ مِن زواجهِ بها، ثمَّ تَتَوَفَّى ابنَتُه أُمُّ كلثوم فَيجلِسُ صلى الله عليه وسلم على قَبْرِها وعيناهُ تدمعان، ثمَّ تَتَوَفَّى ابنتُه زينب، (فَلَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَقِي بِسَلَفِنَا الْخَيْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، فَبَكَتِ النِّسَاءُ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، وقالَ: ‌مَهْلاً ‌يَا ‌عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: ابْكِينَ وإِيَّاكُنَّ ونَعِيقَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قالَ: إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ العَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنَ اللهِ ومِنَ الرَّحْمَةِ، ومَا كَانَ مِنَ اليَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه مُعَلِّقُه أحمد شاكر، ثمَّ يَمُوتُ ابنُه إبراهيم، فلما دَخَلَ صلى الله عليه وسلم على إبراهيم عِنْدَ مُرْضِعَتِهِ، قال أنس: (فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا علَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، ولا نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ) رواه البخاري ومسلم، وتارةً يبكي صلى الله عليه وسلم خَوْفَاً على أُمَّتِهِ وشَفَقَةً عليها، كَبُكَائهِ لَمَّا كُسِفَتِ الشمسُ وصَلَّى صلاة الكسوفِ وجَعَلَ يَبْكِي في سُجودهِ ويقولُ: (رَبِّ، ‌أَلَمْ ‌تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وأَنَا فِيهِمْ؟ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لا تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) رواه أبو داود وصحَّحه الألباني، وتارةً مِن خشيةِ الله، وتارةً عندَ سَمَاع القُرآنِ وهو بُكاءُ اشتياقٍ ومَحبَّةٍ وإجلالٍ، مُصاحب للخوفِ والخشيةِ، قال ابنُ مسعودٍ: (قالَ لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: اقْرَأْ عَلَيَّ، قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قَالَ: أَمْسِكْ، ‌فَإِذَا ‌عَيْنَاهُ ‌تَذْرِفَانِ) رواه البخاري.

 

اللَّهُمَّ أَعذنا مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، ومِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا، آمين.

 

أما بعد: فالضحكُ في القرآن الكريم أنواعٌ، فمنه:

أولاً: الضحكُ تَعَجُّبَاً، كقولهِ تعالى: ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا ﴾ [النمل: 19].

ثانياً: الضحكُ استهزاءً، كالاستهزاء بالرُّسلِ عليهم السلام وأتباعهم، كقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ﴾ [الزخرف: 47]، وقولِه تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴾ [المطففين: 29]، وكَضَحِكِ المنافقين في الدُّنيا وبُكَاؤُهم في الآخرةِ، قال تعالى: ﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [التوبة: 82].

 

ثالثاً: الضَّحِكُ بعد حُصولِ المأمولِ، قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [عبس: 38، 39].

 

والبُكَاءُ أيضاً في القرآنِ أنواعٌ، فمنه:

أولاً: البُكَاءُ مِن خشية الله، قال عز وجل: ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58].


ثانياً: بُكاءُ السماءِ على المؤمنِ إذا مات، قال عز وجل في حقِّ فرعونَ ومَنْ مَعَهُ: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ [الدخان: 29]، و(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَلَهُ بَابَانِ، بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فَإِذَا مَاتَ ‌بَكَيَا ‌عَلَيْهِ»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ [الدخان: 29]) رواه الترمذيُّ وضعَّفَه.

 

ثالثاً: البُكاءُ الْمُفتعل، قال الله عمَّا فَعَلَهُ إِخوةُ يوسف بيوسف: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ﴾ [يوسف: 16]، و(عَن الشّعبِيِّ قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى شُرَيْح تُخَاصِمُ في شَيْءٍ فَجَعَلَتْ تَبْكِي، فَقَالُوا: يَا أَبَا أُميَّة أَمَا ‌ترَاهَا ‌تبْكي، فَقَالَ: قد جَاءَ إخوةُ يُوسُفَ أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ) أخرجه ابن المنذر.

 

رابعاً: البُكاءُ عند عدم القدرة، قال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92].

 

خامساً: البُكاءُ عند معرفةِ الحق، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].

 

عبادَ الله: إنَّ للضَّحِكِ وهو التَّبَسُّم فوائدُ شرعية إذا أُحْسِنَتِ النيَّة، وفوائد صحيةٌ واجتماعيةٌ، فالتبسُّم صَمَّامُ أَمَانٍ لِجِسْمِ الإنسان لتأثيره القوي على أغلب أعصاب الجسم، مما يُؤدي إلى ارتياحها وانبساطها، ولو لم يكن في التبسُّم إلا كسبُ الأجرِ والاقتداءُ لكفى، قال صلى الله عليه وسلم: (وتَبَسُّمُكَ ‌في ‌وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، وهو مِن أقوى الدوافع لتقوية روابط الأُخُوَّة بين المجتمع، وإشاعة الاطمئنان والارتياح للمُبتسم.

 

كما أنَّ البُكاءَ نعمةٌ من اللهِ أنعَمَ بها على مَن شاءَ مِن عبادهِ للتنفيس عما يَجري عليه، فَتَتَحَرَّكُ مَشَاعِرُه فيكونُ الدَّمْعُ الذي انْهَمَرَ مِن عينيهِ كالثلجِ الباردِ على قَلْبِهِ، وأمَّا مَن مَلَكَ أعصابهِ ودُموعَهُ فلا يَبكي أَبَدَاً على فَقْدِ حبيبٍ أو موقفِ رَحْمَةٍ فهذا قد يُصابُ بأمراضٍ مُختلفة، فالدُّموعُ تُطَهِّرُ مَشَاعِرَ الإنسانِ وتَغْسِلُ قَلْبَهُ وتُجَدِّدُ الأَمَلَ في نفسِهِ، فالضَّحِكُ والبُكَاءُ نعمتانِ مِن نِعَمِ الله، وبهما تَظْهَرُ قدرةُ اللهِ في تركيبِ هذا المخلوقِ العجيبِ، ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، وهُمَا صمَّامُ أمانٍ يُنفِّسُ الله بهما عن الإنسان ويدفع بهما عن قلبه الهموم والغموم، والتي لو تراكمت عليه لأهلكته، وهديُ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم فيهما وَسَطٌ بينَ الإفراطِ والتفريطِ، وبين الغُلُوِّ والتمييع، فَصَلَوَاتُ اللهِ وسلامُه عليهِ ورَزَقَنَا اتباع سُنَّتهِ، إنه سميعٌ مُجيبٌ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة