• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

الثبات على الدين: أهميته، وأسبابه، وموانعه في الكتاب والسنة (خطبة)

الثبات على الدين: أهميته، وأسبابه، وموانعه في الكتاب والسنة (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 22/9/2025 ميلادي - 30/3/1447 هجري

الزيارات: 283

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثباتُ على الدِّين، أهميته، وأسبابه، وموانعه في الكتابِ والسُّنة

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وسلم.

 

أمَّا بعدُ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، واعلمْ عبدَ اللهِ أنَّ مِن أهمِّ المطالبِ الشرعيةِ أَنْ تثبُتَ على دِينِكَ، حتى تَسْلَمَ وتسعَدَ في دُنياكَ وأُخراكَ، فما أهميةُ الثباتِ على الدِّين، وأسبابُه، وموانعُه في ضوء الكتاب والسُّنة.


عبدَ اللهِ: لقد امْتَنَّ اللهُ على رسولِنا صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين في عِدَّة آياتٍ بتثبيتِهم على الدِّين، قال عزَّ وجل: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]، وقال تباركَ وتعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120]، وقال تعالى وتقدَّس: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]، فأعظمُ النِعَمِ الثباتُ على الدين قبل الموتِ، وعندَ الاحتضارِ، وفي القبرِ، قال صلَّى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ إذا سُئِلَ في القَبْرِ: يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فذلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]) رواه البخاري، ومِن أسماء اللهِ سبحانه: (مقلب القلوب)، ومِمَّن نصَّ عليه من أهل العلم: ابنُ مَنده، وابنُ حزمٍ، وابنُ العربي، وشيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ.


عبدَ الله: مِمَّا يدلُّك على أهميةِ الثباتِ على الدِّين= تحذيرُ الله في كتابه من عدم الثبات على الدين، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النحل: 94]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]، إنَّ المؤمنَ إذا تلا هذهِ الآية أو سَمِعَهَا فإنه يَحذرُ مِن عدم الثباتِ، وأنَّ مِن أسبابهِ الإعراض عن طاعة اللهِ ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، و(عن أَنَسٍ قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ: «يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، آمَنَّا بكَ، وبِمَا جِئْتَ بهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قالَ: «نَعَمْ، ‌إنَّ ‌القُلُوبَ ‌بينَ ‌أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ») رواه الترمذيُّ وحسَّنه، و عن (أُمِّ سَلَمَةَ رضيَ اللهُ عنها تُحَدِّثُ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كانَ يُكثرُ فِي دُعائهِ أنْ يقولَ: «اللَّهُمَّ مُقلِّبَ القُلُوبِ ثبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ»، قالت:قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَوَ إنَّ القُلُوبَ لَتَتَقَلَّبُ؟ قال: «نَعَمْ، ما مِنْ خَلْقِ اللهِ مِن بَنِي آدَمَ منْ بَشَرٍ إلاَّ أنَّ قلْبَهُ بينَ أُصْبُعَيْنِ مِن أصابعِ اللهِ، فإنْ شاءَ اللهُ عزَّ وجلَّ أَقامَهُ، وإنْ شاءَ أزاغَهُ، فنسأَلُ اللهَ ربَّنا أنْ لا يُزِيغَ قُلُوبَنا بعْدَ إذْ هَدَانا، ونسألُهُ أنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رحْمَةً، إنهُ هو الوهَّابُ») رواه الإمامُ أحمد وحسَّنه الهيثميُّ.


عبدَ اللهِ: من أسباب الثبات أولاً: أنْ تتدبَّرَ كتابَ الله، قال تعالى ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [محمد: 24]، فمن أراد الثبات على دين الله فليقرأ كتابهُ بتدبُّرٍ، قال ابن القيم:

فتدبَّرِ القرآنَ إنْ رُمْتَ الهُدى
فالعِلمُ تحتَ تَدَبُّرِ القُرآنِ

ثانياً: أنْ تَتَّبِعَ سُنَّةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].


ثالثاً: أنْ تُكثرَ مِن دُعاءِ اللهِ بالتثبيت، وخاصةً بالدعاء الواردِ في الكتاب والسُّنة، فقد ذكَرَ اللهُ أنَّ مِن دُعاءِ الراسخين في العِلْم: : ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وكان من أدعيتهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ: (اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طاعَتِكَ) رواه مسلم، (يا مُثبِّتَ القُلُوبِ ثبِّتْ قُلُوبَنا على دِينِكَ) رواه ابن ماجه وصححه ابن القيم، (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبي على دِينِكَ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.


رابعاً: أنْ تَصْحَبَ الصالحين، قال الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، ومِن أمثلة تثبيتِ الصاحبِ لصاحبهِ، قولُه تعالى: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وكتثبيت محمد بن نوح للإمام أحمد وقت الفتنة بالقول بخلق القرآن، قال الإمام أحمد: (ما رأيتُ أحدًا على حَداثةِ سنِّه، وقلّة عِلمه، أقومَ بأمر الله من مُحمد بن نوح، وإني لأرجو أن يكون الله قد خَتم له بخير، قال لي ذات يوم وأنا مَعه خِلوَين: يا أبا عبد الله، الله الله، إنَّك لستَ مِثلي، ‌أنتَ ‌رجلٌ ‌يُقتَدَى ‌بك، وقد مَدَّ هذا الخلقُ أعناقهم إليك لِما يكون منك، فاتَّق الله واثُبت لأمر الله) رواه الخطيب في تاريخ بغداد.


خامساً: أنْ تَتَّقِ اللهَ وتعملَ الصالحات، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].


سادساً: أنْ تحْذَرَ مِن التفرُّق، قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].


سابعاً: أنْ تُقيمَ الصلاةَ وتَخْشَعَ فيها، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1-2]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].


ثامناً: أنْ تُكْثِرَ مِن ذِكْرِ اللهِ وتسبيحهِ، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].


تاسعاً: أنْ تدعوَ إلى دينِ اللهِ وتأمُرَ بالمعروفِ وتنهى عن المنكرِ، قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 104]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108].


عاشراً: أنْ تنُصرَ دينَ الله، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].


الحادي عشر: أنْ تَقْرَأَ قَصَصَ الأنبياءِ وأتباعهِم، قال تعالى: : ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120] ، ثبَّتَ اللهُ إبراهيم حين أُلقيَ في النارِ فلم يقل إلا كلمةً واحدة: (حسبي الله ونعم الوكيل)، ثبَّت الله موسى حين أدركهم فرعون وجنودُه، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61-62]، ثبَّت الله السَّحَرَة، ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72]، ثبَّت الله المؤمنين بعد غزوة أُحُد، ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 173- 174].


الثاني عشر: أنْ تتفكَّرَ في أمثالِ القرآن، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26] الآية.


الثالث عشر: أنْ تُؤْمِن بالقَدَرِ وتُحْسِنَ ظنَّكَ بربِّك سبحانه، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11].


الرابع عشر: أنْ تقتدي بالأنبياءِ، قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].


الخامس عشر: أنْ تثِقَ بنصرِ اللهِ، قال خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ: (شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلا تَدْعُو اللهَ لَنَا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، واللهِ لَيُتِمَّنَّ ‌هَذَا ‌الأَمْرَ ‌حَتَّى ‌يَسِيرَ ‌الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) رواه البخاري.


السادس عشر: أنْ تعرفَ حقيقةَ الباطل، قال تعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196-197].


السابع عشر: أنْ تتأمَّلَ في حالِ أهلِ الجنةِ وأهلِ النارِ، في القبرِ والحشرِ والحسابِ والميزانِ والصراطِ وسائرِ منازلِ الآخرة، وتتذكَّرَ الموتَ فإنه يحميك مِن التردِّي ويوقِفُك عند حدود الله، الثامن عشر: الثبات وقت عرض الفِتن على القلب، فتنةُ المال، فتنةُ الجاهِ، فتنةِ الزوجةِ والوَلَد، والثبات عند أعظم الفتن، فتنة الدجال، أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.


يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قلوبنا وقُلُوبَ وَالِدِينا وأهليناعَلَى دِينِكَ.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: وأمَّا مَوَانعُ الثباتِ على الدِّينِ فمنها أولاً: معصيةُ اللهِ عزَّ وجل، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ ‌الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللهُ: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]) رواه الترمذيَّ وصحَّحه.


ثانياً: مُخالفةُ أمرِ الرسول صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، هذا في مُخالفةِ أمرٍ واحدٍ فكيفَ بمخالفة أوامر كثيرة، قال ابنُ كثيرٍ: ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾، أي: في قلوبهِم مِن كُفرٍ أو نِفاقٍ أو بدعةٍ، ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، أي: في الدنيا بقتلٍ أو حَدٍّ أو حَبْسٍ أو نحوِ ذلك) انتهى.


ثالثاً: الإعراضُ والاستكبارُ، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22].


رابعاً: أنَ يَتَّبع الإنسانُ هواهُ ونفسُه الأمارة بالسوء، قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾ [الأعراف: 175-176].


خامساً: تسويلُ الشيطانُ وتزيينه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 25]..


سادساً: الخلافُ والتفرُّق، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].


سابعاً: الاغترارُ بزهرة الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].


ثامناً: صحبةُ الفاسقين، قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وقال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة