• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    بين الحب والهيبة..
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (10) الحافز الداخلي: سر ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أثر التفكير الغربي في مراحل التعليم في العالم ...
    بشير شعيب
  •  
    التعليم المختلط ومآلات التعلق العاطفي: قراءة في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملامح تربية الأجداد للأحفاد
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    الاتجاه الضمني في تنمية التفكير بين الواقع ...
    د. خليل أسعد عوض
  •  
    الرياضة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    سلسلة دروب النجاح (9) الإبداع.. مهارة لا غنى عنها ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وقفات تربوية مع سيد الأخلاق
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    سلسلة دروب النجاح (8) التوازن بين الدراسة والحياة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    قتل الرغبات
    ياسر جابر الجمال
  •  
    ماذا بعد الستين؟!
    أشرف شعبان أبو أحمد
  •  
    أبوك ليس باردا بل هو بحر عميق
    د. محمد موسى الأمين
  •  
    سلسلة دروب النجاح (7) بناء شبكة العلاقات الداعمة
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    التوفيق من الله
    أسامة طبش
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / التربية الخاصة
علامة باركود

حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)

حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)
د. أمير بن محمد المدري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/10/2025 ميلادي - 22/4/1447 هجري

الزيارات: 134

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة (1)

 

الحمد لله ولي من اتقاه، من اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه. أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله ومصطفاه، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.

 

وبعد:

اليوم نعيش وإياكم مع أولئك المنكوبين الذين أُصيبت أجسامهم وحواسهم بأمراضٍ مزمنة، وعاهات مختلفة، وأصبحوا في حالةٍ صعبة من العجز والضعف، وعدم القدرة على مواصلة أعباء العمل، وتكاليف الحياة.

 

فهل لهؤلاء حقوق في الإسلام، هذا ما سنعرفه في ثنايا هذه الورقات.

 

تعريف الإعاقة: الإعاقة مصدر أعاق، وهي: ما تُؤخِّر أو تمنع من قولِ الشيء أو فعلِه، كالخرَس الذي يمنع من الكلام، أو التَّعْتَعَة فيه، والعرَج، والعمَى اللذيْن يمنعان من الركض والجَرْي. والمعاق: هو مَن به عاهةٌ تمنعه وتحبسه عن أداء شيء ما، أو بتعبير أدق: هو كل إنسان يُمنَع عن أداء شيء يستطيع القيامَ به الإنسانُ الطبيعي، يشمل هذا كل قصور يصيب الإنسان في بدنه أو عقله؛ مثل: الأخرس، والمشلول، والأعمى، والمجنون، وغير ذلك، وقال مَجْمَعْ الفقه الإسلامي المعاق: (يُقصد بالْمُعوَّق: الشخص العاجز عقلياً أو حِسِّياً أو جَسَدِياً عن القيام بالأعمال التي يَحتاجُ إليها مقارنةً بالشخص السليم) انتهى.

 

وقد استُخْرج من الإعاقة اسم المفعول، فقيل: المعاق، والمعوَّق، وجمعُه: المعاقون، والمعوَّقون. أما اسم الفاعل فهو: المعوِّق ـ بكسر الواو المشددة ـ ويُجمع على المعوِّقين، قال تعالى: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ﴾ [الأحزاب: 18]، وهم: المنافقون الذين كانوا يخذِّلون الناس ويمنعونهم من الجهاد في غزوة الأحزاب.

 

وقد أطلق على المعاقين مصطلح: "ذوو الاحتياجات الخاصة"، وقد راعى هذا المصطلح نفسية المعاق؛ ففيه تخفيف على مشاعره، وهذا يتوافق من الناحية الشرعية مع ما أمرنا الإسلام به من حُسن معاملة المعاق، حتى ولو باللفظ؛ فالمسلم مأجور بلفظه الحسن، ومأجور بإدخال السرور على أخيه المسلم، خاصة إذا كان مِن ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

حقيقةُ الإعاقة وكونُها ابتلاء وامتحان من الله تعالى:

قد تكون الإعاقة خَلْقية مع ولادة الإنسان، كمن يولد أعمى، أو أعرجَ، أو أعشى ضعيف البصر. وقد تكون كَسْبية بعد الولادة، كمن يُصاب لاحقاً بفقد البصر، أو بِعَورِ إحدى عينيه، أو يصاب في الحرب، أو في حادث مروري يُفقده رجليْه والقدرة على المشي، وقد تكون الإعاقة عقلية ونفسية، أو تكون جسدية بدنية، وقد تكون الإعاقة مؤقتة لفترة ما، وقد تكون مُزْمِنَة دائمة لا شفاء منها.

 

ولا يخفى أن الإعاقة الفكرية ـ من جهل وأُمِّيَّة وتعصُّب وتعنُّت وأنانية ـ هي الخطر الذي يهدد المجتمعات، حيث تضِلُّ العقول عن رؤية الحق، فتفسد الحياة وتدمِّر مباهجها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قول الله تعالى : ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

 

أما الإعاقة الجسدية أياً كانت فهي لا تُنقِص من قدر صاحبها ومكانته؛ ولا يضر الإنسانَ في الإسلام إنْ كان معاقاً؛ لأن المبدأ المقرر في الإسلام هو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، لأن العبرة في الإنسان ذاته، وقوة إرادته، وأعماله الإيجابية، ومدى مشاركته في مجتمعه وخدمته له، وسعيه في تطويره وإسعاده،،وفي الحديث الشريف الذي رواه مسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"[1].


والإنسان المعاق مأجور على إعاقته إن صبر عليها، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: من أذهبتُ حبيبتيه ـ أيْ: عينيه، فصبر واحتسب، لم أرضَ له بثواب دون الجنة"[2].

 

بل إن الله تعالى أعدَّ الجنة جزاء لمن صبر على ابتلائه، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حِبَّان في صحيحه عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلتُ بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصْرَعُ وأتكشَّفُ، فادعُ الله لي، قال: "إن شئتِ صبرتِ، ولك الجنـــة، وإن شئتِ، دعــــوتُ الله لـــــك أن يعافيك"، قالت: لا، بــــل أصبرُ، فــــادعُ الله أن لا أتكشَّـــفَ، قــــال: " فدعا لها "[3].

 

ومن المناسب هنا ذكرُ أن الإحصائيات المعاصرة تشير إلى أن نسبة الإعاقة في العالم تصل إلى 10%، وأن عدد المعاقين في هذا القرن الحادي والعشرين يصل إلى (900) مليون شخص، (70%) منهم في بلدان ما يسمى: العالم الثالث أو البلدان النامية، أي: في البلاد الإسلامية.

 

وهذا يدعو إلى مزيد من الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع، وبيان موقف الإسلام من الإعاقة والمعاقين عموماً، ومن المكفوفين خصوصاً.

 

ولا شك أن الإعاقة ابتلاء إلهي، يختبر الله به عباده، ليميز الصابرين من الجازعين، والراضين من المتأففين.

 

عناية الإسلام بذوي الاحتياجات الخاصة

إنّ الشّريعة الإسلاميّة ذات منهجٍ صحيحٍ متكاملٍ، يعنى بكلّ الوقائع والأحداث والأمور، فلم يُترك مجالٌ إلّا وكان للدين الإسلاميَ بيانٌ ورأيٌ فيه، فقد اعتنى الإسلام بكلّ فئات المجتمع، ومن تلك الفئات التي اعتنى فيها؛ فئة أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصّة، فحثّ الإسلام النّاس على احترامهم، واحترام حقوقهم، والأخذ بيدهم، ومعاونتهم في جميع ما يحتاجونه في أمور حياتهم، وكلّفهم بما يستطيعون فعله من الأحكام الواجب فعلها، حسب قدرتهم، فلم يكلّفهم ما فوق طاقاتهم وقدراتهم، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [الفتح: 17]، وكما رغبّ الإسلام في دمج تلك الفئة في المجتمع مع الفئات جميعها ليتشاركوا مع بعضهم البعض، فإنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بيّن في الأحاديث الشّريفة أنّ الإنسان في المجتمع إذا اضطر إلى أن يخالط بعض المرضى، فلا بأس في ذلك ولا خوفٌ منه، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يجعل المرضى والضّعفاء قادةً عندما يخرجوا في ركبٍ، فكان أثر ذلك كبيراً على أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصّة؛ لأنّهم أعطوا ثقةً في أنفسهم، وتمّ دمجهم في المجتمع الذي سيخافون منه لو كانوا مبعدين عنه[4].

 

وبيّن الدين الإسلاميّ أنّ النّاس سواءٌ لا فرق بينهم، إلّا بتقوى الله تعالى، فالتقوى هي المعيار الذي يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وعلى الإنسان دائماً أن يتذكر ذلك الأمر، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وبينّ الإسلام أيضاً أنّ أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصّة وما تعرضوا له من ابتلاءاتٍ لا يؤثرّ عليهم من حيث منزلتهم بين النّاس، وبين فئات المجتمع جميعها، وإنّ ذلك لا يقلّل من قيمتهم شيئاً، فحثّ الدّين الإسلاميّ وبيّن طرق معاملة واحترام ذوي الاحتياجات الخاصّة، وأعطى لهم حقوقاً يجب على الفئات جميعها احترامها وتطبيقها، وعلى الإنسان أن يحمد الله -تعالى- طوال وقته على النّعم التي وهبه الله إيّاها، فإنّ الله -تعالى- الذي وهب العبد وأعطاه تلك النّعم، قادرٌ على أن يأخذها منه؛ فهو الرّازق القادر، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53].

 

وعلى الإنسان دائماً أن يصبر في كلّ ابتلاءٍ يحصل له، وأن يستشعر الأجر والثّواب الّذي سيناله بصبره.

 

وكيف لا نعتني بهذه الشريحة المجتمعية الكبيرة، وديننا يحثنا على التعاون، والتآزر، وأخذ القوي بيد الضعيف؟، واحترام المسلم لأخيه، ولا يظلمه، ولا يسخر منه. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، ويقول تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ﴾ [التوبة: 91].

 

قال أبو حيان: "والمريض من عرض له المرض، أو كان زمِناً، ويدخل فيه العَمى والعَرَج"[5]. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ"[6].

 

وأنزل الله تعالى في شأن عبد الله بن أم مكتوم - وهو أعمى - ست عشرة آية، هي مطلع سورة عبس، كانت تنبيها للرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما يجب أن يوليه له من عناية، ولذلك كان يكرمه إذا دخل عليه، وجعله مؤذنا له مع بلال - رضي الله عنه -، واستخلفه على المدينة في أثناء غيابه ثلاث عشرة مرة.

 

وقد بلغ من اهتمام عمر بن عبد العزيز رحمه الله بهذه الفئة، أن عمِل على إحصاء المعاقين، وخصص مرافقاً لكل كفيف، وخادماً لكل مقعد لا يقوى على القيام. وقضت تشريعات المسلمين أن يكون بيت المال مسؤولا عن نفقة العاجزين من المعاقين. وبنى الخليفة الوليد بن عبد الملك أول مستشفى للمجذومين عام (88ه)، وقد أعطى كل مُقعد خادما، وكل أعمى قائدا. وبنى الخليفة المأمون مأوى للعميان والنساء العاجزات في بغداد والمدن الكبيرة، كما بنى السلطان قلاوون مستشفى لرعاية المعاقين.

 

موقف الإسلام من أسباب الإعاقة بنوعيها، ودعوتُه للوقاية منها وعلاجها:

أما موقف الإسلام من أسباب الإعاقة الخَلْقية: فإنه دعا إلى تجنُّبها قدر الإمكان، وذلك من خلال تجنُّب الزواج بالمرضى أزواجاً كانوا أو زوجات، فقد روى الحاكم في المستدرك وصححه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ...". وهذا يشمل التحذير من الزواج بالمرضى الذين يخلِّفون أولاداً مرضى أو مُعاقين بالوراثة.

 

وأما موقف الإسلام من أسباب الإعاقة الكَسْبية: فإنه دعا إلى حفظ الصحة وقايةً وعلاجاً، وحرَّم تعريض النفس للحوادث والأخطار، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].

 

وإضافة إلى هذا فقد دعا إلى علاج الإعاقة والتداوي منها وعدم الاستسلام لها ما استطاع المسلم إلى ذلك سبيلاً، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَا عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلاَّ دَاءً واحِدًا، هُوَ: الهَرَمُ"[7].

 

معاقين لكنهم ليسوا عاطلين:

إن المعاقين في الإسلام لم يكونوا كلهم عاطلين منتظرين، بل كان منهم من قام بإنجازات يعجز عنها آلاف الأسوياء.

 

• فهذا الصحابي الجليل عمرو بن الجموح، كان رجلا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد، يشهدون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد، فلما كان يوم أحد، أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله - عز و جل - قد عذرك. فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن بنيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنت فقد عذرك الله، فلا جهاد عليك"، وقال لبنيه: "ما عليكم ألا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة". فخرج معه فقتل يوم أحد"..[8].

 

• وهذا الصحابي الجليل ربعي بن عامر، كان يجد صعوبة في المشي من شدة العرج، ولكنه كان مفاوضا بارعا حين أرسله سعد بن أبي وقاص إلى قائد الفرس رستم، فتحداه وهو في قصره الإمبراطوري، وقال له قولته الشهيرة: "جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد"[9]، فكان من أنجح السفراء في العالم.

 

• أما أبان بن عثمان بن عفان، فكان به صمم، وحول، وبرص، وفَالَج (شلل نصفي)، ومع ذلك كان من كبار فقهاء التابعين وعلمائهم، وارتفع شأنه حتى عينه عبدالملك بن مروان واليا على المدينة عام ( 76ه)[10].

 

• وموسى بن نصير، القائد العظيم، فاتح الأندلس وإفريقيا، كان مع قوته وشجاعته أعرج[11].

 

• وكذلك كان الإمام الزمخشري، صاحب التفسير المشهور، وعالم اللغة، وواضع أسس البلاغة، كان أعرج.

 

• والإمام الترمذي، المحدث الحافظ، صاحب كتاب السنن، أحد الكتب الستة في الحديث، الذي طاف من أجله البلاد، ورحل إلى الأصقاع ليسمع من العلماء، كان ضريرا لا يبصر[12].

 

• وكذلك المحدث الحافظ اللغوي النسابة قتادة بن دعامة السدوسي، كان ضريرا، فعوضه الله سلامة البصيرة، وقوة الذاكرة، فكان يقول: ما قلت لمحدث قط أعد علي، وما سمعَتْ أذناي قط شيئاً إلا وعاه قلبي. قال أحمد بن حنبل: "كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئاً إلا حفظه، قرأت عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها"[13]. وغير هؤلاء كثير.

 

الجانب الإيماني للمعاق:

لا شك أن مَن به إصابة أو عاهة ممتحَن في إيمانه، فينبغي أن يعلم كلُّ مَن به إعاقة أن هذا من القضاء والقدر الذي أُمِرنا أن نؤمن به، هذا الإيمان يجعل النفس في اطمئنان ورضًا؛ إذ لا ينبغي السَّخَط على قضاء الله تعالى؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

 

روى أحمدُ وابن ماجه عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن الله تعالى عذَّب أهل سماواته وأرضه، عذَّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك أُحُدٌ أو مِثْلُ أُحُدٍ أنفقتَه في سبيل الله عز وجل، ما قُبِلَ منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلمَ أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإنك إن مِتَّ على غير هذا دخلتَ النارَ"، والمؤمنُ صادقُ الإيمان يوقن تمام اليقين أن أمره كله في السراء والضراء خيرٌ؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي يحيى صُهَيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجَبًا لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابَتْه سرَّاءُ شكر؛ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صبر؛ فكان خيرًا له"، ويكفي هذا المعاقَ أجرًا إن صبر أن يدخل الجنةَ دون حساب؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، روى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل قال: إذا ابتلَيْتُ عبدي بحبيبَتَيْه (أي: بفَقْدِ عينيه)، فصبَر، عوَّضْتُه منهما الجنةَ".

 

المعاق الحقيقي:

يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة حينما يأتي: ذكر كلمة المعاق أنه المبتلى والمصاب بعاهة في بدنه، إلا أن الله تعالى أعطانا في القرآن الكريم معنًى للمعاق قد يغيبُ عن الأذهان؛ قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

 

قال ابنُ كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "أي: ليس العَمَى عَمَى البصَر، وإنما العَمَى عَمَى البصيرة، وإن كانت القوةُ الباصرة سليمةً، فإنها لا تنفُذُ إلى العِبَر، ولا تدري ما الخَبَر"، ثم ذكر شعرًا لابن حيان الأندلسي، منه[14]:

إن كنتَ لا تسمَعُ الذِّكرى ففِيمَ ترَى
في رأسِك الواعيانِ السَّمعُ والبصَرُ
ليس الأصمُّ ولا الأعمَى سوى رجُلٍ
لم يَهْدِه الهاديانِ العينُ والأثَرُ

 

كذلك بيَّن الله تعالى أن مِن أصناف أهل النار هؤلاء الذين يعطِّلون جوارحَهم مِن سمع وبصَر وعقلٍ عمدًا؛ بابتعادهم عن طريق الهدى، وسلوكِهم طريقَ الضلالِ والرَّدى؛ ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، فهؤلاء خُلِق لهم جوارحُ لكنهم لا ينتفعون بها، وعطَّلوها عمدًا؛ بعدم قبول الحق، وعدم سماع الهدى، تمامًا كما للأنعام جوارحُ لا فائدة منها، إلا أن تسمعَ صوت صاحبها يصرخ فيها، لكنها لا تعقِل.

 

نظرة تاريخية للمعاقين:

إن الذي يقرأ في كتب التاريخ يتأكد لديه أن المعاق في الأزمنة والعصور قبل الإسلام كان منبوذًا؛ ففي زمن الفراعنة كانوا يتخلَّصون بالموت من المعاقين، وفي زمن الفلاسفة اليونانيين كانوا ينادون بإخراج المعاقين مِن مدينتهم الفاضلة؛ لأنهم أرواحٌ شريرة، وفي بعض دول أوربا كانوا يسُنُّون القوانين التي تمنع هؤلاء المعاقين حقوقَهم في الوظائف العامة والمناصب الهامة في الدولة، أما في الإسلام فقد لاقى المعاقُ كل تكريم وعناية ورعاية من الناحية الأدبية، ومن الناحية التشريعية؛ فقد جعل الإسلام مِن أبواب الصدقات أن تعين المصاب، ومَن به عَجْزٌ؛ عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل نفس، في كل يوم طلعَتْ فيه الشمس، صدقة منه على نفسه"، قلت: يا رسول الله، مِن أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: "لأن مِن أبواب الصدقةِ التكبيرَ، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وأستغفر الله، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكَر، وتعزِل الشوك عن طريق الناس، والعَظْم والحجَر، وتَهْدي الأعمى، وتُسمِع الأصمَّ والأبكم حتى يفقَهَ، وتدُلُّ المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدَّةِ ساقيك إلى اللهفانِ المستغيث، وترفَعُ بشدَّةِ ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جِماعِ زوجتك أجرٌ"[15].

 

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله، والجهاد في سبيله"، قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: "أنفَسُها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا"، قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تُعين صانعًا، أو تصنَعُ لأخرَقَ"، (والأخرقُ: هو الذي لا عقل له، أو الذي لا صنعةَ له)، قال: قلت: يا رسول الله، إن ضعُفْتُ عن بعض العمل؟ قال: "تكُفُّ شرَّك عن الناس؛ فإنها صدقةٌ منك على نفسك"؛[16]، كذلك حرَّم الله تعالى الاستهزاء والسخريَّة مِن أهل البلاء، أو حتى على وجه العموم؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ [الحجرات: 11]، كذا علَّمنا الإسلام التأدُّبَ عند رؤية أهل البلاء؛ روى الترمذيُّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن رأى صاحبَ بلاءٍ، فقال: الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضَّلني على كثير ممَّن خلَق تفضيلًا، عُوفِيَ مِن ذلك البلاء" [17].

 

واهتمَّ الخلفاء المسلمون بالمعاقين بعد ذلك؛ فمنهم من أعطى لهم راتبًا ثابتًا من بيت المال؛ كعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنهم من أحصى عددهم، وقدَّم لهم الخدمات التي تناسب كل واحد منهم؛ كعمر بن عبدالعزيز، كما أقام بعض الخلفاء مستشفيات للمجذومين؛ كالوليد بن عبدالملك، وفي الفقه الحنفي أجاز أبو حنيفةَ الإنفاقَ على المعاقين من بيت مال المسلمين، وفي العصر الحالي وسَّعت الدول والحكومات دائرة الاهتمام بالمعاقين؛ فخصَّصَت نسبة ثابتة من الوظائف العامة لهم، ولم تمنَعِ المعاق من تقلد المناصب، ما دام كفئًا في عمله، كما خصصت لهم الأندية والمتنزهات التي تناسب أحوالهم، وهناك مقترحات لابتكار الطرق والوسائل التي تعين المعاق على إبداء رأيه، وإشراكه في الحياة السياسية في كثير من دول العالم.

 

ومن محاسن الإسلام أنه أثبت لهم حقوقهم المدنية، والشخصية، والجزائية، وصانها لهم، ومكَّنهم في أن يتصرفوا بأموالهم، بيعاً، وشراء، وهبة، ووصية، ووقفاً، ونحو ذلك؛ لأن إرادتهم معتبرَة سواء كانوا رجالاً أو نساء، وولايتهم على أنفسهم صحيحة، ما داموا بالغين راشدين.

 

كما أوجب على أولياء المعوَّقين ـ بالتدرج سواء كانوا آباءً، أو إخوةً، أو أعماماً، أو أبناء هؤلاء ـ الإنفاقَ على المعوقين إن كانوا محتاجين، فإن عُدم هؤلاء وجب على المجتمع والدولة الإنفاق عليهم ورعايتهم، وذلك عملاً بقاعدة: " الغرم بالغنم "؛ لأن هؤلاء بالتدرج يرثون المعاقين لو كانوا أغنياء، وهذا منسجم مع مبادئ وقواعد التكافل الاجتماعي الذي جاءت به الشريعة الإسلامية، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2].

 

ومما يرويه تاريخنا الإسلامي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبصر شيخاً كبيراً من أهل الذمة قد كُفَّ بصرُه يسأل الناس، فقال له: مالَك؟ قال: ليس لي مال، وإن الجزية تؤخذ مني، فقال له عمر: ما أنصفناك، أكلنا شَبِيبَتَك ثم نأخذ منك الجزية! ثم كتب إلى عماله: أن لا يأخذوا الجزية من شيْخ كبير، وأجرى عليه من بيت المال ما يصلحه[18].

 

الحقوق التشريعية للمعاقين:

اهتمَّ الإسلام بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، فجعلهم مع غيرهم من الأسوياء متساوين في حقوق العيش، والحرية، والتعليم، وإبرام العقود، والتملُّك، وإبداء الآراء السياسية؛ كالانتخاب وغيرها، وتولِّي الوظائف التي تصل إلى الإمارة، كما أعفاهم من مهمة القتال والدفاع عن الأوطان لهذه العلة؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 91]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 17].

 

كما أمَر الإسلام بزيارة ذوي الاحتياجات الخاصة، وعدمِ تركهم وعزلهم، وهذا مِن باب الرحمة بهم؛ فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يُكثِر من زيارته لهم؛ روى البيهقي والبزار والمنذري من حديث جبير بن مطعم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "اذهبوا بنا إلى بني واقف نزور البصير" (وكان هذا رجلًا أعمى).

 

وقد حثَّ الإسلامُ على التعامل بالرحمة مع كافة الناس؛ فمن باب أولى أن توجه هذه الرحمة إلى أمثال هؤلاء؛ فالراحمون يرحمهم الرحمن، كذلك فإن أُسَر هؤلاء المعاقين ينبغي أن تكون في دائرة الاهتمام على مستوى الدول، بتقديم العون المادي والاجتماعي، وتوفير فرص عمل ملائمة، وصنعة تناسب حالة كل منهم، فالأمة كلها جسد واحد، تتألم لتألُّم عضو فيها، فلا تجد تكافلًا على وجه الأرض أفضل وأكمل مما حث عليه ديننا الحنيف، وفي هذا يكون التعاون والتكاتف؛ ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2].

 

كما أن الإسلام ضمن للمعاقين الأمانَ على أنفسهم في أوقات الحروب، وأمر بتجنُّبهم وعدم قتالهم، فقد ذكر الفقهاء: أن يحرم في الحرب قتال من لا يُتوقع منه قتال المسلمين، كالمريض المزمِن، والأعمى، والمشلول، والمقْعَد، والمعتوه، والأعرج، ومقطوع اليد، ونحوه.

 

وأين هذه الرحمة والرعاية الإسلامية الإنسانية السامية للمعاقين، مما تفعله وتمارسه بعض الجهات المعاصرة في القرن الحادي والعشرين، من قتل المسنِّين والمقْعدين والمعاقين؛ خشية الإنفاق عليهم؛ بحجة عدم انتفاع المجتمع بهم كما يزعمون!!

 

معاقون في المقدمة:

وفي السيرة النبوية نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولَّى إمارة المدينة لعبدالله ابن أم مكتوم أكثر من عشر مرات، وبعث معاذ بن جبل عاملًا على اليمن وأميرًا لها وكان شديدَ العَرَج، واشترك عمرو بن الجموح في القتال في غزوة أُحُد، وكان من أوائل الشهداء فيها، وتسابق الناس إلى التعلم من عبدالله بن عباس رضي الله عنهما وكان قد كُفَّ بصرُه في آخر حياته، وكان ينشد قائلًا:

إنْ يأخُذِ اللهُ مِن عَيْنَيَّ نورَهما
ففي لساني وسَمْعي منهما نورُ
قَلْبي ذكيٌّ وعَقْلي غيرُ ذي عِوَج
وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مأثورُ

 

وكان عطاءُ بن أبي رباح من كبار المفتين في زمنه، ورغم ذلك كان أعور العين، أفطس الأنف، أعرج الرجل، أشلَّ اليد، أقطع الأذن، وغيره ممن كانت إعاقته عَلَمًا عليه في علمه؛ كالأصم حاتم بن عنوان (توفي 237ه)، وكان مشهورًا بالزهد والتقشف، ووصاياه معروفة ومشهورة، والأعمش سليمان بن مهران الأسدي بالولاء (توفي 148هـ)، وهو تابعي حافظ للحديث وعالم فيه، والأخفش عبدالحميد بن عبدالمجيد (توفي 177هـ)، وكان عالِمًا في اللغة العربية والنحو، والأحول عاصم بن سليمان البصري (توفي 142هـ)، وهو مِن حفَّاظ الحديث، والأعرج عبدالرحمن بن هرمز (توفي 117ه)، وكان عالِمًا في القرآن والسنة، وخبيرًا بأنساب العرب، وغير هؤلاء الكثير.

 

كما لا يخفى علينا كلُّ نابغة في عصرنا في العلوم المتعددة، الدِّينية منها والدنيوية، ممَّن اشتهروا وذاع صِيتهم، وكل بلد أدرى بمَن فيه من هؤلاء الأفذاذ من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تفوَّقوا على أقرانهم مِن الأصحَّاء.

 

إن دِيننا الإسلامي لا يُغفِل فئة في مجتمعه، خاصة إذا كانت هذه الفئة تحتاج إلى تعامل مِن نوع خاص، وكيف له أن يُغفلها أو يُهملها ورسالته رحمة للعالمين؟! ولكن يبقى لمنتسبي الإسلام فهم هذا الدِّين فهمًا صحيحًا؛ لينشروا هذه الرسالة المحمدية التي رحِمَتِ الإنسان والطير، حتى الجماد؛ فقد التزم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جِذْع النخلة، وضمَّه إليه حينما حَنَّ لفِراقه بعد أن اتخذ منبرًا للخطابة؛ فالرحمةَ الرحمةَ بالمعاقين وغيرهم.

 

تطور مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصّة:

في الزمن الماضي كان يطلق على أيّ شخصٍ توجد فيه إعاقةٌ اسم المُقعد، ثمّ تطورّ بعد ذلك حتى باستخدام اسم ذوي العاهة دلالةً على الشخص الذي توجد به إعاقةٌ، بعد ذلك أُطلق عليه اسم العاجز، فكانت النظرة في الزّمن الماضي تدور حول تلك المسميّات، لكن بعد ذلك أصبح هنالك فرقٌ في تلك النّظرة على اعتبار أنّ أفراد تلك المجتمعات هم الّذين عجزوا عن تقبلّ تلك الفئة، واستثمار قدراتهم، خاصّةً أنّ تلك الفئة من الممكن أن تكمن لديها قدراتٌ ومواهبٌ يمكن الاستفادة منها، وتطويرها لتكون فئةً فاعلةً في المجتمعات، وربّما تتميز تلك الفئة عمن حولها من الفئات، والتسميات القديمة توّلد في نفس ذوي الحاجة الخاصّة شعوراً بالإحباط، مما يؤثرّ على حياته وعلاقته مع المجتمع، لذلك وجدت التسميات الجديدة، التي تبعث في نفوسهم الإيجابيّة والحيويّة؛ كتسمية ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتسمية ذوي الصّعوبات، وحثّ الإسلام على أن يُنادى الإنسان بأفضل الأسماء وأحسنها.



[1] رواه مسلم.

[2] (صحيح) انظر حديث رقم: 8140 في صحيح الجامع.

[3] متفق عليه.

[4] د.طه فارس(21-7-2016)، رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام.

[5] تفسير البحر المحيط:5/ 482.

[6] صحيح سنن أبي داود.

[7] ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7934 في صحيح الجامع.

[8] أخرجه ابن هشام في السيرة: 2/ 90 - 19 والبيهقي في الدلائل: 3/ 246، وسنده حسن إن كان الأشياخ من الصحابة وإلا فهو مرسل ورجاله ثقات.

[9] أورده ابن كثير في البداية والنهاية نقلا عن سيف بن عمر من فتوحه انظر البداية والنهاية 39/ 7.

[10] الطبقات الكبرى لابن سعد:5/ 115.، سير أعلام النبلاء:4/ 351.

[11] تاريخ الإسلام ووَفيات المشاهير والأعلام: 2/ 1176.

[12] سير أعلام النبلاء:13/ 270.

[13] تذكرة الحفاظ:1/ 92.

[14] تفسير القرآن العظيم:5/ 438.

[15] الحديث رواه أحمد واللفظ له، ومعناه أيضًا في مسلم.

[16] مسلم: (1/ 89) (1) كتاب الإيمان (36) بيان كون الإيمان بالله أفضل الأعمال - رقم (136).

[17] الترمذي (3431) وقال: هذا حديث غريب، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" (2728).

[18] أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج (150 - 151)، وانظر الأموال (1/ 163).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عن العناية بذوي الاحتياجات الخاصة
  • من حقوق أهل الأعذار - ذوي الاحتياجات الخاصة - في السنة النبوية (خطبة)
  • خطبة: رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام
  • احتياجات تعلم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في المرحلة الأولية
  • الإسلام يراعي حقوق المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة

مختارات من الشبكة

  • حقوق الطريق (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق العمال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الوطن (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من حقوق الوالدين(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • حقوق غير المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حقوق الجار وأنواعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق كبار السن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حقوق كبار السن في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الميت (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الميت (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/4/1447هـ - الساعة: 2:32
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب