• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | أسرة   تربية   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    جذور طرائق التدريس الحديثة في الهدي النبوي ...
    هبة أحمد مصطفى
  •  
    رسالة تفاؤل
    أسامة طبش
  •  
    حاجة الشباب إلى اللعب والترفيه
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    أسلوب عرض درس في اللغة الأجنبية
    أسامة طبش
  •  
    حاجة الناس إلى الحب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    دور الأوامر والحوار في علاج مشكلات الأطفال؟
    محمد عباس محمد عرابي
  •  
    سنة أولى زواج
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الثقة بالنفس
    أسامة طبش
  •  
    الزوج البخيل والزوجة البخيلة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    تفاعل القيم بين التصور والتصديق: درس اللغة ...
    محمد المختار البوزيدي
  •  
    الإشراف التربوي المعرفي
    د. خالد بن محمد الشهري
  •  
    ملامح تربوية من وهج التربية الإسلامية للارتقاء ...
    د. عوض بن حمد الحسني
  •  
    حاجة الشباب إلى الإيمان
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    ضغوط الحياة الزوجية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حاجة الشباب إلى الأمن
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    مهارات الاستذكار الأمثل
    د. يحيى بن علي بن فلاح
شبكة الألوكة / مجتمع وإصلاح / تربية / تهذيب النفس
علامة باركود

الدروس التربوية من قصة مريم عليها السلام

الدروس التربوية من قصة مريم عليها السلام
الشيخ صلاح نجيب الدق

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2022 ميلادي - 11/5/1444 هجري

الزيارات: 4457

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدروس التربوية من قصة مريم عليها السلام

 

الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد:

فسوف نذكر بعض الدروس المستفادة من قصة مريم بنت عمران عليها السلام؛ فنقول وبالله تعالى التوفيق:

بسم الله الرحمن الرحيم

ميلاد مريم عليها السلام:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 33 - 37].

 

• قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض، فاصطفى آدم عليه السلام؛ خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسْجَدَ له ملائكته، وعلَّمه أسماء كل شيء، وأسكنه الجنة ثم أهبطه منها؛ لِما له في ذلك من الحكمة.

 

واصطفى نوحًا عليه السلام؛ وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض، لمَّا عبد الناس الأوثان، وأشركوا في دين الله ما لم ينزل به سلطانًا، وانتقم له لما طالت مدته بين ظهراني قومه، يدعوهم إلى الله ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، فلم يزدهم ذلك إلا فرارًا، فدعا عليهم، فأغرقهم الله عن آخرهم، ولم ينجُ منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به.

 

واصطفى آل إبراهيم؛ ومنهم: سيد البشر وخاتم الأنبياء على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، وآل عمران، والـمراد بعمران هذا: هو والد مريم بنت عمران، أم عيسى ابن مريم عليهم السلام"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 3، ص: 57:54].

 

فائدة مهمة:

• آل الرجل: هم أتباعه وقومه ومن هو على دينه؛ [تفسير الطبري، ج: 6، ص: 328].

 

• قوله: ﴿ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 34]؛ معناه: ذرية دين بعضها دين بعض، وكلمتهم واحدة، وملتهم واحدة في توحيد الله وطاعته.

 

قوله: ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 34]؛ يعني بذلك: والله ذو سمعٍ لقول امرأة عمران، وذو علم بما تضمره في نفسها؛ إذ نذرت له ما في بطنها محررًا؛ [تفسير الطبري، ج: 5، ص: 330].

 

• قوله: ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ﴾ [آل عمران: 36]؛ أي: فلما ولدتها.

 

• قوله: ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]؛ قالت أم مريم ذلك اعتذارًا إلى الله عز وجل؛ لأنهم كانوا يُنذرون الذكور فقط لـخدمة الـمسجد الأقصى.

 

قال عبدالله بن عباس: "إنما قالت هذا لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكور، فقبِل الله مريم"؛ [تفسير القرطبي، ج: 4، ص: 67].

 

• قوله: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]؛ أي: في القوة والـجَلَدِ في العبادة، وخدمة الـمسجد الأقصى؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 33].

 

• قوله: ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران: 36]، اسم مريم في اللغة العبرية معناه: العابدة، أو خادمة بيت الرب سبحانه وتعالى، وكانت مريم عليها السلام أجمل النساء في وقتها وأفضلهن.

 

• قوله: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا ﴾ [آل عمران: 36]؛ أي: أحفظها وأمنعها وأُجيرها وأولادها بك وحدك سبحانك.

 

• قوله: ﴿ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]؛ فالشيطان: هو الطريد اللعين، والرجيم: هو الـمرميُّ بالشُّهُب؛ [تفسير البغوي، ج: 2، ص: 30].

 

• قوله: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾ [آل عمران: 37]؛ قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "أي: سلك بها طريق السعداء"؛ [تفسير البغوي، ج: 2، ص: 31].

 

يخبر ربنا تبارك وتعالى أنه تقبَّل مريم من أمها لخدمة الـمسجد الأقصى.

 

• قوله: ﴿ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ﴾ [آل عمران: 37]؛ أي: جعلها شكلًا مليحًا، ومنظرًا بهيجًا، ويسَّر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم الخير والعلم والدين؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 35].

 

الدرس المستفاد:

الرضا برزق الله من الذرية طريق السعادة.

يـجب على المسلم أن يرضى بما رزقه الله تعالى به من الذرية، ذكرًا كان أم أنثى؛ فإن الرزاق هو الله؛ قال الله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: لله سلطان السماوات والأرض، يفعل في سلطانه ما يشاء، ويخلق ما يحب خلقه، يهب لمن يشاء من خَلْقِهِ من الولد الإناث دون الذكور، بأن يجعل كل ما حملت زوجته من حمل منه أنثى، ويهب لمن يشاء منهم الذكور، بأن يجعل كل حمل حملته امرأته ذكرًا لا أنثى فيهم.

 

• ﴿ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ﴾؛ أي: يجمع بين البنين والبنات.

 

• قوله: ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾؛ أي: إن الله ذو علم بما يخلق، وقدرة على خلق ما يشاء، لا يغيب عنه علم شيء من خلقه، ولا يعجزه شيء أراد خلقه؛ [تفسير الطبري، ج: 20، ص: 536].

 

وليعلم المسلم أنه لا يدري أين الخير؛ قال الله تعالى: ﴿ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ﴾ [النساء: 11]، وقال سبحانه: ﴿ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وكم من أنثى كانت سببًا لسعادة أبويها في الدنيا والآخرة! وكم من ذكر كان سببًا في شقاء أبويه! وهذا مشاهَد في واقعنا المعاصر، ويجب على الآباء أن يعلموا أن الله تعالى قد كتب كل شيء عنده في اللوح المحفوظ، قبل أن يـخلق السماوات والأرض؛ وذلك لعلمه بأحوال عباده؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وقال جل شأنه: ﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾ [فاطر: 11]، وليتأمل هذا الذي يسخط على الذرية من الإناث، كيف يكون حاله لو أن الله تعالى كتب عليه أن يكون عقيمًا، لا ذرية له.

 

الذرية نعمة كبيرة من الله تعالى، وبمجرد أن يُبشَّر المسلم بأن الله قد رزقه بمولود، ينبغي أن يحمد الله تعالى، دون أن يسأل: هل هو ذكر أو أنثى؟ ففي كلٍّ خير، إن شاء الله، ولا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح.

 

• روى البخاري في الأدب المفرد عن كثير بن عبيد قال: ((كانت عائشة رضي الله عنها، إذا وُلِدَ فيهم مولود - يعني: في أهلها - لا تسأل: غلامًا ولا جاريةً؟ تقول: خُلِق سويًّا؟ فإذا قيل: نعم، قالت: الحمد لله رب العالمين))؛ [حديث حسن، صحيح الأدب المفرد، للألباني، حديث 951].

 

• قوله: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قدَّر الله كون زكريا كافلها؛ لسعادتها؛ لتقتبس منه علمًا جمًّا نافعًا، وعملًا صالحًا، ولأنه كان زوج خالتها، على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما، وقيل: زوج أختها؛ كما ورد في الصحيح: ((فإذا بيحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة))، وقد يُطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضًا توسعًا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 2، ص: 35].

 

• قوله: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ﴾ [آل عمران: 37]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: "يعني بذلك جل ثناؤه أن زكريا صلى الله عليه وسلم كان كلما دخل عليها المحراب بعد إدخاله إياها المحراب، وجد عندها رزقًا من الله لغذائها، فقيل: إن ذلك الرزق الذي كان يجده زكريا عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء"؛ [تفسير الطبري، ج: 5، ص: 353].

 

• قوله: ﴿ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 37]؛ قالت مريم مجيبةً لزكريا صلى الله عليه وسلم: "هو من عند الله، تعني أن الله هو الذي رزقها ذلك فساقه إليها وأعطاها"؛ [تفسير الطبري، ج: 5، ص: 358].

 

• قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: "هذا خبر من الله أنه يسوق إلى من يشاء من خلقه رزقه، بغير إحصاء ولا عدد يُحاسِب عليه عبده؛ لأنه جل ثناؤه لا ينقص سوقُهُ ذلك إليه كذلك خزائنَه، ولا يزيد إعطاؤه إياه، ومحاسبته عليه في ملكه، وفيما لديه شيئًا، ولا يعزُب عنه علم ما يرزقه، وإنما يحاسب من يعطي ما يعطيه من يخشى النقصان من ملكه، بخروج ما خرج من عنده بغير حساب معروف، ومن كان جاهلًا بما يعطي على غير حساب"؛ [تفسير الطبري، ج: 5، ص: 359].

 

الدرس المستفاد:

الله تعالى تكفَّل بأرزاق جميع المخلوقات.

قال الله تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23].

 

وقال سبحانه: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].

 

الله تعالى يرزق المخلوقات الضعيفة بلا سبب.

قال الله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].

 

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ﴾ [العنكبوت: 60]؛ أي: لا تطيق جمعه وتحصيله، ولا تؤخر شيئًا لغدٍ.

 

• قوله: ﴿ اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 60]؛ أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها، وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذَّر في قرار الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الماء"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 6، ص: 292].

 

تنافس علماء بني إسرائيل على كفالة مريم:

روى الطبري عن السدي قال: "انطلقت أم مريم بمريم حين ولدتها إلى المحراب - وقال بعضهم: انطلقت حين بلغت إلى المحراب - وكان الذين يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان يجربونه، اقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذٍ وكان بينهم، وكانت خالة مريم تحته، فلما أتَوا بها اقترعوا عليها، وقال لهم زكريا: أنا أحقكم بها تحتي خالتها، فأبَوا، فخرجوا إلى نهر الأردن، فألقَوا أقلامهم التي يكتبون بها، أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام وقام قلم زكريا على قرنته كأنه في طين، فأخذ الجارية؛ فجعلها معه في بيته"؛ [تفسير الطبري، ج: 5، ص: 349].

 

الدرس المستفاد:

وجوب احترام طلاب العلم لعلمائهم وأصحاب الفضل عليهم.

روى أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه))؛ [حديث حسن، صحيح الجامع، للألباني، حديث: 5443].

 

بشارة الملائكة لمريم باصطفاء الله لها:

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 42، 43].

 

• قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ﴾ [آل عمران: 42]؛ أي: إن الله اختارك واجتباك لطاعته، وما خصَّك به من كرامته.

 

• قوله: ﴿ وَطَهَّرَكِ ﴾ [آل عمران: 42]؛ يعني: طهَّر دينك من الريب والأدناس التي في أديان نساء بني آدم.

 

• قوله: ﴿ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 42]؛ يعني: اختارك على نساء العالمين في زمانك بطاعتك إياه، ففضَّلك عليهم؛ [تفسير الطبري، ج: 5، ص: 392].

 

• قوله: ﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 43]:

قالت الملائكة الكرام: يا مريم، أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصًا، واخشعي لطاعته وعبادته، مع من خشع له من خلقه؛ شكرًا له على ما أكرمك به من الاصطفاء، والتطهير من الأدناس، والتفضيل على نساء عالم دهرك"؛ [تفسير الطبري، ج: 5، ص: 400].

 

تزكية الله تعالى لمريم:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 11، 12].

 

معجزة ولادة مريم للمسيح عيسى:

قال الله سبحانه وتعالى:

﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [مريم: 16 - 36].

 

• قوله: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾ [مريم: 16]: يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في كتاب الله الذي أنزله عليك بالحق مريم بنت عمران، ومريم عليها السلام من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل؛ حيث نشأت في بني إسرائيل نشأةً عظيمةً، فكانت إحدى العابدات الناسكات الـمشهورات بالعبادة العظيمة والتبتُّل، وكانت في كفالة زوج أختها - وقيل: خالتها - زكريا صلى الله عليه وسلم، نبي بني إسرائيل في ذلك الوقت وعظيمهم، الذي يرجعون إليه في دينهم، ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بَهَرَهُ.

 

• قوله: ﴿ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ﴾ [مريم: 16]؛ أي: اعتزلتهم وتنحَّت عنهم، وذهبت إلى شرق الـمسجد الأقصى المبارك؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 219].

 

• قوله: ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا ﴾ [مريم: 17]؛ أي: اتخذت من دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 485].

 

• قوله: ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ﴾ [مريم: 17]؛ أي: أرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام.

 

• قوله: ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 17]؛ أي: ظهر لها جبريل عليه السلام على صورة إنسان تام كامل؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 219].

 

• قوله: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]، خافت مريم من جبريل عليه السلام، وظنَّتْهُ رجلًا يريدها على نفسها، فقالت: إني أستجير بالرحمن منك أن تنال مني ما حرمه عليك، إن كنت ذا تقوى له تتقي محارمه، وتجتنب معاصيه؛ لأن من كان لله تقيًّا، فإنه يجتنب ذلك؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 486].

 

• قوله: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ [مريم: 19]؛ قال جبريل عليه السلام: أنا رسول ربك يا مريم، أرسلني إليك ليهب لك غلامًا زكيًّا، والغلام الزكي: هو الطاهر من الذنوب؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 488].

 

• قوله: ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 20]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي: فتعجبت مريم من هذا وقالت: كيف يكون لي غلام؟ أي: على أي صفة يوجد هذا الغلام مني، ولست بذات زوج، ولا يتصور مني الفجور؛ ولهذا قالت: ﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 20]، والبغي: هي الزانية".

 

• قوله: ﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم: 21]؛ أي: فقال لها الْمَلَكُ مجيبًا لها عما سألت: إن الله قد قال: إنه سيُوجِد منك غلامًا، وإن لم يكن لك بعلٌ ولا توجد منك فاحشة؛ فإنه على ما يشاء قادر.

 

• قوله: ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾ [مريم: 21]؛ أي: دلالةً وعلامةً للناس على قدرة بارئهم وخالقهم، الذي نوَّع في خلقهم؛ فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه؛ فلا إله غيره ولا رب سواه.

 

• قوله: ﴿ وَرَحْمَةً مِنَّا ﴾ [مريم: 21]؛ أي: ونجعل هذا الغلام رحمةً من الله نبيًّا من الأنبياء، يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 220].

 

• قوله: ﴿ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 21]؛ أي: أمرًا قد قضاه الله تعالى، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 489].

 

• قوله: ﴿ فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴾ [مريم: 22]؛ لما حملت مريم بعيسى ضاقت ذرعًا به ولم تدرِ ماذا تقول للناس؛ فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به، فاعتزلت الناس وذهبت إلى مكان بعيد؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 491].

 

• قوله: ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم: 23]؛ قال الإمام البغوي رحمه الله: "التجأت مريم إلى النخلة؛ لتستند إليها، وتتمسك بها على وجع الولادة"؛ [تفسير البغوي، ج: 5، ص: 225].

 

• قوله: ﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 23]؛ تـمنَّت مريم الموت؛ استحياءً من الناس وخوف الفضيحة، وتـمنت أيضًا لو كانت شيئًا متروكًا، لا يعرفه الناس ولا يذكرونه لحقارته؛ [تفسير البغوي، ج: 5، ص: 225].

 

• قوله: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ﴾ [مريم: 24]؛ أي: فناداها جبرائيل؛ وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، والسدي، وقتادة، والضحاك، وجماعة: أن المنادي كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها، ناداها ألَّا تحزني، وقيل: فناداها عيسى، بعد ما ولدته؛ [تفسير البغوي، ج: 5، ص: 226].

 

• قوله: ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ [مريم: 24]؛ أي: جعل الله تعالى نهرَ ماء صغير تحت أمرك، إن أمرتِهِ أن يجريَ جرى، وإن أمرتِهِ بالإمساك أمسك؛ [تفسير البغوي، ج: 5، ص: 226].

 

• قوله: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ [مريم: 25]؛ أي: أمرها بهز الجذع اليابس لترى آيةً أخرى في إحياء موات الـجذع؛ [تفسير القرطبي، ج: 11، ص: 94].

 

• قوله: ﴿ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]؛ أي: رطبًا طيبًا مباركًا فيه من عند الله تعالى، والرطب الجني هو الذي بلغ الغاية في النضج، وجاء وقت قطعه من النخلة؛ [تفسير البغوي، ج: 5، ص: 227].

 

لقد تكفَّل الله تعالى بإطعام مريم بما لا يتعبها ولا يرهقها، بل بما هو في متناول يدها؛ حيث أمرها بتحريك جذع النخلة إلى جهتها تحريكًا متعاقبًا، تسقط عليها النخلة تمرًا ناضجًا، طيبًا طريًّا، سهلَ الهضم؛ [التفسير الوسيط، مجمع البحوث الإسلامية، ج: 6، ص: 957].

 

الدرس المستفاد:

يجب على المسلم التوكل على الله تعالى مع الأخذ بأسباب الرزق.

 

معنى التوكل:

التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله تعالى في حصول ما ينفع المسلم في أمور دينه ودنياه، مع الأخذ بالأسباب المشروعة.

 

• قال سبحانه: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 98، 99].

 

روى أبو نعيم عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية؛ فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؛ [حديث صحيح، صحيح الجامع، للألباني، حديث: 2085].

 

• إجمال الطلب: هو أن يطلب المسلم الرزق من الـحلال، معتمدًا على الله عز وجل، ومتوكلًا عليه في حركاته، علمًا بأنه إنما يأتيه من ذلك ما يسَّره الله له، ولا يلاحظ في طلبه قواه وجَلَده وحيله، ولا يطلبه من الحرام؛ [الآداب، للبيهقي، ص: 314].

 

روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم كنتم توكَّلون على الله حقَّ توكله، لرُزقتم كما يُرزق الطير؛ تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي، للألباني، حديث: 1911].

 

• قال المباركفوري رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: (تغدو)؛ أي: تذهب أول النهار (خماصًا)؛ أي: جياعًا، (وتروح)؛ أي: ترجع آخر النهار، (بطانًا)؛ جمع بطين، وهو عظيم البطن، والـمراد شِباعًا"؛ [تحفة الأحوذي، للمباركفوري، ج: 7، ص: 7].

 

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "ليس في هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق؛ لأن الطير إذا غدت، فإنما تغدو لطلب الرزق، وإنما أراد - والله تعالى أعلم - لو توكلوا على الله تعالى في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم، ورأوا أن الخير بيده ومن عنده، لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين، كالطير تغدو خماصًا، وتروح بطانًا، لكنهم يعتمدون على قوتهم وجَلَدِهم ويغشُّون ويكذبون، ولا ينصحون، وهذا خلاف التوكل"؛ [شعب الإيمان للبيهقي، ج: 2، ص: 405].

 

• قوله: ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ [مريم: 26]؛ أي: فكلي من الرطب الذي يتساقط عليك، واشربي من ماء النهر الذي جعله ربك تحتك، لا تخافي جوعًا ولا عطشًا.

 

• قوله: ﴿ وَقَرِّي عَيْنًا ﴾ [مريم: 26]؛ أي: طيبي نفسًا، وافرحي بولادتك؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 515].

 

• قوله: ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ [مريم: 26]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: "فإن رأيتِ من بني آدم أحدًا يكلمكِ أو يسألكِ عن شيء من أمركِ وأمر ولدكِ وسبب ولادتكِ، فقولي: إني أوجبت على نفسي لله صمتًا ألَّا أكلم أحدًا من بني آدم اليوم"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 516].

 

• قوله: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾ [مريم: 27]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: "لما رأوا مريم، ورأوا معها الولد الذي ولدته، قالوا لها: يا مريم، لقد جئتِ بأمر عجيب، وأحدثتِ حدثًا عظيمًا. وكل عامِلٍ عملًا أجاده وأحسنه، فقد فَرَاه"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 521].

 

• قوله: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾ [مريم: 28]؛ قال الإمام البغوي رحمه الله: "يريد: يا شبيهة هارون، قال قتادة بن دعامة رحمه الله وغيره: كان هارون رجلًا صالحًا عابدًا في بني إسرائيل؛ معنى: إنا ظننا أنكِ مثله في الصلاح"؛ [تفسير البغوي، ج: 5، ص: 228].

 

• قوله: ﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 28]؛ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي: أنتِ من بيت طيب طاهرٍ، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة، فكيف صدر هذا منكِ؟"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 226].

 

• قوله: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ﴾ [مريم: 29]؛ أي: فأشارت مريم إلى عيسى عليه السلام أنْ كلِّموه.

 

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "لما لم تكن لها حُجَّة، أشارت إليه؛ ليكون كلامه حجةً لها"؛ [تفسير البغوي، ج: 5، ص: 229].

 

• قوله: ﴿ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 29]؛ أي: كيف نكلم من هو موجود في مهده، في حال صباه وصغره، كيف يتكلم؟ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 228].

 

• قوله: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾ [مريم: 30]؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله: "كان أول ما نطق به عيسى صلى الله عليه وسلم الاعتراف بعبوديته لله تعالى وبربوبيته، ردًّا على مَن غلا مِن بعده في شأنه.

 

• قوله: ﴿ آتَانِيَ الْكِتَابَ ﴾ [مريم: 30]؛ الكتاب: هو الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلم"؛ [تفسير القرطبي، ج: 11، ص: 102].

 

قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قوله: ﴿ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 30]: تبرئة لأمه مما نُسبت إليه من الفاحشة"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 228].

 

• قوله: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ [مريم: 31]؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله: "جعلني ذا بركات ومنافع في الدين والدعاء إليه، ومعلمًا له، وجعلني آمُر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأُرشد الضالَّ، وأنصر المظلوم، وأُغيث الملهوف"؛ [تفسير القرطبي، ج: 11، ص: 103].

 

• قوله: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]؛ قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "أي: أوصاني بالقيام بحقوقه، التي من أعظمها الصلاة، وحقوق عباده، التي أجلُّها الزكاة، مدة حياتي، فأنا ممتثل لوصية ربي، عامل عليها، منفذ لها"؛ [تفسير السعدي، ص: 492].

 

• قوله: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي ﴾ [مريم: 32]؛ أي: وأمرني ببر والدتي، ذكره بعد طاعة الله ربه؛ لأن الله تعالى كثيرًا ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].

 

• قوله: ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]؛ أي: ولم يجعلني جبارًا مستكبرًا عن عبادته وطاعته وبر والدتي، فأشقى بذلك؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 229].

 

• قوله: ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 33]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: "والأمنة والأمان من الله عليَّ من الشيطان وجنده يوم وُلدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يُولَد عند الولادة، من الطعن فيه، ويوم أموت، من هول الـمطلع، ويوم أُبعث حيًّا، يوم القيامة، أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 533].

 

• قوله: ﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [مريم: 34]؛ قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: هذا الذي بيَّنت لكم صفته، وأخبرتكم خبره، من أمر الغلام الذي حملته مريم، هو عيسى ابن مريم، وهذه الصفة صفته، وهذا الخبر خبره.

 

• قوله: ﴿ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ [مريم: 34]: يعني: إن هذا الخبر الذي قصصته عليكم قول الحق، والكلام الذي تلوته عليكم قول الله وخبره، لا خبر غيره، الذي يقع فيه الوهم والشك، والزيادة والنقصان، على ما كان يقول الله تعالى ذكره، فقولوا في عيسى أيها الناس هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود الذين زعموا أنه لغير رشدة، وأنه كان ساحرًا كذابًا، ولا ما قالته النصارى، من أنه كان لله ولدًا، وإن الله لم يتخذ ولدًا، ولا ينبغي ذلك له"؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 534].

 

• قوله: ﴿ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ﴾ [مريم: 35]؛ لا ينبغي لله تعالى أن يتخذ ولدًا، ولا يصلح ذلك له ولا يكون، بل كل شيء دونه فخلقه.

 

• قوله: ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ [مريم: 35]: أي: تنزيهًا لله تعالى عن كل نقص أو عيب، وتبرئةً لله تعالى أن يكون له ولد؛ [تفسير الطبري، ج: 15، ص: 538].

 

• قوله: ﴿ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 35]؛ أي: إذا أراد الله تعالى شيئًا، فإنما يأمر به، فيصير كما يشاء؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 230].

 

• قوله: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [مريم: 36].

 

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي: ومما أمر عيسى صلى الله عليه وسلم به قومه وهو في مهده، أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربهم وربه، وأمرهم بعبادته، فقال: ﴿ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 5، ص: 230].

 

ختامًا:

أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة؛ ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

 

كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكـــــرام.

 

وآخــر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • قصة مريم في القرآن

مختارات من الشبكة

  • تنزيل الأحكام على الوقائع في القضاء والفتيا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • درس نموذجي في القواعد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة - الدرس التاسع- أقسام الشرك (الشرك الأصغر)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة- الدرس السابع (أقسام التوحيد وأقسام الشرك)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة - الدرس السادس- الإيمان بالقدر(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة - الدرس الخامس- (الإيمان باليوم الآخر)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة الدرس الثالث أركان الإيمان (الإيمان بالله سبحانه وتعالى)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة الدرس (9) تفسير آخر سور جزء عم(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة الدرس "8" تفسير سور الفيل وقريش والماعون(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة الدرس (7) تفسير سورة الهمزة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمو مدينة سينسيناتي يوزعون 30 ألف وجبة إفطار خلال رمضان
  • افتتاح أكبر مسجد بجنوب داغستان
  • مؤتمر عن "أثر الصيام في حياة الإنسان" في ألبانيا
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/9/1444هـ - الساعة: 15:53
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب