• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفاتحة وشرط المتابعة
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    خطبة: الستر على المسلمين
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    الخلف وسوء الأخلاق في رمضان
    هيام محمود
  •  
    أحكام اللقطة في الطريق
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    نوازل معاصرة في الصيام (خطبة)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    من آداب الصيام: تأخير السحور
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    من سلسلة أحاديث رمضان حديث: طوبى لمن رآني وآمن بي
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    ما حكم الصوم للمسافر والمريض؟ (PDF)
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    التكافل وقت الأزمات: مواقف وعظات
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    هل لك سر عند الله؟ (خطبة)
    خالد بن حسن المالكي
  •  
    مستحبات الصيام وآدابه
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    سلسلة جود قراءتك للمبتدئين (الحلقة الثانية)
    أبو مارية محمد أحمد عبده
  •  
    عندما تتكافأ أقوال الفقهاء في مسألة
    محمد عبدالعزيز محمد عبدالعزيز
  •  
    الدنيا بحر عميق غرق فيه ناس كثير
    السيد مراد سلامة
  •  
    مبطلات الصيام
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    الفاتحة وشرط الإخلاص
    محمد بن سند الزهراني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العلم والدعوة / العلم والدعوة
علامة باركود

المحاسبة والهمة وطلب العلم (خطبة)

المحاسبة والهمة وطلب العلم (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/9/2022 ميلادي - 7/2/1444 هجري

الزيارات: 4198

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المحاسبة والهمة وطلب العلم

 

الحمد لله الكريم المجيب لكل سائل، التائب على من تاب فليس بينه وبين العباد حائل، جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم فيها لا محالة زائل، حذر الناس من الشيطان، وللشيطان منافذُ وحبائل، فمن أسلم وجهه لله فذلك الكَيْسُ العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال والغافل، نحمده تبارك وتعالى ونعوذ بنور وجهه الكريم من الفتن في عاجل أمرنا والآجل، ونسأله الفوز بالجنة ورفقة النبيين الصديقين والمقربين الأوائل، وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن الشريك والشبيه والمُشاكِل، مًن للعباد غيره؟ ومن يدبر الأمر سواه؟ ومن يجيب المضطر إذا دعاه وقد استعصت عليه المسائل؟ من لنا إذا انقضى العمر وتقطعت بنا الأسباب والوسائل؟ هو الله لا إله إلا هو، الإله الحق، وكل ما خلا الله باطل، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله، لولاه - بعد الله - لانعدم الهدى وما كان في الناس عالم أو فاضل، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان؛ أما بعد:

فيا عباد الرحمن:

إن خير الحديث كلام الله...

 

اتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أن التقوى وسط بين الغلوِّ والجفاء، وتذكروا أن عامكم يوشك على الرحيل لربه بما استودعتموه من أعمال، فمن كان محسنًا فليثبت على الخير وليزْدَدْ منه بشكره لله، ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، فالشكر قيد النعم الموجودة وصيد النعم المفقودة.

 

ومن سنن الله تعالى في خليقته أنْ نوَّع المدارك، وفضل في المنائح، ورفع بعض الناس على بعض في أديانهم وعقولهم، وأخلاقهم وأرزاقهم، وبثَّهم في هذه الدار امتحانًا وابتلاءً، كل منهم يحرث أيامه بأعماله، ويستبق أجَله مع أنفاسه، حتى إذا بلغ المدى الأخير، عادت وديعة الروح لصاحبها، ورجعت لخالقها، فإذا أذِن الله للحساب، ابتعث الأجساد وأقام الأشهاد، وجمع الأولين والآخرين، حينها يكون تأويل الكتاب: ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 19]، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]، وحينها يكون الافتراق العظيم في المصير على قدر الافتراق اليوم في التدين؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [الروم: 14 - 16]، فلا إله إلا الله حقًّا وصدقًا، وتعبدًا ورقًّا.

 

ولأن الأمر بهذا الخطر إخوة الإيمان؛ فقد وجب على كل ناصح لنفسه أن يراجع صادقًا مسيرته، ويسارع لإصلاح سريرته، ويحاسب نفسه قبل الفوات؛ كي يستعتب في دار المهلة ويؤوب قبل ألَّا يحين مناص، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [سبأ: 51، 52]، ﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 12 - 15].

يذكرني حاميم والرمح شاجر
فهلا تلا حاميم قبل التقدمِ

ومن فروع تلك المحاسبة: ألَّا يكتفي بإحسان النية دون إحسان الاتباع، فركنا قبول العمل: الإخلاص والاتباع، ولا يكفي شرط عن مكمله، فلا بد من تحقيق الشهادة الأولى بتجريد النية وإخلاص العمل، وتوجيه الوجه للواحد الأحد لا شريك له، ثم بتحقيق الشهادة الثانية بإحسان الائتساء بمن لهَج له بالشهادة بالرسالة؛ صلوات الله عليه وسلامه وبركاته؛ وهو القائل - بأبي هو وأمي ونفسي وولدي - فيما رواه الشيخان: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))؛ أي: مردود غير مقبول، وكفى به عن الإحداث زاجرًا، فقل لمن لم يخلص: لا تتعب، وقل لمن لم يتبع: لا تجهد؛ ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].

 

فمن صدق المحاسبة: العناية القصوى بتعظيم سنة رسول الهدى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بالجَنان واللسان والأركان، وعدم تقديم قول بشرٍ عليها بالغًا قدره ما بلغ، والاعتذار لأهل العلم إن أخطؤوا مع ترك متابعتهم، وعدم التشغيب عليهم أو الشماتة، أو التنفير أو سوء الظن، واحذر مخالفة من هم أعلم منك ببداهة رأيك، وبخاصة إن تتابع كثير من العلماء على القول به.

 

واطلب العلم تَفُزْ، فإن الله يحب طلاب العلم المخلصين: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، واعلم أن مفتاح العلم الشغف:

اصبر على مَضَضِ الإدلاج بالسَّحَرِ
وبالرواح على الحاجات والبكرِ
إني رأيت وفي الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثرِ
وقلَّ من جدَّ في أمر يطالبه
واستصحبَ الصبر إلا فاز بالظَّفَرِ

 

قال الجنيد رحمه الله: "ما طلب أحد شيئًا بجدٍّ وصدق إلا ناله، فإن لم يَنَلْهُ كله نال بعضه"، وقيل للبخاري: بم أدركت العلم؟ فقال: "بالمصباح، والجلوس إلى الصباح".

 

ومن ثمرات المحاسبة: اعتزال من تضرك خِلطته، فاحذر مصاحبة بعض النفوس التي لا تستطيع العيش والتنفس إلا في أجواء التفرق والشِّقاق، وانتشار الضغائن، فهي كدغاليب المستنقعات، يغذيها الكَدَر، ويقتلها النقاء والصفاء، لا تصحبنَّ أولئك؛ فالمصاحبة ذريعة المشاكلة، ومن خالط الناس وصبر على أذاهم لِنفعهم، فهو أفضل وأولى، أما من خاف على دينه وفي الناس كفاية عنه، فالعزلة أحتم، والعافية لا يعدلها شيء، وليس أروح من أنفاس لا تخالطها معصية، واعلم أن شيطان الإنس أشد فتكًا بالدين من شيطان الجن، وتأمل تقديم ذكره في الشيطنة في عداوته الأنبياء وأتباعهم: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ [الأنعام: 112].

 

ولا تصحب شر الناس ذا الوجهين، فيأتيك بوجه ويدبر بآخر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تجدون شرَّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه)).

 

ومن أطعمك دنياه ليطعم من دينك، فألْقِ دنياه في وجهه، وانفذ بعافيتك، فدينَك دينك لا تثلمنَّه، ورأس مالك هو الإيمان ولتحقيقه خُلقت؛ وقد قال حذيفة رضي الله عنه: "إياك والتلوُّن في دين الله، فإن دين الله واحد"، وأوصى الإمام الشافعي تلميذه الربيع رحمهما الله تعالى فقال: "من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه العلم؛ فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب".

 

والصاحب ساحب؛ إما للحق والهدى، وإما للشر والردى، ومن زعم أنه لا يتأثر بجليسه، فهو مكابر أو مخدوع، فالطِّباع سرَّاقة، والنفس الإنسانية بطبعها مجبولة على التأثر بالصحبة، ومن الأصحاب ذباب طمع فلا تنخدع بهم، ولا تحفِل بقربهم؛ كما قال الأول:

وكان بنو عمي يقولون مرحبًا
فلما رأوني معدمًا مات مرحبُ

والمحبة النافعة هي ما كانت لله، وفي الله، وعلى طاعة الله، وفي مرضاته، وما سواها للزوال، بل للوبال، فليكن ثوبك نقيًّا من لَوثات الهوى، وصحيفتك بيضاء بطيب عملك، واسأل ربك الحكمة، فمن أوتيها فقد أُوتي خيرًا كثيرًا، فكن حكيمًا هادئًا، لا طائشًا متسرعًا، واحذر أم الندامات: العَجَلَة، وقد أخطأ العجول أو كاد، وأصاب المتأني أو كاد، ورُبَّ عجلة تعقُب ريثًا، وإن أُعجبت برأيك فلا تستعجل قرارك، وعليك بالتُّؤَدَة؛ فقلما تروَّى عاقل فندم، وكم من حكمة ذي رأي تاهت في غمرات العجلة:

وإذا تشاجر في فؤادك مرةً
أمران فاعمد للأعفِّ الأجملِ
وإذا هممت بأمر سوء فاتئد
وإذا هممتَ بأمر خير فاعْجلِ

 

وفي أمورك الكِبار لا تعجل باتخاذ قرارك، بل شاور الأقوياء الأمناء، ثم استخر رب الأرض والسماء، فكم من اختيار يُبنى عليه عمر ومصير، ورُبَّ لحظة انبثق منها زمان مختلف، فإذا استبان لك طريقك، وأضاءت بصيرتك، فاعزم عزم الرجال، واحزم أمرك حزم الكرام، ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159]، ثم بادِر على مَهَلٍ، ولا تندم على أمر مضيت فيه بعد استخارتك علام الغيوب، واعلم أن الخِيْرَة قد يتأخر إدراكها، ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

وكم رُمتَ أمرًا خرت لي في انصرافه
وما زلتَ بي مني أبر وأرحما

وإياك والتردد، فإنه عيب في الرجل، وخَوَر في العزم، بل افعل ما يلزمك أن تفعله، وليكن بعد ذلك ما يكون.

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا

وإن من أقوى مخلوقات الله - فاعلم - همة الإنسان إن صاحبها عزم وثبات ويقين، فلا تعجل، فكل شيء بحساب ومقدار، وفي كل معركة - حسية كانت أو معنوية - يتبقى هناك خندق أخير، يجتازه المنتصر ويُدفَن فيه المهزوم، فهل حصنت خندق إيمانك من عدوك الرجيم؟

 

واعلم أن اتباع العاطفة كثيرًا ما يعقبه الندم، فاتبع علمك وعقلك ففيهما الحكمة، أما قلبك فأخِّره قليلًا، فعاطفتا الشهوة والغضب عمياوان، وناصح العقل خير من ناصح القلب، فالنفس تملي وتتمنى، وتزيِّن وتسوِّل، وتبدل وتتأول، والعقل واعظ ناصح، عليم مشفق حكيم، والقلب بينهما حَرُّون متقلب، حتى يطمئن في فردوس الإيمان؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "رأس الحكمة مخافة الله"، فمن خاف الله، خافه كل عدو، ونزل عليه كل توفيق، واعلم أن مصيرك غدًا – بإذن الله - هو قرارك اليوم.

إذا هبت رياحك فاغتنمها
فإن لكل خافقة سكونُ
وإن درَّت نِياقُك فاحتلبها
فما تدري الفصيل لمن يكونُ

 

وعليك عليك بوقود الآخرة؛ وهو الإيمان والعمل الصالح، واعلم أن الأمل وقود الصابرين، والشوق وقود المحبين، والرجاء وقود العاملين، والخوف وقود الهاربين، وكل شيء تخافه ففرَّ منه سوى الله: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الذاريات: 50]، وكل شيء يُحَبُّ لغيره خلا الله؛ فإنه يحب لذاته، وكل فوز زائل حاشا الفوز بالجنة: ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، ومهما كثرت الحِكَمُ، فلن تجد كهذه الثلاثية الربانية الفريدة: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

بارك الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله؛ أما بعد:

فاتقِ الله يا عبدالله، واعلم أن الموفَّق هو من ورد مناهل الحكمة من أهلها، وقدحها من معادنها، وتأمل وصية علي رضي الله عنه لصاحبه كميل بن زياد النخعي، ويكأنما يصف عليٌّ حال الناس اليوم؛ قال كميل: "أخذ بيدي علي بن أبي طالب فأخرجني إلى ناحية الجبانة، فلما أصحر تنفس، ثم قال: يا كميل، إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلم يزكو على العمل، والمال تنقصه النفقة، يا كميل، محبة العالم دين يُدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة لربه في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزواله، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، يا كميل، مات خُزَّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقيَ الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، إلى أن قال: لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهر مشهور، وإما خائف مغمور؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم وأين أولئك، أولئك هم الأقلون عددًا، الأعظمون عند الله قدرًا، بهم يدفع الله عن حُجَجِهِ حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فباشروا روح اليقين، واستسهلوا ما استوعر منه المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحُها معلقة بالنظر الأعلى"؛ [انتهى كلامه رضي الله عنه].

 

ويا طالب العلم، لا تتشعبن بك سُبُل الطلب، فسيِّد العلوم كلها هو القرآن العظيم حفظًا وتفسيرًا وتدبرًا، وعملًا ودعوة، وكل الطرق الصحيحة لطلب العلم تبدأ وتنتهي بالقرآن العظيم؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: "من أراد العلم، فليثوِّر القرآن؛ فإن فيه علمَ الأولين والآخرين"، ورب العزة والجلال يقول: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9]، وتدبر: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴾ [العنكبوت: 51]، بلى وعزتك، فالموفَّق المريد نهضةَ أمته لا تتشعب به طرق النهوض بالأمة، بل يختصر طريق إصلاحها بالرجوع للينبوع التالد الأصيل؛ القرآنِ المجيد، ومن ذلك أن كل أدوات مدافعة النفاق والشرك والكفر والتغريب وغيرها من الشر موجودة بالتفصيل في القرآن العظيم، فعُدْ إليه، وحرِّك كنوزه، وفُزْ بنفيس ذخائره؛ ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].

 

وإن أردت أن تعرف حقيقة اليهود، فقد بسطها الله تعالى لك في مائة وسبع آيات من سورة البقرة، ابتداءً من الآية الأربعين، فهي أمة غريبة أطوارها، غليظة أكبادها، متين كفرها، وفي سورة البقرة فضيحة اليهود، وفي سورة المائدة فضيحة النصارى، وفي سورة التوبة فضيحة المنافقين، ثم في بقية سور القرآن مزيد للثلاث طوائف: الغضب والضلال والفسق، فإذا اجتنبتَ صفات اليهود، وصفات النصارى، وصفات المنافقين، فقد اجتنبت الشر كله، ولقد فصَّل الله تعالى صفاتهم كي نجتنبها فنكون من الحنفاء المرضيين، ومن توضيح الواضحات أن عداء الرافضة واليهود والنصارى والمشركين لأهل الإسلام لا يزال ما بقي على الأرض مسلم، لكن معاملتهم تختلف بحسب الأحوال.

 

ومن حكمة الوالد والمربي والعالم أن يحرص على تلقين القرآن طلابه ومتربيه، فعلِّمهم القرآن، والقرآن سيعلمهم كل خير.

 

واعلم أن العقل البشري فيه عجيبة، فإنك إن شغفت بأمر وولَّيتَ وجهك ونباهتك ووقتك إليه، نشط نشاطًا مضاعفًا، وأدهشك بقوته وصفائه، وهنيئًا لمن كان في الله ولله.

 

لقد ركَّب الله فيك أيها الإنسان طاقاتٍ هائلة كامنة تنتظر منك تحديد أي هدف مشروع تريده، فكن واضح الهدف، حسن التخطيط لبلوغه، متحليًا بالجدية والانضباط، مع ثقة بالله، وتوكلٍ عليه، واستعانة به، ثم إرادة عازمة، ثم انطلق، فكل من وصل ليس لديه شيء زائد عنك، فآلة العلم وحدها ليست كافية، بل الصمصامة محتاجة لذراع عمرو:

وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا
إذا لم يكن فوق الكِرام كرامُ




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • من مشاهد الإيمان في شهر رمضان .. المحاسبة
  • حوادث الطرقات.. وقفة للتأمل والمحاسبة
  • لا بد من المحاسبة (خطبة)
  • علم خمس نجوم
  • الرغبة والرهبة في طلب العلم
  • نفير العلم

مختارات من الشبكة

  • العمل في مجال المحاسبة خارج ديار الإسلام (1)(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • من مشاهد الإيمان في شهر رمضان .. ما الذي يعين على محاسبة النفس؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • المحاسبة الحكومية وآليات مراجعة الوحدات الحكومية في ظل النظريات المحاسبية المستحدثة (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • العمل في مجال المحاسبة خارج ديار الإسلام (2)(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • أريد معلومات عن دبلوم إدارة الأعمال أو المحاسبة(استشارة - الاستشارات)
  • لون من المحاسبة(مقالة - موقع د. حيدر الغدير)
  • هكذا كانوا يحاسبون أنفسهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائد محاسبة النفس(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • لنحاسب أنفسنا(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • من مشاهد الإيمان في شهر رمضان .. الأمر بمحاسبة النفس(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أول إفطار جماعي في رمضان في هونغ كونغ منذ 2019
  • مسلمو مدينة سينسيناتي يوزعون 30 ألف وجبة إفطار خلال رمضان
  • افتتاح أكبر مسجد بجنوب داغستان
  • مؤتمر عن "أثر الصيام في حياة الإنسان" في ألبانيا
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/9/1444هـ - الساعة: 10:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب