• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة عن أبي هريرة
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    الوصية بإتباع السيئة بالحسنة
    السيد مراد سلامة
  •  
    رحمة وشفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته
    السيد مراد سلامة
  •  
    سجود جميع الكائنات لله وخضوعها لسلطانه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شروط صحة الصيام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    الفاتحة وتوحيد الربوبية
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    { أحل لكم ليلة الصيام }
    د. خالد النجار
  •  
    من آداب الصيام: الدعاء عند رؤية الهلال وتجديد ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    المستحقون للزكاة وأحكام زكاة الفطر (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    أثر المعاصي في الصيام
    عادل علي قاسم
  •  
    صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بأصحابه ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    معجزة النور
    السيد مراد سلامة
  •  
    سؤال وجواب في أحكام الصيام
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    لماذا خلقنا الله؟ (خطبة)
    سعد محسن الشمري
  •  
    حكم اختلاف مطالع الهلال في الصيام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    مقاصد الفاتحة
    محمد بن سند الزهراني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

ذهاب الحسنات بالسيئات (خطبة)

ذهاب الحسنات بالسيئات (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/2/2023 ميلادي - 2/8/1444 هجري

الزيارات: 9449

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذهاب الحسنات بالسيئات

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الْأَعْلَى: 2-5]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَحْصَى أَعْمَالَ عِبَادِهِ عَلَيْهِمْ، وَكَتَبَ سَيِّئَاتِهِمْ وَحَسَنَاتِهِمْ، وَيَجْزِيهِمْ بِهَا يَوْمَ حِسَابِهِمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَشَّرَ وَأَنْذَرَ، وَرَغَّبَ وَرَهَّبَ، وَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِاكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَاجْتِنَابِ السَّيِّئَاتِ وَمَحْوِ آثَارِهَا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاجْتَهِدُوا فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاكْتَسِبُوا الْحَسَنَاتِ، وَاحْذَرُوا السَّيِّئَاتِ؛ فَإِنَّ كُلَّ عَامِلٍ يَجِدُ مَا عَمِلَ ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزَّلْزَلَةِ: 6-8].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا بِاكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، وَمُجَانَبَةِ السَّيِّئَاتِ، وَمَحْوِ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ. وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مَهْمَا بَلَغَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ أَنْ يَجْمَعَ كُلَّ الْحَسَنَاتِ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ السَّيِّئَاتِ؛ وَلِذَا كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِالْكَثْرَةِ؛ فَمَنْ كَثُرَتْ حَسَنَاتُهُ وَقَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنَ السُّعَدَاءِ، وَمَنْ كَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ وَقَلَّتْ حَسَنَاتُهُ خُشِيَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ.

 

وَكَمَا أَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فَكَذَلِكَ السَّيِّئَاتُ قَدْ يُذْهِبْنَ كَثِيرًا مِنَ الْحَسَنَاتِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 33]، قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يُبْطِلَ عَمَلًا صَالِحًا عَمِلَهُ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ فَلْيَفْعَلْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْخَيْرَ يَنْسَخُ الشَّرَّ، وَإِنَّ الشَّرَّ يَنْسَخُ الْخَيْرَ، وَإِنَّ مِلَاكَ الْأَعْمَالِ خَوَاتِيمُهَا».

 

وَالذُّنُوبُ الَّتِي تُبْطِلُ الْحَسَنَاتِ أَوْ تُضْعِفُهَا عَلَى نَوْعَيْنِ:

فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ: ذُنُوبٌ تَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَبِحُقُوقِ الْمَخْلُوقِينَ؛ كَالِاعْتِدَاءِ عَلَى النَّاسِ وَظُلْمِهِمْ، وَبَخْسِهِمْ حُقُوقَهُمْ. وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ ذَلِكَ، وَالْمُذْنِبُ انْتَهَكَ هَذَا التَّحْرِيمَ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الذُّنُوبِ إِذَا كَثُرَ يُؤَدِّي إِلَى إِفْلَاسِ الْعَبْدِ مِنَ الْحَسَنَاتِ؛ لِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ. وَحُجَّةُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجِبُ أَنْ يَضَعَهُ الْمُؤْمِنُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ النَّاسِ؛ لِئَلَّا يُفْلِسَ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ.

 

وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الذُّنُوبِ: مَا هُوَ حَقٌّ مَحْضٌ لِلَّهِ تَعَالَى؛ وَهِيَ كَبَائِرُ وَصَغَائِرُ، وَمِنَ الْكَبَائِرِ مَا هِيَ مُوبِقَاتٌ، أَيْ: مُهْلِكَاتٌ، وَالْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَبِذُنُوبِهِ هُوَ الْمُعَاقَبُ الْمَحْبُوسُ بِهَا. وَصَغَائِرُ الذُّنُوبِ هِيَ مَا دُونَ الْكَبَائِرِ. وَقَدْ تَذْهَبُ حَسَنَاتُ الْعَبْدِ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، أَوْ مَا يَتَسَاهَلُ بِهِ مِنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ، حَتَّى تَكْثُرَ عَلَيْهِ فَتَطْغَى عَلَى حَسَنَاتِهِ؛ وَلِذَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْحَذَرُ الشَّدِيدُ مِنَ الِاسْتِهَانَةِ بِالْمَعَاصِي؛ لِئَلَّا تَذْهَبَ حَسَنَاتُهُ بِسَبَبِهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنَ احْتِقَارِ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهَا تَجْتَمِعُ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى تُهْلِكَهُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ؛ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ طَالِبًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَثَلًا عَظِيمًا فِي الْقُرْآنِ يَظْهَرُ فِيهِ -بِجَلَاءٍ- كَيْفَ أَنَّ الذُّنُوبَ تَتَكَاثَرُ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى تَعْصِفَ بِحَسَنَاتِهِ الَّتِي جَمَعَهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 266]، وَأَخْبَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ضُرِبَتْ مَثَلًا «لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا الْمَثَلُ الْعَظِيمُ مَعَ تَفْسِيرِ الْفَارُوقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُبَيِّنُ خَطَرَ الذُّنُوبِ عَلَى الْعَبْدِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَخَافَهَا، وَأَنْ لَا يَسْتَهِينَ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ فَإِنَّ الِاسْتِهَانَةَ بِالذَّنْبِ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ تَعْلِيقًا عَلَى هَذَا الْمَثَلِ الْعَظِيمِ: «فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ الْعُقُولَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ قُبْحِ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ الَّتِي تُحْبِطُ ثَوَابَ الْحَسَنَاتِ، وَشَبَّهَهَا بِحَالِ شَيْخٍ كَبِيرٍ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ، بِحَيْثُ يَخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ وَعَلَى نَفْسِهِ، وَلَهُ بُسْتَانٌ هُوَ مَادَّةُ عَيْشِهِ وَعَيْشِ ذُرِّيَّتِهِ، فِيهِ النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، فَأَرْجَى وَأَفْقَرَ مَا هُوَ لَهُ، وَأَسَرَّ مَا كَانَ بِهِ؛ إِذْ أَصَابَهُ نَارٌ شَدِيدَةٌ فَأَحْرَقَتْهُ، فَنَبَّهَ الْعُقُولَ عَلَى أَنَّ قُبْحَ الْمَعَاصِي الَّتِي تُغْرِقُ الطَّاعَاتِ كَقُبْحِ هَذِهِ الْحَالِ». «فَلَوْ فَكَّرَ الْعَاقِلُ فِي هَذَا الْمَثَلِ، وَجَعَلَهُ قِبْلَةَ قَلْبِهِ؛ لَكَفَاهُ وَشَفَاهُ، فَهَكَذَا الْعَبْدُ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِمَا يُبْطِلُهَا وَيُفَرِّقُهَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى؛ كَانَتْ كَالْإِعْصَارِ ذِي النَّارِ الْمُحْرِقِ لِلْجَنَّةِ الَّتِي غَرَسَهَا بِطَاعَتِهِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ...فَلَوْ تَصَوَّرَ الْعَامِلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ طَاعَتِهِ هَذَا الْمَعْنَى حَقَّ تَصَوُّرِهِ، وَتَأَمَّلَهُ كَمَا يَنْبَغِي؛ لَمَا سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ إِحْرَاقَ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ وَإِضَاعَتَهَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ عِلْمُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ؛ وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ اسْمَ الْجَهْلِ، فَكُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ جَاهِلٌ». نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَأْخُذَ بِأَيْدِينَا إِلَى الطَّاعَاتِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَنْ يُبَارِكَ فِي حَسَنَاتِنَا، وَيَحُطَّ عَنَّا خَطِيئَاتِنَا، وَيَمْحُوَ سَيِّئَاتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تُوزَنُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ، فَيُوقَفُونَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى يَقْضِيَ فِيهِمُ الرَّحْمَنُ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ يُدْخَلُونَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمُ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ؛ لِيُطَهَّرُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ يَنْجُونَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِشَفَاعَةِ الشُّفَعَاءِ لَهُمْ، وَقَدْ يُعَذَّبُونَ، فَيَمْكُثُونَ فِي النَّارِ بِقَدْرِ جُرْمِهِمْ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَيُطَهَّرُونَ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِجَمْرَةٍ يَضَعُهَا فِي يَدِهِ بِضْعَ ثَوَانٍ فَكَيْفَ يُطِيقُ نَارَ جَهَنَّمَ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ يَسْتَسْهِلُ الْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَسْتَصْغِرُ مَا يَقْتَرِفُ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَحَرِيٌّ بِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ تَغْلِبَ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتِهِ، وَقَدْ يُؤْخَذُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَذَابُ النَّارِ أَلِيمٌ. وَنَجَاةُ الْمُؤْمِنِ تَكُونُ -بَعْدَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى- بِالْإِكْثَارِ مِنَ الْحَسَنَاتِ، مَعَ عَدَمِ الْعُجْبِ أَوِ الْغُرُورِ بِهَا؛ لِكَيْ تُقْبَلَ وَلَا تُرَدَّ. وَالْبُعْدِ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَمُجَانَبَةِ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَصَغَائِرِهَا، وَإِذَا وَقَعَ فِي الذَّنْبِ خَافَ وَوَجِلَ، وَتَابَ وَاسْتَغْفَرَ، وَمَحَا أَثَرَهُ بِالطَّاعَاتِ، وَجَاهَدَ نَفْسَهُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ، قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَثِقُ بِهَا وَيَنْسَى الْمُحَقَّرَاتِ، فَيَلْقَى اللَّهَ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَلَا يَزَالُ مِنْهَا مُشْفِقًا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ آمِنًا» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • كنوز من الحسنات في صلاة الفجر
  • حديث: إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات
  • من مظاهر يسر الشريعة .. مضاعفة الحسنات دون السيئات
  • أبواب تحصيل الحسنات وتكفير السيئات
  • اكتساب الحسنات بإقامة الصلوات (خطبة)
  • شرح حديث: إن الله كتب الحسنات والسيئات
  • شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما: « إن الله كتب الحسنات والسيئات »
  • بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات

مختارات من الشبكة

  • ذهاب الزمان واستقبال رمضان (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تفسير: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذهاب المرأة إلى طبيب الأسنان بسبب العجز المالي(استشارة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • ذهاب الدنيا(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • ذهاب الغمة في ترجمة الإمام ابن خزيمة (WORD)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ذهاب للجحيم ( قصة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حكم ذهاب المرأة إلى المسجد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ذهاب المودة والرحمة بين الزوجين!(استشارة - الاستشارات)
  • فضل الذهاب والعودة من المسجد تكتبان في ميزان الحسنات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل الذهاب إلى المسجد: المشي إلى المساجد يكفر السيئات ويرفع الدرجات(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • على خطى أندية إنجليزية: برايتون يقيم إفطارا جماعيا بشهر رمضان
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/9/1444هـ - الساعة: 11:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب