• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المستحقون للزكاة وأحكام زكاة الفطر (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    أثر المعاصي في الصيام
    عادل علي قاسم
  •  
    صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بأصحابه ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    معجزة النور
    السيد مراد سلامة
  •  
    سؤال وجواب في أحكام الصيام
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    لماذا خلقنا الله؟ (خطبة)
    سعد محسن الشمري
  •  
    حكم اختلاف مطالع الهلال في الصيام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    مقاصد الفاتحة
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    مقولة بحاجة إلى تصحيح مع الدليل والبرهان "كل ...
    د. نبيل جلهوم
  •  
    من آداب الصيام: تعلم أحكام الصيام وما يتعلق به من ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    من أسماء الله الوهاب (خطبة)
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (3)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    تكرار التراجم في صحيح الإمام البخاري ومقتضيات ...
    د. هناء بنت علي جمال الزمزمي
  •  
    الاعتكاف: أحكام وآداب (WORD)
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التوبة واستقبال رمضان (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

فضل الرضا بالله تعالى (2) (خطبة)

فضل الرضا بالله تعالى (2) (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/7/2022 ميلادي - 17/12/1443 هجري

الزيارات: 3360

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضلُ الرِّضا بالله تعالى (2)

 

الحمدُ للهِ وفَّقَ مَنْ شَاءَ لِمَكارِم الأخلاقِ، وهدَاهم لِما فيهِ فلاحُهم يَومَ التَّلاقِي، وأَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، المَلِكُ الخَلَّاق، وأَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسولُهُ أَفضَلُ الْبَشَرِ على الإطلاقِ، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِه ومن تبعهم بإحسانٍ، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن رضا الله تعالى غاية مطلوب المرسلين.

 

عباد الرحمن، قال الله سبحانه: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه: 130]، ولعلّ وعسى من الله موجبتان تفيدان التحقيق بفضل الله تعالى.

 

والسكينة لمن رضي الله عنه فوزٌ مُعجَّلٌ، وغنيمةٌ باردةٌ وأُعْطيةٌ طيّبةٌ، قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].

 

وذو الرأي الراجح، والحكمة الواسعة، والتدبير الحسن، والمتلمِّح للعاقبة؛ هو من بسط الدارين في عقله، وقارن بين الخزف الفاني الحُطام، والذهب الباقي مع الرِّضْوان، وقد رسم الله تعالى ذينك السبيلين أمامنا، وأمرنا بإطلاق عقولنا في تأملهما حالًا ومآلًا، فقال جل اسمه: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].

 

إنْ تَغْفِر اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جمًّا
وأيُّ عَبْدٍ لَكَ لا ألمَّا

وأهل الولاء والبراء قد نصَّ ربهم تبارك وتعالى على رضوانه عنهم وإرضائه لهم، فلَنِعْم العقبى عقباهم، ولَنِعْمَ الدارُ دارُهم، ولَنِعْمَ الاختيارُ اختيارُهم، فقال سبحانه: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

 

وأهل الرضا عيشتهم غدًا مرضية: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 19 - 21]؛ أي: مرضية[1]، ووجوه المؤمنين المرضيين يومئذٍ ناعمة: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾ [الغاشية: 8 - 10]، ولما اطْمَأَنَّتْ نفوسُهم بالإيمان، ورضيت بالرحمن، أرضاها البر الرحيم الشكور المجيب: ﴿ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].

 

لكَ الحَمْدُ والنَّعْماءُ والخيرُ كلُّه
لَكَ الحَمْدُ يا ربًّا عظيمًا نَوالُهُ

ومن أخلص الدين لله فقد أرضى الله، وهو موعود بإرضاء الله له في دار الرضوان المقيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 7، 8]، فهي ثواب رضوان الله عن وليِّه الصالح، فالجنة دار الرِّضْوان، وخازنها اسمه رضوان كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: بينا نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ((أتاني جبريل في يده كالمرآة البيضاء، في وسطها كالنُّكْتةِ السَّوْداءِ، قلتُ يا جبريل، ما هذا؟ قال: هذا يوم الجمعة يعرضُه عليك ربُّك ليكون عيدًا لك ولأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدكَ، قلت يا جبريل: فما هذه النُّكْتة السَّوْداء؟ قال: هذه الساعةُ تقومُ يومَ الجُمعة، وهو سيِّد أيام الدنيا، ونحن ندعوه يومَ المزيدِ، قلتُ: يا جبريل، ولم تدعونه يوم المزيد؟ قال: لأنَّ اللهَ تبارك وتعالى اتَّخَذ في الجنة وادِيًا أفْيَحَ من مِسْكٍ أبْيَضَ، فإذا كان يوم الجمعة نزل ربُّنا تبارك وتعالى على كُرْسِيِّه إلى ذلك الوادي، وقد حُفَّ الكُرْسي بمنابر من ذهب مُكلَّلة بالجوهر، وقد حُفَّتْ تلك المنابرُ بكَراسِيّ من نور، ثم يؤذن لأهل الغرفات فيقبلون يخوضون كثبان المسك إلى الركب، عليهم أسْوِرة الذهب والفضة وثياب الحرير حتى يتناهوا إلى ذلك الوادي، فإذا اطمأنُّوا فيه جلوسًا، بَعَثَ اللهُ إليهم ريحًا يقال لها: المُثيرة، فثارت[2] ينابيع المسك الأبيض في وجُوهِهم وجباهِهم وثيابِهم، وهم يومئذٍ جُرْدٌ[3] مُكَحَّلُون[4]، أبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام يومَ خَلَقَهُ اللهُ عز وجل، فيُنادي ربُّ العزة رضوان- وهو خازن الجنة - فيقول: يا رضوان، ارفع الحُجُب بيني وبين عبادي، فإذا رفع الحُجُب بينه وبينهم فرأوا بهاءه ونوره هبُّوا سجودًا، فيناديهم بصوته: ارفعوا رءوسكم، فإنما كانت العبادة لي في الدنيا وأنتم اليوم في دار الجزاء والخلود، سَلُوني ما شئتم، فأنا ربُّكم الذي صدقتُكم وعدي، وأتممْتُ عليكم نِعْمتي، فهذا محل كرامتي فسلوني ما شئتم! فيقولون: ربنا، وأيُّ خيرٍ لم تفعله بنا؟ ألستَ الذي أعَنْتَنا على سكرات الموت، وأنست بنا الوحشة في ظلمة القبر، وبعثتنا بعد البلاء بحسن وجمال، وأمَّنْت روعتنا عند النفخة في الصور؟ ألست أقلْتَ عثرتنا، وسترت علينا القبيح في أمورنا، وثبَّتَّ على جسر جهنم أقدامنا؟ ألست الذي أدنيتنا من جوارك، وأسمعتنا من لذاذة منطقك، وتجلَّيْت لنا بنورك، فأيُّ خيرٍ لم تفعله بنا؟ فيعود فيُناديهم بصوته، فيقول: أنا ربُّكم الذي صدقتكم وعدي، وأتممْتُ عليكم نِعْمَتي، فهذا محلُّ كرامتي فسَلُوني، فيسألونه حتى تنتهي أنفسهم، ثم يسألونه حتى تنتهي مسألتهم، ثم يقول: سلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، ثم يسألونه، ثم يقول: سلوني، فيقولون: رضينا ربنا، وسلَّمنا، فيزيدهم من مزيد فضله وكرامته، ومزيد زهرة الجنة ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، ولا خطر على قلب بَشَر، فيكونون على ذلك مقدار منصرفهم، قال: كقدر الجمعة إلى الجمعة، ثم يحمل عرش ربنا تبارك وتعالى، معهم الملائكة والنبيون، ثم يؤذن لأهل الغُرُفات فيعودون ويرجعون إلى غُرَفِهِم وهما: غُرْفَتان من زمرَّدتَينِ خضراوين، وليسوا إلى شيء أشوق منهم إلى يوم الجمعة لينظروا إلى ربهم وليزيدهم من فضله وكرامته))، قال أنس: فهذا الحديث سمِعْتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه أحد[5].

 

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رِضْوانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن رضا الله عز وجل هو أعلى مطلب للنبيِّين وأتباعهم، فهذا زكريا عليه السلام يدعو الله لولده قبل خلقه بأن يجعله راضيًا عنه: ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 6]، وإسماعيل عليه السلام قد شرَّفه ربُّه برضوانه عنه، فقال سبحانه: ﴿ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55]، وموسى عليه السلام يُسارِع لمرضاة ربه تبارك وتعالى قائلًا بكل إيمان وتقوى وشوق: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84]، فقد عجل ليُرضيَ ربه، وسليمان عليه السلام يلهج بدعاء الله تعالى بأن يوفِّقه للصالحات المقربة لمرضاته جل وعلا: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19].

 

ونوَّه سبحانه بشأن كل مؤمن صالح يدعو ربَّه بعد إبلاغه أربعين ربيعًا أن يُلهِمَه العمل الذي يرضاه سبحانه وأن يُعِينَه عليه: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15].

 

وصحابة محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم جلّلهم ربُّهم تبارك وتعالى مديحته العظيمة بوصفهم بالعمل الصالح ابتغاء الرضوان، فجمعوا النية الصالحة والعمل القويم: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

 

ورضا الله تعالى عن المشفوع له أحد شرطي قبول الشفاعة فيه، قال سبحانه وبحمده: ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه: 109].

 

هذا وإن آخر أهل الجنة دخولًا ينتظره نعيم هائل وسرور مقيم، فيرضيه الله تعالى حتى يرى أنه أنعم الناس طُرًّا، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آخِرُ مَنْ يدخُلُ الجنةَ رجلٌ فهو يمشي مرّة ويكبو[6] مرة، وتَسْفَعُه[7] النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجّاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين! فتُرفع له شجرة، فيقول: أي ربي، أدْنِني من هذه الشجرة، فلأستظِلّ بظِلِّها وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا بن آدم، لعلِّي إن أعطيتُكَها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده ألا يسأله غيرها، وربُّه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه[8]، فيُدْنيه منها، فيستظِلّ بظِلِّها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدْنِني من هذه لأشرب من مائها وأستظِلَّ بظِلِّها لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم، ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ فيقول[9]: لعلي إن أدْنَيْتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده ألا يسأله غيرها، وربُّه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيُدْنيه منها فيستظِلّ بظِلِّها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب، أدْنِني من هذه لأستظِلَّ بظِلِّها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم، ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربُّه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيُدْنيه منها، فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب، أدخلنيها، فيقول: يا بن آدم، ما يَصْرِيني منك؟[10] أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب، أتستهزئ مني وأنت رب العالمين))، فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني ممَّ أضحك؟ فقالوا: مِمَّ تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مِمَّ تضحك يا رسول الله؟ قال: ((من ضحكِ ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر))[11].

 

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يرفعه، قال: سأل موسى ربه: ((ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أُدْخِل أهلُ الجنةِ الجنةَ، فيقال له: ادْخُل الجنة، فيقول: أي رب، كيف؟ وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟[12] فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْكِ مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهتْ نفسُك ولذَّتْ عينُكَ، فيقول: رضيت رب، قال: رب، فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردتُ[13] غَرَسْتُ كرامتهم بيدي، وختمتُ عليها، فلم ترَ عينٌ، ولم تسمع أُذُنٌ، ولم يخطر على قلب بَشَر، قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17] الآية))[14]؛ أي: لم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم، فهو نعيم جديد تمامًا، وليس من جنس نعيم الدنيا المُذكِّر بنعيم الآخرة حتى لو من جهة اسمه، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء".

 

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمَا تَرْضَونَ أن تكونوا رُبُعَ أهلِ الجَنَّةِ؟))، قال: فكبَّرنا، ثم قال: ((أمَا تَرْضَونَ أن تكونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجنةِ؟))، قال: فكبَّرْنا، ثم قال: ((إني لأرجو أن تكونوا شَطْرَ أهْلِ الجنةِ، وسأُخْبِرُكم عن ذلك، ما المسلمون في الكُفَّار إلا كشَعْرةِ بيضاء في ثَوْرِ أسْود، أو كشَعْرةِ سَوْداء في ثَوْرٍ أبْيَضَ))[15].

اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى بلا حساب ولا عذاب ووالدينا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين، إله الحق آمين.

 

اللهم صلِّ على محمد.



[1] تفسير ابن كثير (8 / 214).

[2] ثار: هاج وظهر، أو انتشر، وثارت الريح: إذا هبَّتْ.

[3] الأجرد: الذي لا شعر على جسده.

[4] الكَحَل: سَواد في أجفان العَيْن خِلْقة.

[5] ابن أبي شيبة (5560)، والحارث في المسند (196)، وأبو يعلى (4228)، قال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم (1 / 261): "قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن أنس عن عثمان بن عمير - أبي اليقظان - وعثمان بن صالح، هكذا قال. وقد رويناه: من طريق زياد بن خيثمة، عن عثمان بن سلم، عن أنس: فذكر الحديث بطوله مثل هذا السياق أو نحوه، وتقدم في رواية الشافعي عن عبدالله بن عبيد بن عمير، عنه فقد اختلف الرواة فيه، وكان بعضهم يُدلِّسه؛ لئلا يعلم أمره، وذلك لما يتوهم من ضعفه، والله أعلم، وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: عن شيبان بن فروخ، عن الصعق بن حزن، عن علي بن الحكم البناني، عن أنس، وذكر الحديث وهذه طرق جيدة عن أنس، شاهدة لرواية عثمان بن عمير، وقد اعتنى بهذا الحديث الحافظ أبو حسن، والدارقطني فأورداه من طرق، قال الحافظ الضياء: وقد روي من طريق جيد؛ عن أنس بن مالك، ورواه الطبراني، عن أحمد بن زهير، عن محمد بن عثمان بن كرامة، عن خالد بن مخلد القطواني، عن عبدالسلام بن حفص، عن أبي عمران الجوني، عن أنس، فذكره، وقد رواه غير أنس من الصحابة".

وقال شعيب الأرناؤوط في تخريج العواصم من القواصم: "روي بإسناد ضعيف، وروي من طريق آخر فيه محمد بن خالد بن خلي، صدوق، ومن فوقه من رجال الصحيح"؛ ا هـ.

وقد أخرجه الطبراني في الأوسط (٤٨٧٩)، ٨/ ١٥٤، (٩٤٤) مختصرًا، (٢/ ١٩٧) وقال المنذري في الترغيب والترهيب: "رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد"، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١/ ٤٣٥): "حسن صحيح"، وقال في موضع آخر في صحيح الترغيب والترهيب (٣/ ٥٢٥): "حسن لغيره".

[6] يكبو؛ أي: يسقط على وجهه.

[7] تسفعه: تضرب وجهه وتسوِّده، وتؤثر فيه أثرًا، وفي التنزيل: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: 15].

[8] أي: لا صبر له على ترك تناولها لضعفه البشريّ.

[9] القائل هنا هو المولى عز وجل، وفي الكلام إيجاز بحذف قول ابن آدم: «بلى: يا رب»؛ عن نضرة النعيم (6 / 2115).

[10] أي ما الذي يرضيك ويقطع مسألتك؟ وأصل التصرية: القطع والجمع، ومنه: الشاة المصرَّاة، وهي التي جُمع لبنُها في ضرعها بسبب تأخُّر حلبها عن المعتاد.

[11] مسلم (187).

[12] وأخذوا أخذاتهم: هو ما أخذوه من كرامة مولاهم.

[13] أردت: اخترت واصطفيت.

[14] مسلم (189).

[15] مسلم (221).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • فضل الرضا بالله تعالى (1) (خطبة)
  • فضل الرضا بالله تعالى (3) (خطبة)
  • ثمار الرضا بالله تعالى (خطبة)
  • درجات الرضا بالله تعالى (خطبة)
  • طرف من أخبار الراضين بالله رب العالمين (خطبة)
  • قالوا عن الرضا بالله تعالى (خطبة)
  • هل عدم الألم شرط للرضا بالله تعالى؟ (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الرضا بالإسلام دينا (فضل الإسلام)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الرضا بالقدر(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر)
  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخطاء في فهم الرضا بالله تعالى أو تطبيقه (1) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب الرضا بالله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • طرق تحصيل الرضا بالله تعالى (1) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرضا بالله ربا وإلها (2) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرضا بالله ربا وإلها (1) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أخطاء في فهم الرضا بالله تعالى أو تطبيقه (2) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرضا بالله تعالى ربا ( خطبة )(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • على خطى أندية إنجليزية: برايتون يقيم إفطارا جماعيا بشهر رمضان
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/9/1444هـ - الساعة: 14:26
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب