• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    يسمونها بغير اسمها
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    جدول أحوال أصحاب الفروض
    علي بن يحيى بن محمد عطيف
  •  
    رفيقك عند تلاوة القرآن (تفاسير مختصرة)
    سالم محمد أحمد
  •  
    خطبة بين يدي رمضان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    أحكام العارية ونوازلها والأدلة والإجماعات الواردة ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    المرشد اليسير للتعامل مع التفاسير
    منى بنت سالم باخلعة
  •  
    القرآن سكينة القلوب (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    خطبة: ماذا قبل رمضان؟
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    سلوكات تخالف آداب المسجد (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    أحكام القصاص (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    صورة الصلاة الظاهرة والباطنة
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    خطبة: هدايات سورة التوبة
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    استقبال رمضان
    الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
  •  
    استدعاء ذاكرة وتجربة ودروس يبنى بها وعليها ...
    الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي
  •  
    { ولا تسأل عن أصحاب الجحيم }
    د. خالد النجار
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

العفو من شيم الكرام

الشيخ حسين شعبان وهدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/1/2019 ميلادي - 23/4/1440 هجري

الزيارات: 51426

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العَفْوُ منْ شِيَمِ الكِرامِ


إن خُلَقَ العفوِ عند المقدرة من أهمِّ أخلاق الإسلام التي دعا إليها، ودَلَّتْ عليها سِيَرُ الصالحين من أُمَّتنا المباركة عبر تاريخها الطويل، ولا غرْوَ؛ فقد كان ذلك تأسِّيًا مباشرًا بسيد الأنام صلى الله عليه وسلم، الذي كان العفوُ رائدَه في جُلِّ مواقفه تطبيقًا مباشرًا لأوامر القرآن الكريم الذي رفع قيمة العفو إلى أعلى عليِّين.

 

والعفوُ دلالةٌ على محْوِ الذنب ونسيانِهِ بحيث لا يبقى له أثرٌ، وترك العقوبة بعد ذلك، وحقيقته: "أن يخطئ معك إنسانٌ، وتكون قادرًا على معاقبته ومؤاخذته؛ ولكنك تعرض وتصفح؛ ولذلك قيل: العفو عند المقدرة؛ لأن العفو لا يكون إلا مع الاقتدار؛ ولذلك قيل: ما قرن شيء إلى شيء أزين من حِلْمٍ إلى عِلْمٍ، ومن عَفْوٍ إلى قدرةٍ"؛ (الدكتور أحمد الشرباصي، موسوعة أخلاق القرآن، المجلد الأول، ج1، ص34، ط2، 1987م، دار الرائد العربي - بيروت).

♦  ♦  ♦

 

ولقيمةِ العفو وعلوِّ قدره فقد وصف الله تعالى به نفسه، وجعله مع مطلق القدرة؛ فقال عز وجل: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149]، وجاء العفو في سياق قرآنيٍّ آخر مع المغفرة؛ فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43]، وفي مقام العفو عن زلَّات العباد جاءت البُشرى بقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25].

 

والعفو من أخصِّ صفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد سجَّلته تواريخ الأيام بهذه الصفة الكريمة حتى في الكتب السماوية السابقة على زمانه بمئات السنين، فهو صلى الله عليه وسلم موسومٌ بالعفو حتى قبل أن يُولَد، فعن عبدِاللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رضي اللهُ عنهما: أنَّ هذه الآيةَ التي في القرآنِ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]، قال في التوراةِ: "يا أيُّها النبيُّ إنا أرسلناك شاهدًا ومبشِّرًا، ... ولا يَدفَعُ السيئةَ بالسيئةِ، ولكن يعفو ويَصفَحُ، ..." (صحيح البخاري 4838، عن عطاء بن يسارٍ رضي الله تعالى عنه).

 

وقد شدا بهذا المعنى كعب بن زهير رضي الله تعالى عنه في طلب العفو من رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا:

نُبِّئْتُ أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمولُ
مهلًا هداك الذي أعطاك نافلة ال
قرآن فيها مواعيظٌ وتفصيلُ
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب ولو كثرت فيَّ الأقاويلُ

 

ولما أمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالعفو الدائم، فقد تمثَّل هذا المعنى في قلبه وكيانه؛ قال الله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وقد عاش صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى ينفق منه؛ لأنه كأنه كان مركوزًا في قلبه، فقد عفا صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي دسَّت له السمَّ في الطعام تروم قتله، وجاء الخبر عن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه: "أنَّ يَهوديةً من أهلِ خَيْبَر سَمَّتْ شاةً مَصْلِيَّةً، ثم أَهدَتْها لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الذِّراعَ، فأكَلَ منها، وأكَلَ رَهْطٌ من أصحابِه معه، ثم قال لهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((ارفَعوا أيدِيَكم))، وأرسَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى اليهوديةِ فدعاها، فقال لها: ((أسَمَمْتِ هذه الشاةَ؟)) قالت اليهوديةُ: مَنْ أخبَرَك؟ قال: ((أخبَرَتْني هذه في يدي)) للذراعِ، قالت: نعَمْ، قال: ((فما أردْتِ إلى ذلك؟))، قالت قلتُ: إنْ كان نبِيًّا فلن يضُرَّه، وإنْ لم يكُنْ نبِيًّا استَرحْنا منه، فعفا عنها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يُعاقِبْها، وتُوُفِّي بعضُ أصحابِه الذين أكلوا من الشاةِ، واحتَجمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على كاهِلِه من أجلِ الذي أكَلَ من الشاةِ، حجَمَه أبو هندٍ بالقَرْنِ والشَّفْرةِ، وهو مولًى لبني بَياضةَ من الأنصارِ"؛ (شعيب الأرناؤوط في تخريج سنن أبي داود 4510، وقال: صحيحٌ لغيره).

 

وقد عفا صلى الله عليه وسلم عن ذي الخويصرة لما أساء القول؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: "بينما نحنُ عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو يَقْسِمُ قِسْمًا، أتاهُ ذو الخويصرةِ، وهو رجلٌ من بني تميمٍ، فقال: يا رسولَ اللهِ، اعدلْ، فقال: ((ويلكَ! ومن يعدلْ إذا لم أعدلْ، قد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدلُ))، فقال عمرُ: يا رسولَ اللهِ، ائذن لي فيهِ فأضربُ عنقَهُ، فقال: ((دَعْهُ، فإنَّ لهُ أصحابًا يحقر أحدكم صلاتَهُ مع صلاتهم، وصيامَهُ مع صيامِهم، يقرؤونَ القرآنَ، لا يُجاوزُ تراقيهم، يمرقونَ من الدِّينِ كما يمرقُ السهمُ من الرَّمِيَّةِ ...)) الحديث؛ (صحيح البخاري 3610).

 

وقد عفا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عمن أراد قتله بسيفه وهو نائم؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما قال: قاتَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحاربَ خصَفةَ بنخلٍ فرأَوْا مِن المسلمينِ غِرَّةً، فجاء رجلٌ منهم يُقالُ له: عوفُ بنُ الحارثِ أو غَورثُ بنُ الحارثِ حتَّى قام على رأسِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالسَّيفِ، فقال: من يمنَعُك منِّي؟ قال: ((اللهُ))، قال: فسقَط السَّيفُ مِن يدِه، فأخَذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّيفَ، فقال له: مَن يمنَعُك منِّي؟ قال: كُنْ خيرًا منِّي، قال: ((تشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ؟))، قال: لا، ولكنْ أُعاهِدُك على ألَّا أُقاتِلَك، ولا أكونَ مع قومٍ يُقاتِلونَك، قال: فخلَّى سبيلَه، فجاء إلى أصحابِه، فقال: جِئْتُكم مِن عندِ خيرِ النَّاسِ ... الحديث))؛ (صحيح ابن حبان 2883).

 

ومن أعاجيب مواقف العفو في حياة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه عفا عن رأس النفاق في زمانه بعدما قدم أدلة إدانته في كثيرٍ من المواقف الفاصلة، فقد استغفر لعبدالله بن أبي بن سلول، ومنحه قميصه، وراجع ربَّه في طلب العفو عنه، وهو من ظاهري النفاق، حتى قال الله تعالى له: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 80]، وما أشهر عفو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة يوم الفتح العظيم!

♦  ♦  ♦


قيمة العفو بين أخلاق الإسلام:

والعفو لا شكَّ أنه من أنبل أخلاقنا، وأكرم ما اشتملت عليه نفوسنا؛ لأنه يبعث على المروءة والإغضاء عن سفاهة البعض حينما تبدو كرؤوس الشياطين، والأجر والثواب على هذا الصبر منحة عظيمة من رب العالمين؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]، وقال الله تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]، وقد جعل الله تعالى جزاء العافين عن الناس جنات عرضها السماوات والأرض؛ فقال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

 

وفي الترغيب والحثِّ على العفو بين الناس، فقد ورد عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثَلاثٌ، والذي نَفْسُ محمدٍ بِيَدِهِ، إنْ كنتُ لَحالِفًا عليهِنَّ: لا يَنقُصُ مالٌ مِن صَدَقةٍ؛ فتَصَدَّقوا، ولا يَعفو عَبدٌ عن مَظلَمةٍ يَبتَغي بها وَجْهَ اللهِ إلَّا رفَعَهُ اللهُ بها عِزًّا))، وفي لفظ: ((إلَّا زادَهُ اللهُ بها عِزًّا يَومَ القيامة، ولا يَفتَحُ عَبدٌ بابَ مَسألةٍ إلَّا فتَحَ اللهُ عليه بابَ فَقرٍ))؛ (شعيب الأرناؤوط في تخريج المسند 1674، وقال: حَسَنٌ لغيره).


وقد كان العفو وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء ليلة القدر؛ حيث مظنة القبول في تحقيق الرجاء؛ إذ لم يكن هناك أغلى ولا أثمن من العفو؛ فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأَيْتَ إنْ علِمْتُ أيَّ ليلةٍ ليلة القدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: ((قولي: اللَّهُمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي))"؛ (سنن الترمذي 3513، وقال: حسنٌ صحيحٌ).

 

وكان طلب العفو أيضًا من الله في المواقف الحرجة عن الموت؛ فعن عبدالله بن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما: "أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إِذَا صَلَّى علَى الميِّتِ قال: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وشاهِدِنَا وغائِبِنَا وِلِأُنْثَانَا وَذُكُورِنا، مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ على الإِسِلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمانِ، اللَّهُمَّ عفوَكَ عفوَكَ))؛ (الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 36، وقال: إسناده حَسَنٌ).

 

وطلب العفو من الله تعالى من الدعاء المطلق في كل زمانٍ ومكانٍ، وأنعم به لله من رجاءٍ؛ فعن العباس بن عبدالمطلب رضي الله تعالى عنه قال: "أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ علِّمني شيئًا أدعو بهِ، فقال: ((سلِ العفوَ والعافيةَ))، قال: ثم أتيتُهُ مرةً أخرى فقلتُ: يا رسولَ اللهِ علِّمني شيئًا أدعو بهِ، قال فقال: ((يا عباسُ يا عمَّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، سلِ اللهَ العافيةَ في الدنيا والآخرةِ))؛ (أحمد شاكر في مسند أحمد 3/ 214، وقال: إسناده صحيح).

 

فعلى المؤمن أن يجعل العفو الدائم عن الناس في جل مواقفه من حظِّه واختياره دلالةً على حسن إيمانه ورسوخ يقينه بربِّه، تلك والله هي التجارة الرابحة، والكنز الذي لا ينفد، وتمثَّل أخي الكريم قول القائل:

كن قابلَ العُذْرِ واغفِرْ ذَلَّةَ الناسِ
ولا تُطِعْ يا لَبيبًا أَمْرَ وَسْواسِ
هلَّا تَذَكَّرْتَ يوْمًا أنْتَ مُدْركُهُ
يَوْمًا سَتُخْرِجُ فيه كُلَّ أَنْفَاسِ
يوْمَ الرَّحِيلِ عن الدُّنْيَا وزِينَتِهَا
يَوْمَ الوَداعِ شَديدَ البَطْشِ والبَاسِ
ويوْمَ وضْعِكَ في القَبْرِ المُخيفِ وقَدْ
ردُّوا التُّرابَ بأَيْديهِمْ وبِالفاسِ
ويوْمَ يَبْعثُنَا والأرضُ هائِجَةٌ
والشَّمْسُ مُحْرقةٌ تَدْنُو من الرَّاسِ
والنَّاسُ في مُنْتهى جُوعٍ وفي ظَمإٍ
وفي شَقاءٍ وفي هَمٍّ وإِفْلاسِ
هَيَّا تَعَالوْا إلى فَوْزٍ ومَغْفِرَةٍ
هَيَّا تعالوْا إلى بِشْرٍ وإِينَاسِ
أَيْنَ الذين على الرَّحْمنِ أَجْرُهُمُ
فَلا يَقُومُ سوى العَافي عَن النَّاسِ

 

وقد كان صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعرفون قيمة العفو في ميدان الخلق الكريم، وكان لهم منه الحظ الأوفى؛ فعن عبدالله بن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما قال: "قَدِم عُيَينَةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيفَةَ، فنزَل على ابنِ أخيه الحرِّ بنِ قيسٍ، وكان منَ النفَرِ الذين يُدنيهم عُمَرُ، وكان القُرَّاءُ أصحابَ مجالسِ عُمَرَ ومشاورتِه، كُهولًا كانوا أو شَبابًا، فقال عُيَينَةُ لابنِ أخيه: يا بنَ أخي، لك وجهٌ عِندَ هذا الأميرِ، فاستَأذِنْ لي عليه، قال: سأستَأذِنُ لك عليه، قال ابنُ عباسٍ: فاستَأذَن الحرُّ لعُيَينَةَ، فأذِن له عُمَرُ، فلما دخَل عليه قال: هِيْ يا بنَ الخطَّابِ، فواللهِ ما تُعطينا الجَزْلَ ولا تَحكُمُ بيننا بالعَدلِ، فغضِب عُمَرُ حتى هَمَّ به، فقال له الحرُّ: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ اللهَ تعالى قال لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وإنَّ هذا منَ الجاهِلينَ، واللهِ ما جاوَزها عُمَرُ حين تَلاها عليه، وكان وَقَّافًا عِندَ كتابِ اللهِ"؛ (صحيح البخاري 4642).

 

وكان الأئمة الأعلام من مرتادي المجد الإيماني في التمسُّك الدائم بالعفو عن الناس أمثال الإمام مالك بن أنس الأصبحي رضي الله تعالى عنه، حينما وقف في المسجد من تخطَّى مراسيم الأدب يقول ما لا يجوز للإمام، وضاق تلاميذه بالحال، فقالوا: ردَّ عليه يا إمام، فقال: لا والله فأين القرآن إذًا، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، ومثله الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه حينما تعرض لمثل هذا الموقف، وقال له تلاميذه وجُلَّاسه: ردَّ عليه يا إمام أو اتركنا نرد عليه، فسكت لحظة ثم قال:

قالوا سَكَتَّ وَقَد خُوصِمتَ قُلتُ لَهُم
إِنَّ الجَوابَ لِبابِ الشَرِّ مِفتاحُ
وَالصَّمتُ عَن جاهِلٍ أَو أَحمَقٍ شَرَفٌ
وَفيهِ أَيضًا لِصَونِ العِرضِ إِصلاحُ
أَما تَرى الأُسدَ تُخشى وَهِيَ صامِتَةٌ
وَالكَلبُ يُخشى لَعَمري وَهوَ نَبَّاح

 

والعفو بين الناس في الدنيا من أكرم السبل إلى عيشٍ كريمٍ وعلاقاتٍ مستقرة، فهو يمسح الجفاء والعداء، ويداوي الجروح بين القلوب، وينبذ الهجر والخصام، ويعيد السلام والوئام.

 

وما أصعب وأقسى للقلب أن يرزح الإنسان تحت براثن وأنياب الكيد والنقم زمانًا قد يطول مما يسبب له تنغيصًا دائمًا وعيشًا غير مستقر كأنه يقاوم أمواجًا متلاطمةً في قلب الحياة!

 

وفي الختام:

إِنَّ تاركَ العفوِ والصادَّ عنه يُؤْذي نفسَهُ قبل غيْره، فقد تذهب به نفسُهُ في ساعةٍ لا يعلمها إلا الله تعالى فيكسر حواجز، ويقطع أواصر، ويبذر عداوات، ويلعن من كان بالأمس من أعز جلسائه، ثم تراه بعد ذلك يجأر بدعاء ربه في زمان طلبة العفو في خواتيم رمضان: ((اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عني))، وعجيبٌ أمره في القياس ذلك الذي لا ينفق من عفو قلبه على عباد الله، ثم يطلب العفو من ربِّه! وكيف وطالب العفو من الله العفوِّ لا بد أن يعفو عن الناس حتى يعفو الله عنه!

 

وأضحى العفوُ في هذا الزمان دواءً لكثيرٍ جدًّا من تفاقم حالات الكنود البشري، وسوء الفهم وسوء القصد، وسوء الظن الذي غمر النفوس بريب المعاني، وتوقع المكروه في العلاقات السارية بين أهل القربى والجيران والزملاء والأصدقاء والشركاء، فاعفوا واصفحوا وانتظروا الأجور الطيبة المباركة من الله تعالى في الآخرة لتنعموا بطيب الحياة الدنيا.

 

والحمد لله في المبدأ والمنتهى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • أثر الصفح والعفو في الدعوة
  • خطبة عن العفو
  • التسامح والعفو
  • آيات عن العفو والصفح
  • من أخلاق الرسول: الحلم والعفو
  • سلوا الله العفو والعافية
  • العفو الكريم جل جلاله
  • خطر المشاحنة والمخاصمة وفضل العفو والمسامحة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • العفو والصفح من شيم الكرام والغدر والخيانة من شيم اللئام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العفو من شيم الكرام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العفو عند المقدرة من شيم الكرام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • تخريج حديث: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفو (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شم الرياحين في فضل عفو الله الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العفو عند المقدرة من أخلاق المعلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تركمانستان: عفو رئاسي عن 1071 سجينا بمناسبة ليلة القدر(مقالة - المسلمون في العالم)
  • العفو في الحوار(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية
  • متطوعون مسلمون يحضرون 1000 حزمة طعام للمحتاجين في ديترويت
  • فعالية تعريفية بالإسلام في مسجد هارتلبول

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/8/1444هـ - الساعة: 17:40
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب