منهج القرآن الكريم لتعلم العلم

منهج القرآن الكريم لتعلم العلم

لقد خلق الله عزَّ وجلَّ عالمَ الغيب وعالم الشهادة بمشيئته وتقديره، وخلق الإنسان وكلَّفه بالخلافة في الأرضِ، ليقود الحياة فيها طبقًا لمنهجه سبحانه. وقد أرسل الله رُسله وأنزل كتبه لهدايته في تحقيق هذه الخلافة.

إن كل ما كان وما يكون وما سيكون وما هو كائن في عالم الغيب وعالم الشهادة هو بعلم الله وتقديره ومشيئته، فكل العلم من عند الله، ولا يعلم الإنسانُ من هذا العلم إلا بمشيئة الله وتقديره، ليستخدمه الإنسان في مهمته التي كلفه الله بها في خلافة الأرض، قال تعالى: ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ [يس: 12].

وقال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

وقد وصف الله لنا اتساع هذا العلم، فقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27].

وإن ما يعلمه الإنسان من هذا العلم لا يكون إلا بمشيئة الله واختياره لمن يعلمه وكيف يعلمه ومتى يعلمه، قال تعالى: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

وقد حدد الله لنا منهجه في تعلم هذا العلم في أول ما نزل من القرآن، قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].

وتشير تلك الآيات إلى نوعين من العلم، وطبيعة كل منهما، وكيفية تعلمهما:

• علم عالم الشهادة.

• وعلم عالم الغيب.

فعلم عالم الشهادة، أمرنا الله بتعلمه في قوله: ﴿ اقْرَأْ ﴾، مستعينين بالله في تعلمه بغية تحقيق الخلافة لله في الأرض لمرضاة الله ﴿ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾.

وقد حدد الله طبيعة هذا العلم في كل ما خلقه الله في عالم الشهادة، وقد أعطانا الله مثالًا لهذا العلم بأقرب شيءٍ لنا (خلق الإنسانِ نفسِه).

هذا العلم الذي نستخدم في تعلمه ما وهبنا الله من حواس: السمع والبصر والفؤاد أو القلوب. للبحث والاكتشاف، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].

أما علم عالم الغيب.

فمن كرم الله تعالى ورحمته لنا أن ينبأنا الله بما يشاء منه كما هو في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 3 - 5].

هذا العلم لا يعلمه الإنسان ولا يستطيع اكتشافه ولا البحث عنه بحواسه وعقله، ولكن الله يزودنا بما يشاء من هذا العلم، ويختص بذلك من يشاء من مخلوقاته.

وقد جاء الأمر بالقراءتين بهذا الترتيب كمنهج للتعلم والتعليم:

أولًا: إن الله عز وجل يأمرنا أن نبذل الجهد ونفكر ونعمل الحواس والعقول في الوصول إلى العلم لتكون هناك قناعة ويقين في هذا العلم، تكريمًا لهذا الإنسان الذي أوكل الله له الخلافة في الأرض.

ثانيًا: إنَّ كل ما يصل إليه الإنسان بحواسه وعقله لا بد له من معيارِ تصحيح، وزيادة في القناعة واليقين فيما توصل إليه.

فنحن في منهج البحث العلمي البشري، نقوم بعمليات إحصائية للتأكد من صحة ما توصلنا إليه، ونقوم بتحديد ما يسمى بالدلالة الإحصائية، ومستوى هذه الدلالة، بل لا نكتفي عند هذا الحد، فنقوم بعرض ما توصلنا إليه في أبحاثنا العلمية إلى محكمين من غيرنا.

كما أننا نعترف في هذا المنهج بأن ما توصلنا إليه قابل للتعديل والتطوير.

لذلك يدلنا الله في منهجه الكريم على ضرورة عرض ما نتوصل إليه بحواسنا وعقولنا في القراءة الأولى، على ما جاء من علم الله وتوجيهاته في أمره بالقراءة الثانية، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].

فإن تطابقت القراءتان كان هذا أوقع في اليقين والتصديق عندنا كبشر، وهذا ما يريده الله سبحانه تكريمًا للبشر، ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].

كما أن دعوة الله إلى الإيمان به جعلها عن طريق الحجة والاقتناع، لذلك قال سبحانه: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29].

وقد جاء هذا المنهج القرآني في تعلم العلم على هذا النسق حتى فيما يتعلق بعلم الغيب في القرآن الكريم فإن المنهج القرآني يمهد له بعرض علم الشاهدة أولًا بما يناسب الموضوع الذي يحتاج إلى إقناع من عالم الشاهدة، مما يؤكد صحة علم الغيب الذي يتم تناوله - وقد تم تناول ذلك في مقالات سابقة في شبكة الألوكة - تحت هذه العناوين.

1- الإعجاز التربوي في آية.

2- قصة موسى والرجل الصالح.

3- الوحي وخطاب العقل.

4- هذا ربي.

وغيرها، أسأل الله أن يتقبلها وينفع بها!