• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آداب حملة القرآن: أهميتها وجهود العلماء فيها
    أ. د. إبراهيم بن صالح بن عبدالله
  •  
    من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    التلاعب بالمواريث (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    أدب التثبت في الأخبار (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الديون (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ذلك جزاء المحسنين (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    (ولا تهنوا في ابتغاء القوم)
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    من معجزاته صلى الله عليه وسلم
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    مرجعية الحضارة الإسلامية
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    زعموا وسمعنا.. ونقل الأخبار..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حال الصحابة - رضي الله عنهم - مع القرآن في صلاتهم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    حديث: أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    من نعم الابتلاء بالمرض (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من مناهج المحدثين... (منهج الإمام مسلم)-الحلقة ...
    الشيخ أ. د. سعد بن عبدالله الحميد
  •  
    خطب الاستسقاء (15) أسباب الغيث المبارك
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

التخويف بالزلازل

التخويف بالزلازل
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/11/2017 ميلادي - 25/2/1439 هجري

الزيارات: 15176

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التخويف بالزلازل

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ...

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70 - 71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَبِآيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَدَلَائِلِهِ الْكَوْنِيَّةِ؛ سَبَبٌ لِلْإِيمَانِ بِهِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ، وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَمَنْ نَظَرَ فِي الْكَوْنِ وَمَا فِيهِ مِنْ عَجَائِبِ الْخَلْقِ، وَدِقَّةِ الصُّنْعِ، وَحُسْنِ التَّدْبِيرِ وَالتَّصْرِيفِ، وَلَهُ عَقْلٌ لَمْ تُفْسِدْهُ الشَّيَاطِينُ بِالْكُفْرِ وَالْجُحُودِ؛ عَلِمَ أَنَّ لِلْكَوْنِ خَالِقًا مُدَبِّرًا، وَأَيْقَنَ بِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ سُدًى وَعَبَثًا، فَهُوَ يَرَى سَمَاءً رُفِعَتْ، وَجِبَالًا نُصِبَتْ، وَأَرْضًا سُطِحَتْ، وَيُشَاهِدُ شَمْسًا تُشْرِقُ وَتَغْرُبُ، وَقَمَرًا يَكْبُرُ وَيَصْغُرُ، وَيَوْمًا يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ، وَيُبْصِرُ كُلَّ مَخْلُوقٍ مَرْزُوقٍ، وَكُلَّ حَيٍّ يَمُوتُ، وَسَنَوَاتٍ تَدُورُ إِلَى أَجَلٍ مَحْتُومٍ، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، وَلِكُلِّ بِدَايَةٍ نِهَايَةٌ. وَالْفِطَرُ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا تَدُلُّهُمْ عَلَى خَالِقِهِمْ وَرَازِقِهِمْ بِمَا يَرَوْنَهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى أَدِلَّةِ الْمُتَفَلْسِفِينَ، أَوْ بَرَاهِينِ الْمُتَمَنْطِقِينَ، أَوْ تَكَلُّفَاتِ الْمُتَكَلِّمِينَ، الَّتِي تَزْرَعُ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ الْفَاسِدَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحَقِّقَ التَّوْحِيدَ وَالْيَقِينَ.

 

لَقَدْ كَانَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي عَاشَ فِي الصَّحْرَاءِ بَعِيدًا عَمَّا يُسَمَّى بِمَنَافِذِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالتَّجْرِبَةِ وَالْخِبْرَةِ يَقْدُمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحَاوِرُهُ قَلِيلًا ثُمَّ يُسْلِمُ، بَلْ كَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَامَةً وَاضِحَةً تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ أَسْلَمَ، يَقُولُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ فَقَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ[1].

 

وَرَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلُهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: صَدَقَ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ»[2]، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ بَعْضِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.

 

إِنَّ خَلْقَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ، وَمَا جَعَلَ فِيهِمَا مِنْ عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ لَمِنْ أَكْبَرِ الدَّلَائِلِ عَلَى قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ؛ وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ، وَأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَهَلْ يُوجَدُ بُرْهَانٌ أَعْظَمُ مِنْ بُرْهَانٍ يُشَاهِدُهُ النَّاسُ بِأَعْيُنِهِمْ، وَيُدْرِكُونَهُ بِعُقُولِهِمْ، وَتَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ فِطَرُهُمْ؟! ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطَّلَاق: 12].

 

وَفِي مُحَاوَرَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُنَاظَرَتِهِمْ، وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ عَجَائِبِ الْخَلْقِ: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [لُقْمَانَ: 25] ﴿ أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النَّمْل: 60] ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشُّورَى: 29].

 

فَالسَّمَوَاتُ يُشَاهِدُهَا النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ قَدْ رُفِعَتْ بِلَا عَمَدٍ، وَالْأَرْضُ يَدِبُّونَ عَلَيْهَا، وَيَمْشُونَ فِي مَنَاكِبِهَا، وَيَنْعَمُونَ بِخَيْرَاتِهَا ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذَّارِيَات: 20] خَلَقَهَا الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا، وَاسْتَخْلَفَ الْبَشَرَ فِيهَا، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ، وَذَلَّلَهَا بِالسُّبُلِ وَالْمِهَادِ، وَاسْتَوْدَعَ فِيهَا مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْخَيْرَاتِ، وَالْكُنُوزِ وَالْبَرَكَاتِ مَا يَكْفِي الْأَحْيَاءَ، وَيَفِيضُ عَنْ حَاجَتِهِمْ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مَتَاعًا لَهُمْ، وَبَلَاغًا لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ﴾ [فُصِّلَتْ: 9 - 10]. ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الْمُلْك: 15]. وَيَتَكَرَّرُ فِي الْقُرْآنِ امْتِنَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ بِأَنْ ذَلَّلَ لَهُمُ الْأَرْضَ، وَجَعَلَهَا مِهَادًا، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ، ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا ﴾ [طه: 53] ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾ [نُوحٍ: 19 - 20]، ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ﴾ [الْمُرْسَلَاتِ: 25 - 27] ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النَّبَأِ: 6-7]، وَالْأَعْرَابِيُّ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِسَالَتِهِ أَقْسَمَ عَلَيْهِ بِالَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ هَلْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ؟! وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِعَظِيمِ هَذَا الْخَلْقِ، وَدِقَّةِ ذَلِكَ الصُّنْعِ، وَتَمَامِ تِلْكَ النِّعْمَةِ بِخَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِرْسَائِهَا بِالْجِبَالِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ أَرْسَلَهُ لَيَتَّبِعَنَّهُ، فَلَمَّا أَجَابَهُ بِالْإِيجَابِ أَسْلَمَ وَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ.

 

إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ قَدْ لَا يَفْهَمُ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ، وَلَا يُدْرِكُ حَجْمَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَلَا يَعْرِفُ دَلَالَتَهَا عَلَى الْقُدْرَةِ، فَهُوَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَتَفَكَّرُ فِي عَجِيبِ خَلْقِهَا، وَتَدْبِيرِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَيْهَا؛ وَلَكِنْ حِينَ تَقَعُ كَارِثَةٌ مِنَ الْكَوَارِثِ، أَوْ تُسْلَبُ نِعْمَةٌ مِنَ النِّعَمِ؛ يَكُونُ الْحَالُ غَيْرَ الْحَالِ، وَيَتَفَكَّرُ النَّاسُ فِيمَا كَانُوا عَنْهُ مِنْ قَبْلُ غَافِلِينَ، وَيَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْكَرَهَا كَثِيرُونَ.

 

إِنَّ قِرَاءَةَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ، وَامْتَنَّ عَلَى الْعِبَادِ بِأَنْ ذَلَّلَهَا لَهُمْ، وَجَعَلَهَا بِسَاطًا وَمِهَادًا وَكِفَاتًا، وَسَلَكَ لَهُمْ فِيهَا السُّبُلَ وَالْفِجَاجَ، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ وَالْأَوْتَادِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَادَتْ بِهِمْ، وَتَعَذَّرَ فِيهَا عَيْشُهُمْ، أَقُولُ: إِنَّ قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا تُحَرِّكُ قُلُوبَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يُدْرِكُونَ مَعَانِيَهَا إِلَّا عِنْدَمَا تَتَحَرَّكُ الْأَرْضُ فِي بُقْعَةٍ مِنَ الْبِقَاعِ؛ فَتُطْمِرُ مُدُنًا كَامِلَةً، وَتُدَمِّرُ عُمْرَانًا كَثِيرًا، وَتُهْلِكُ خَلْقًا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، حِينَهَا تَتَيَقَّظُ الْقُلُوبُ، وَتُفْهَمُ الْآيَاتُ، وَتُعْرَفُ أَقْدَارُ النِّعَمِ عِنْدَ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنَّ عَلَيْهِ بِحَيَاةِ الْقَلْبِ، وَنِعْمَةِ الِاسْتِدْرَاكِ وَالِاسْتِعْتَابِ. وَلَقَدْ رَأَيْنَا فِيمَا وَقَعَ مِنْ زِلْزَالٍ قَبْلَ أَيَّامٍ[3] قُدْرَةَ الْقَدِيرِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَعَرَفْنَا نِعْمَتَهُ الْعَظِيمَةَ بِإِرْسَاءِ الْأَرْضِ بِالْجِبَالِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَادَتْ بِنَا فَكَانَ الْهَلَاكُ وَالْخَرَابُ.

 

وَالْبَشَرُ كُلُّهُمْ بِمَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ، وَمَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ عُلُومٍ وَاكْتِشَافَاتٍ؛ يَقِفُونَ عَاجِزِينَ أَمَامَ حَدَثٍ كَهَذَا، فَلَا يَمْلِكُونَ تَخْفِيفَهُ فَضْلًا عَنْ دَفْعِهِ وَمَنْعِهِ. إِنَّ مِنَ الْبَشَرِ مَنْ قَدْ غَرَّتْهُمْ قُوَّتُهُمْ، وَأُعْجِبُوا بِقُدُرَاتِهِمْ، وَاسْتَعْلَوْا عَلَى غَيْرِهِمْ بِصِنَاعَاتِهِمْ وَمُدَمِّرَاتِهِمْ، وَأَشْعَلُوا حُرُوبًا عَلَى مَدَى أَشْهُرٍ وَسَنَوَاتٍ، أَمْطَرُوا بِنِيرَانِهِمُ الْقُرَى وَالْمُدُنَ، وَأَبَادُوا مَنْ أَبَادُوا، وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ مَا أَفْسَدُوا، وَظَنُّوا أَنَّ قُدْرَتَهُمْ فَوْقَ كُلِّ قُدْرَةٍ، وَأَنَّ قُوَّتَهُمْ لَا تُغْلَبُ، فَإِذَا الْقَوِيُّ الْقَاهِرُ الْقَدِيرُ الْجَبَّارُ يُرِيهِمْ وَيُرِي غَيْرَهُمْ مِنَ الْبَشَرِ -مِمَّنْ خَافُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى- شَيْئًا مِنْ قُدْرَتِهِ، بِهَزَّةٍ يَسِيرَةٍ فِي جُزْءٍ قَلِيلٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَفِي ثَوَانٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَتُحْدِثُ هَذَا الْخَرَابَ الْهَائِلَ، وَالتَّدْمِيرَ الْعَظِيمَ الَّذِي تُنْتَدَبُ لَهُ الدُّوَلُ، وَيَتَقَاطَرُ لَهُ الْبَشَرُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ؛ لِتَخْفِيفِ آثَارِهِ، وَإِنْقَاذِ مَا يُمْكِنُ إِنْقَاذُهُ، وَيَقِفُونَ عَلَى الْمُدُنِ الْخَرَابِ، وَالْعُمْرَانِ الْمُدَمَّرِ عَاجِزِينَ أَمَامَ قُدْرَةِ الْخَالِقِ الْقَاهِرِ جَلَّ فِي عُلَاهُ.

 

إِنَّ حَرْبًا مُدَمِّرَةً تَمْتَدُّ لِسَنَوَاتٍ، وَتُسْتَخْدَمُ فِيهَا الْأَسْلِحَةُ التَّقْلِيدِيَّةُ وَغَيْرُ التَّقْلِيدِيَّةِ؛ لَا تُحْدِثَ مِثْلَ مَا تُحْدِثُ الزَّلَازِلُ الْمُدَمِّرَةُ، وَالْقَدِيرُ جَلَّ جَلَالُهُ يَأْمُرُ الْأَرْضَ فَتَضْطَرِبُ لَحْظَةً وَاحِدَةً؛ فَيَحْصُلُ مَا تُشَاهِدُونَ مِنْ دَمَارٍ هَائِلٍ فِي مِثْلِ مَا وَقَعَ مِنْ زِلْزَالٍ، فَأَيْنَ قُوَّةُ الْبَشَرِ مِنْ قُوَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ وَأَيْنَ قُدْرَتُهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ؟ وَأَيْنَ مَنْ يَقْرَأُ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ، وَيَتَدَبَّرُ الدَّلَائِلَ الْكَوْنِيَّةَ؛ فَيَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَيُقَدِّرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَيَشْكُرُهُ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَيَخَافُ عَذَابَهُ وَنِقْمَتَهُ؟!

 

انْظُرُوا إِلَى الْبَشَرِ وَقَدْ تَقَاطَرُوا مِنْ كُلِّ دُوَلِ الْعَالَمِ عَلَى مَوْقِعِ الزِّلْزَالِ فِي بَامَ بِطَائِرَاتِهِمْ وَمُعَدَّاتِهِمْ وَمُسْتَشْفَيَاتِهِمْ، فَلَمْ يُنْقِذُوا مَنْ تَحْتَ الْأَنْقَاضِ إِلَّا عَدَدًا قَلِيلًا مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ أَيِسُوا مِنَ الْكَثْرَةِ الْكَاثِرَةِ الَّتِي تَحْتَ الرُّكَامِ، وَعَجَزُوا عَنِ اسْتِيعَابِ الْأَحْيَاءِ مِمَّنْ تَهَدَّمَتْ دُورُهُمْ، وَرُبَّمَا انْتَشَرَتِ الْأَمْرَاضُ وَالْأَوْبِئَةُ، بِسَبَبِ تَعَفُّنِ الْجُثَثِ، وَفَسَادِ الْهَوَاءِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْإِخْبَارِيِّينَ يَصِفُ الْحَالَ: إِنَّ لِلْمَوْتِ رَائِحَةً قَوِيَّةً فِي تِلْكَ الدِّيَارِ[4].

 

فَبِاللَّهِ عَلَيْكُمْ لَوْ حَدَثَتْ زَلَازِلُ فِي أَمَاكِنَ عِدَّةٍ فَمَاذَا يَفْعَلُ الْبَشَرُ؟ وَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ أَشَدَّ تَدْمِيرًا، وَأَكْثَرَ إِهْلَاكًا، فَكَيْفَ يُوَاجِهُونَ ذَلِكَ؟ وَلَوْ أَنَّ الزَّلَازِلَ امْتَدَّتْ لِدَقَائِقَ عِدَّةٍ بَدَلَ الثَّوَانِي وَأَجْزَاءِ الثَّوَانِي فَكَيْفَ سَيَكُونُ تَدْمِيرُهَا؟ وَلَوْ أَنَّهَا امْتَدَّتْ عَلَى رُقْعَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْأَرْضِ لِتَشْمَلَ مُدُنًا أَوْ دُوَلًا أَوْ قَارَّاتٍ فَكَيْفَ سَيَكُونُ حَجْمُ الدَّمَارِ؟ مَا أَضْعَفَ الْبَشَرَ! وَمَا أَقَلَّ حِيلَتَهُمْ! وَمَا أَعْجَزَهُمْ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ! وَإِنْ بَطِرَتْ بِهِمْ نِعْمَتُهُمْ، وَغَرَّتْهُمْ قُوَّتُهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يَمْنَعُوا عَذَابَهُ، أَوْ يُعَطِّلُوا أَمْرَهُ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لُقْمَانَ: 10 - 11].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا غَضَبَهُ فَلَا تَعْصُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَدِيدُ الْعَذَابِ، وَأَنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هُودٍ: 102].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ نَجَاةٌ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْهَلَاكُ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ يَسْتَوْجِبُهُ الْعِبَادُ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى عِصْيَانِهِمْ، وَبَعْضُ النَّاسِ إِذَا رَأَوُا الْآيَاتِ وَالنُّذُرَ تَذَكَّرُوا فَتَابُوا، وَآخَرُونَ لَا تَزِيدُهُمُ الْآيَاتُ إِلَّا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ، وَعُلُوًّا عَلَى النَّاسِ، وَكُفْرًا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاء: 60].

 

إِنَّ مِنَ الْخَطَأِ الْبَيِّنِ أَنْ يَرَى الْمُسْلِمُ الْحَوَادِثَ وَالْكَوَارِثَ، وَأَنْوَاعًا مِنَ الْعَذَابِ وَالْمَصَائِبِ، ثُمَّ لَا يَزِيدُهُ مَا يَرَى إِلَّا غَفْلَةً إِلَى غَفْلَتِهِ، وَصُدُودًا إِلَى صُدُودِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَهْلَكَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ سَيْلًا أَفْسَدَ زُرُوعَهُمْ، وَاجْتَاحَ دِيَارَهُمْ، وَخَرَّبَ مَمَالِكَهُمْ، قَالَ سُبْحَانَهُ فِي بَيَانِ السَّبَبِ: ﴿ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سَبَأٍ: 17].

 

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ، وَأَشْنَعِ الِاسْتِكْبَارِ أَنْ يُشْرَكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَدَرِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْكَوَارِثِ، فَتَجِدُ مِمَّنْ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي نَقْلِ أَخْبَارِ هَذَا الزِّلْزَالِ أَوِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ يَنْسُبُونَهُ لِلطَّبِيعَةِ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ: "غَضِبَتِ الطَّبِيعَةُ" أَوْ "زَمْجَرَتِ الطَّبِيعَةُ" أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي سَمِعْنَاهَا وَقَرَأْنَاهَا، وَهِيَ مِنَ امْتِدَادَاتِ مَذَاهِبِ الْمَلَاحِدَةِ مِنَ الدُّهْرِيِّينَ وَالطَّبَائِعِيِّينَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْخَالِقَ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَيَنْسُبُونَ الْأَقْدَارَ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ. وَبَعْضُ مَنْ يَسْتَعْرِضُ مِثْلَ هَذِهِ الْحَوَادِثِ يَنْسُبُهَا إِلَى أَسْبَابٍ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ مِنْ تَصَدُّعَاتٍ وَتَشَقُّقَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُمْ مِنْ تَعْظِيمٍ لِمَا يُسَمَّى بِعِلْمِ (الْجُيُلُوجْيَا) وَعُلَمَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى!! وَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَغْفُلَ أَوْ يَتَغَافَلَ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ وَمَا فِي بَطْنِهَا، وَهُوَ الْقَادِرُ وَحْدَهُ عَلَى سُكُونِهَا وَاضْطِرَابِهَا؛ فَالْأَرْضُ لَا تَخْضَعُ إِلَّا لِحُكْمِهِ، وَلَا تَأْتَمِرُ إِلَّا بِأَمْرِهِ؛ فَهِيَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ.

 

وَمِنْ شَنِيعِ الْعِبَارَاتِ، وَقَبِيحِ الْأَوْصَافِ: أَنْ يُوصَفَ ضَحَايَا الزَّلَازِلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْكَوَارِثِ الْكَوْنِيَّةِ بِالْأَبْرِيَاءِ، وَلَازِمُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ قَدْ ظَلَمَهُمْ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْسِيَّتِهِ، فَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الظُّلْمِ، فَإِنْ عَفَا عَنْ عِبَادِهِ فَبِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَإِنْ عَذَّبَهُمْ فَبِعَدْلِهِ، وَلَوْ أَهْلَكَ أَهْلَ الْأَرْضِ جَمِيعًا بِمُؤْمِنِيهِمْ وَصَالِحِيهِمْ، وَكُفَّارِهِمْ وَفُجَّارِهِمْ، وَأَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ لَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلَّا عَدْلًا مِنْهُ.

 

وَكُلُّ عَذَابٍ يَقَعُ عَلَى الْبَشَرِ فَهُوَ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، وَمَا يَتَجَاوَزُ عَنْهُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ أَكْثَرُ مِمَّا يَأْخُذُ بِهِ؛ فَهُوَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ يَعْفُو عَنْ عِبَادِهِ ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشُّورَى: 30].

 

رُوِيَ أَنَّ الْأَرْضَ تَحَرَّكَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ: مَا كَانَتْ هَذِهِ الزَّلْزَلَةُ إِلَّا عَلَى شَيْءٍ أَحْدَثْتُمُوهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ عَادَتْ لَا أُسَاكِنُكُمْ فِيهَا أَبَدًا»[5].

وَقَالَ كَعْبٌ: «إِنَّمَا تُزَلْزَلُ الْأَرْضُ إِذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَتَرْعَدَ فَرَقًا مِنَ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا»[6].

 

أَلَا فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، وَتُوبُوا مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَاعْتَبِرُوا بِمَا حَلَّ بِغَيْرِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ السَّعِيدَ مَنِ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ كَانَ عِظَةً وَعِبْرَةً، وَعَذَابُ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا وَقَعَ فَلَيْسَ يَرُدُّهُ شَيْءٌ، وَلَا يُخَفِّفُهُ حِرْصُ حَرِيصٍ ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطُّور: 7 - 8].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ...



[1] أخرجه أحمد (5/ 451)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 248) برقم: (25740)، والترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع باب (42)، وقال: هذا حديث صحيح (2485)، وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب ما جاء في قيام الليل (1334)، والدارمي (1460)، والبيهقي (2/ 502)، والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي (3/ 13).

[2] أخرجه البخاري في العلم باب ما جاء في العلم (63)، ومسلم في الإيمان باب السؤال عن أركان الإسلام (12).

[3] المقصود به الزلزال الذي وقع في مدينة (بام) الإيرانية يوم الجمعة الماضي 3/ 11/ 1424هـ، وأحدث خسائر كبيرة ويتوقع أن يزيد عدد الضحايا على خمسين ألف قتيل سوى من جرحوا وشردوا، نسأل الله أن يعفو عنا، ولا يعذبنا بذنوبنا، ولا بما فعل سفهاؤنا.

[4] قال ذلك بعض المراسلين الإخباريين الغربيين بسبب تعفن الجثث تحت الأنقاض، وانبعاث روائحها في منطقة الزلزال مما يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة المهلكة.

[5] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 221) برقم: (8335). والبيهقي (3/ 342)، ولا يصلى للزلزلة على الصحيح خلافًا لما نقل عن الشافعي رحمه الله تعالى، قال الحافظ ابن عبد البر: «لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره، ولا صحت عنه فيها سنة، وقد كانت أول ما كانت في الإسلام على عهد عمر فأنكرها، فقال: أحدثتم، والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم» رواه ابن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن صفية قالت: «زلزلت المدينة على عهد عمر حتى اصطكت السرر، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم» اهـ من التمهيد (3/ 318).

[6] الداء والدواء لابن القيم (138).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الزلازل مدخل قرآني وعلمي
  • الزلازل ووجوب التوبة إلى الله والاستقامة على دينه
  • الزلازل آيات يخوف الله بها العباد (خطبة)
  • واجب المسلم نحو منكوبي أزمة الزلازل (خطبة)
  • كثرة الزلازل وظهور الخسف، والقذف، والمسخ (خطبة)
  • الزلازل في الكتاب والسنة والآثار
  • لماذا خلق الله الزلازل؟

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة التخويف من النار (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة التخويف من النار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قصة موسى عليه السلام (4) مرحلة التخويف بالمعجزات(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • التخويف من الرياء وبيان علاجه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: صحيفة الديلي ستار تستمر في التخويف من الإسلاميين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التخويف من الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أوكرانيا: استخدام الخنازير لطرد المسلمين من منازلهم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تدبر سورة الزلزلة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من علامات الساعة نقص الأرض من أطرافها بالزلازل ونحوها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبؤ بالزلازل(مقالة - موقع د. حسني حمدان الدسوقي حمامة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • قازان تحتضن أكبر مسابقة دولية للعلوم الإسلامية واللغة العربية في روسيا
  • 215 عاما من التاريخ.. مسجد غمباري النيجيري يعود للحياة بعد ترميم شامل
  • اثنا عشر فريقا يتنافسون في مسابقة القرآن بتتارستان للعام السادس تواليا
  • برنامج تدريبي للأئمة المسلمين في مدينة كارجلي
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/5/1447هـ - الساعة: 20:27
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب