قراءات اقتصادية (47) صعود المال

قراءات اقتصادية (47)

صعود المال

الكتاب: صعود المال

المؤلف: نيال كامبيل فرغسن

القراءة:

لقمة العيش، الفلوس، الدراهم، العملة، النقود، السيولة، سمِّه ما شئت، فللمال أهميته، فهناك من يرى أن حب المال أساس كل شر، وهناك من يرى أن المال عصب الحياة، ولكن، ما هو المال بالضبط؟ هل هو جبل من الفضة، أو هل يكفي وصفه بأنه مجرد ألواح طين وورق مطبوع؟ كيف صار بنا الحال إلى أننا نعيش في عالم يكون فيه معظم المال غير مرئي، وليس سوى أرقامٍ تظهر على شاشات الكمبيوتر؟ من أين أتى المال؟ وإلى أين ذهب؟

هل أنت غاضب؛ لأن العالم غير عادل، إلى درجة ما مغتاظ بسبب وجود القطط السمان ومديري البنوك الذين يحصلون على مليارات الدولارات كحوافز، تشعر بالحَيرة بسبب الهوة الهائلة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، وأصحاب الثراء الفاحش؟ لست وحيدًا في ذلك، فطوال تاريخ الحضارة الغربية، كان هناك عداء دائم تجاه المال والمموِّلين.

إن وراء كل ظاهرة تاريخية عظيمة سرًّا ماليًّا؛ ومن هنا، فإن هذا الكتاب يسلِّط الضوء على أهم هذه الظواهر وأسرارها.

اقرأ هذا الكتاب وستفهم أنه من المفارقة أن الناس الذين يعيشون في أكثر بلدان العالم أمنًا، هم أنفسهم كذلك الأكثر تغطية ببوالص التأمين، وستكتشف متى ولماذا تُولَّد عند الشعوب هذا الهوس الغريب في شراء المنازل وبيعها؟ وربما كان الأهم هو كيف أدت عولمة النظام المالي - من بين أمور أخرى كثيرة - إلى طمس الفارق القديم بين الأسواق المتقدمة والأسواق النامية، وإلى تحويل الصين من الدائن الشيوعي إلى المدين الرأسمالي، وهو تغيير ذو أهمية هائلة.

في بعض الأوقات، بدا صعود دور المال متعذرًا؛ ففي عام 2006، كانت قيمة الناتج الاقتصادي المعياري لكل العالم نحو 47 تريليون دولار، وكانت الرسملة السوقية لأسواق العالم مجتمعة 51 تريليون دولار، أي 10% أكثر من الناتج الاقتصادي العالمي، وكان مجموع قيمة السندات المحلية والدولية 68 تريليون دولار، أي أكثر بنسبة 50%، أما قيمة المشتقات التي يتوجب تسديد ثمنها، فهي 473 تريليون دولار، أي أكثر بعشر مرات.

كانت مثل هذه الأمور غير معروفة قبل ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك انتشرت المؤسسات الجديدة؛ فقد أُنشئ أول صندوق تحوُّط في أربعينيات ذلك القرن، ولم يكن هناك أكثر من 610 صناديق من هذا النوع حتى التسعينيات، بلغت قيمة ما تُديره 38 مليار دولار، أما اليوم فهناك 7000 صندوق تحوط تُدير نحو 2 تريليون دولار، وإذا كانت أربعة الآلاف سنة الأخيرة قد شهِدت صعود الإنسان المفكِّر، فيبدو أننا نعيش الآن في مرحلة صعود الإنسان المصرفي.

وليس من المبالغة قول: إننا نشهد الأعراض التضخمية للحرب العالمية دون وجود الحرب نفسها، إن أي شخص يقرأ هذا، دون أن يشعر بالقلق، لا يعرف ما يكفي من التاريخ المالي، وأحد أهداف هذا الكتاب إذًا هو التثقيف، والحقيقة الثابتة على أي الأحوال، هي أن جزءًا كبيرًا من الناس جاهل بالتمويل.

إن هذا الكتاب يبرز ثلاث رؤى متعمقة؛ الأولى: أن الفقر ليس نتيجة جشع المموِّلين الذين يستغلون الفقراء، الثانية: نتعلم من الأبحاث المميزة في التمويل السلوكي، أن المال يضاعف مَيلَنا إلى المبالغة في ردود أفعالنا، الثالثة: أن هناك القليل من الأمور التي يصعب توقعها بدقة أكثر من توقيت الأزمات الاقتصادية وحجمها؛ لأن النظام الماليَّ مُعقَّد إلى درجة كبيرة، وهكذا لم يكن صعود دور المال سلسًا، وتاريخ المال ليس خطًّا بيانيًّا يتجه لأعلى؛ لهذه الأسباب، لم يكن هناك وقت فيه فهم صعود المال أكثر ضرورة من الوقت الراهن، وإذا ساعد هذا الكتاب على تحطيم الحاجز الخطير الذي نشأ بين المعرفة المالية وأنواع المعارف الأخرى، فلن يكون ما بذل من جهد قد ضاع سُدًى.