• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    لبس السلاسل والأساور
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    خطبة (أم الكتاب 2)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى }
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    كلام الرب سبحانه وتعالى (1) الأوامر الكونية.. ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    حقوق الطفل العقدية في ضوء الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    سبيل الإفلاس التجسس على الناس (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    المبادرة لمكارم الدين والدنيا وضرر التأجيل
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    تفريغ الشهوة عند ثورانها في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    تميز منهج الصحابة رضي الله عنهم في تلقي القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    قراءات اقتصادية (68) الانهيار الكبير
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم من مزاعم الددو ...
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
  •  
    الحذر من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    القسط الهندي من دلائل النبوة وأفضل ما يتداوى به
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    خطب الجمعة: نماذج وتنبيهات (PDF)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    في وداع سماحة شيخنا المفتي عبدالعزيز آل الشيخ
    الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / خطب
علامة باركود

علامات الإثم (خطبة)

علامات الإثم (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/7/2024 ميلادي - 27/12/1445 هجري

الزيارات: 11658

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

علامات الإثم


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: الْإِثْمُ: كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ أَفْعَالِ الشَّرِّ وَالْقَبَائِحِ؛ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا. وَالنَّفْسُ السَّوِيَّةُ – بِطَبِيعَتِهَا - تَكْرَهُ الْإِثْمَ، وَتَنْفِرُ مِنْهُ، وَمِنْ عَظِيمِ رَحْمَةِ اللَّهِ بِالنَّاسِ أَنْ جَعَلَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا يُنَبِّهُهُمْ بِالْإِثْمِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَمِنْ أَبْرَزِ عَلَامَاتِ الْإِثْمِ: مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «الْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَلَمَّا سَأَلَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ؟قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِرُّ: مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ. وَالْإِثْمُ: مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَمَّا سَأَلَ وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا وَابِصَةُ! ‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ. الْبِرُّ: مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلِيْهِ الْقَلْبُ. وَالْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» حَسَنٌ لِغَيْرِهِ – رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

فَالْإِثْمُ لَهُ عَلَامَتَانِ: عَلَامَةٌ بَاطِنَةٌ، وَأُخْرَى ظَاهِرَةٌ؛ فَالْعَلَامَةُ الْبَاطِنَةُ: أَنْ يَحِيكَ فِي النَّفْسِ، فَتَضْطَرِبَ بِهِ، وَ‌تَتَلَجْلَجَ، وَتَتَرَدَّدَ فِيهِ، وَلَا يَنْشَرِحَ لَهُ الصَّدْرُ. وَالْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ: أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لِلنَّاسِ لَكَرِهُوهُ، وَاسْتَنْكَرُوهُ، وَعَابُوهُ، وَذَمُّوهُ؛ وَمِصْدَاقُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إِنَّ الْإِثْمَ ‌حَوَازُّ ‌الْقُلُوبِ، فَمَا حَزَّ فِي قَلْبِ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ، فَلْيَدَعْهُ). وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي تَحُزُّ فِيهَا، أَيْ: تُؤَثِّرُ كَمَا ‌يُؤَثِّرُ ‌الْحَزُّ فِي الشَّيْءِ، وَهُوَ مَا يَخْطُرُ فِيهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعَاصِيَ؛ لِفَقْدِ الطُّمَأْنِينَةِ إِلَيْهَا).

 

فَالْإِثْمُ يَحِزُّ فِي الْقَلْبِ فَلَا يَطْمَئِنُّ، وَيَحِيكُ فِي الصَّدْرِ فَيَضْطَرِبُ، وَلَا تَسْكُنُ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا دَوَاعِي التَّرْكِ، فَمَتَى وَجَدْتَ قَلْبَكَ – عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ – يَكْرَهُ هَذَا الْأَمْرَ، وَيَحِزُّ فِيهِ، وَيُسَبِّبُ ضِيقًا، وَحَرَجًا فِي نَفْسِكَ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الْإِثْمِ.

 

وَمِنْ أَوْضَحِ عَلَامَاتِ الْإِثْمِ: اسْتِنْكَارُ النَّاسِ لِفِعْلِ الْإِثْمِ؛ سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْ فَاعِلٍ أَوْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا؛ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا؛ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ) حَسَنٌ مَوْقُوفٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

عِبَادَ اللَّهِ.. مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ يُقَالُ وَيُقَرَّرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْرِفَةِ الْعَامَّةِ لِلْإِثْمِ، أَمَّا عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ؛ كَمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ، وَالسُّؤَالِ، وَالْبَحْثِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا - مَا يُذْكَرُ هُنَا: هُوَ الْإِحْسَاسُ، الَّذِي يُسَاعِدُ الْإِنْسَانَ عَلَى التَّغَلُّبِ عَلَى هَوَاهُ، وَمَا يَجْلِبُهُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَيَحْشِدُهُ لِإِضْلَالِهِ، وَإِبْعَادِهِ عَنْ صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهَذَا الشُّعُورُ الْعَامُّ يَصْدُقُ مَعَ الْعَبْدِ بِحَسَبِ إِيمَانِهِ، وَتَقْوَاهُ؛ فَكُلَّمَا كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا، كَانَ هَذَا الْإِحْسَاسُ عِنْدَهُ قَوِيًّا، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ؛ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ؛ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَمِنْ فَوَائِدِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِثْمُ: مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ»: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَفْتِي قَلْبَهُ؛ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُفْتِيَ الثِّقَةَ؛ الَّذِي يُفْتِيهِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا عَدِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَمَامَهُ إِلَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْتُونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِي قَلْبَهُ، وَيَأْخُذُ بِمَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ.

 

وَكَذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْفَتَاوَى؛ فَاحْتَارَ وَاضْطَرَبَ بَيْنَ أَقْوَالِ الْمُفْتِينَ، فَلَمْ يَعْرِفْ أَيَّ أَقْوَالِهِمْ أَرْجَحُ، فَهُنَا يَتَحَرَّى الصَّوَابَ مَا أَمْكَنَهُ، وَيَتَّقِي الشُّبُهَاتِ، وَيَدَعُ مَا يُرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يُرِيبُهُ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ تَعْرِفُهُ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ، وَالْمُنْكَرُ تُنْكِرُهُ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ.

 

وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَتْرُكَ الْمُسْلِمُ الْعُلَمَاءَ الثِّقَاتِ، وَيَسْتَفْتِيَ نَفْسَهُ، وَيَأْخُذَ بِمَا يَقَعُ لَهُ فِي نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الضَّلَالِ الْمُبِينِ، فَعِنْدَ وُجُودِ الْمُفْتِي الثِّقَةِ، وَالْعَالِمِ الْحُجَّةِ؛ فَإِنَّهُ يَسْأَلُهُ، وَيَأْخُذُ بِمَا يُفْتِيهِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُخَالِفُ الَّذِي فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 43].

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ... عِبَادَ اللَّهِ.. الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الرُّجُوعُ إِلَى الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُفْتُونَ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرُهُ لِلْفَتْوَى؛ كَرُخَصِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَالْمَرَضِ، وَقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا لَا يَنْشَرِحُ بِهِ صُدُورُ كَثِيرٍ مِنَ الْجُهَّالِ، فَهَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ.

 

وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَفْقَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ؛ إِذْ يَتَّخِذُونَهَا مَطِيَّةً فِي الْحُكْمِ بِالتَّحْلِيلِ أَوِ التَّحْرِيمِ، عَلَى وَفْقِ مَا تُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ وَرَغَبَاتُهُمْ، فَيَرْتَكِبُونَ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ؛ بِحُجَّةِ: "‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ"! فَلَا يَجُوزُ لِلْجَاهِلِ، وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ بَصِيرَةٌ فِي الدِّينِ؛ أَنْ يَسْتَفْتِيَ قَلْبَهُ، وَيَعْمَلَ بِمَا يُلْقَى فِي نَفْسِهِ؛ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ: أَنْ يَسْأَلَ الْعُلَمَاءَ الثِّقَاتِ، وَيَأْخُذَ بِفَتْوَاهُمْ، وَلَا يَنْشَغِلَ بِمَا يَرِدُ عَلَى قَلْبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

 

وَمَنِ ابْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ؛ فَصَارَ يُشَكِّكُ فِي عَمَلِهِ، وَيَحِيكُ فِي صَدْرِهِ؛ لَا يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: "‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ"؛ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ: أَنْ يَنْتَهِيَ، وَيَنْكَفَّ، وَلَا يَنْشَغِلَ بِمَا يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ عِلَاجَ الْوَسْوَاسِ بِالتَّلَهِّي عَنْهُ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ.

 

وَلَا يَسْتَقِيمُ حَالُ النَّاسِ إِلَّا بِالْإِذْعَانِ وَالِاسْتِسْلَامِ لِأَمْرِ اللَّهِ بِنَفْسٍ رَاضِيَةٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ: 65]؛ وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النِّسَاءِ: 59].

 

وَقَدِ اسْتَدَلَّ الصُّوفِيَّةُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ "الذَّوْقَ" دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يُرْجَعُ إِلَيْهِ!وَاحْتَجُّوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ: "‌اسْتَفْتِ ‌قَلْبَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ" وَزَعَمُوا: أَنَّ مَا وَافَقَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ فَهُوَ بِرٌّ وَخَيْرٌ، بِالرَّغْمِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلشَّرْعِ! فَالْمَدَارُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِفَهْمِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَلَى مَا تَرَدَّدَ فِي النَّفْسِ، أَوْ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ، أَوْ مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ الْبَتَّةَ.

 

وَالْإِثْمُ لَا يَحِيكُ فِي صَدْرِ الْفَاسِقِ، وَالْمُجَاهِرِ بِالْمَعَاصِي؛ لِعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى فِسْقِهِ وَفُجُورِهِ، فَهَذِهِ هِيَ طَبِيعَتُهُ وَسَجِيَّتُهُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَقَدْ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى نُورًا فِي قَلْبِهِ، وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ؛ إِذَا هَمَّ بِالْإِثْمِ حَاكَ فِي صَدْرِهِ، وَتَرَدَّدَ فِيهِ، وَكَرِهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ الْأَسْوِيَاءُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ السَّوِيَّةَ بِطَبْعِهَا تُحِبُّ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى خَيْرِهَا وَبِرِّهَا، وَتَكْرَهُ ضِدَّ ذَلِكَ؛ مَخَافَةَ الْمَلَامَةِ، وَالتَّعْيِيرِ، وَالْفَضِيحَةِ.

 

وَإِذَا بَقِيَ الْإِثْمُ خَاطِرًا، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ صَاحِبُهُ، أَوْ يَتَكَلَّمُ بِهِ؛ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا؛ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا، أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَنْ ‌كُلِّ ‌شَيْءٍ ‌حَدَّثَتْ ‌بِهِ ‌أَنْفُسَهَا؛ مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ، أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» صَحِيحٌ - رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ:

1- أَنَّ لِلنَّفْسِ شُعُورًا مِنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ بِمَا تُحْمَدُ وَتُذَمُّ عَلَيْهِ، فَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى تَمْيِيزِ الْإِثْمِ مِنَ الْبِرِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، وَالسُّكُونِ إِلَيْهِ، وَقَبُولِهِ، وَرُكِّزَ فِي الطِّبَاعِ مَحَبَّةُ ذَلِكَ، وَالنُّفُورُ عَنْ ضِدِّهِ.

 

2- الْأَمْرُ بِتَرْكِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ؛ خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ حَرَامًا.

 

3- الْمُؤْمِنُ يَكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَى عُيُوبِهِ، وَآثَامِهِ، وَزَلَّاتِهِ، وَذُنُوبِهِ.

 

4- الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لَا عَلَى مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ مَا اشْتَهَتْهُ الْأَنْفُسُ.

 

5- الْمُسْلِمُ يَسْتَفْتِي قَلْبَهُ؛ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُفْتِيَ الثِّقَةَ.

 

6- الْإِثْمُ لَا يَحِيكُ فِي صَدْرِ الْفَاسِقِ، وَالْمُجَاهِرِ بِالْمَعَاصِي.

 

7- لَا يُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْوَسْوَاسِ الَّذِي يَحِيكُ فِي الصَّدْرِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ.

 

8- لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الرُّكُونُ إِلَى اسْتِفْتَاءِ النَّفْسِ، وَتَرْكُ الْعُلَمَاءِ الثِّقَاتِ.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرشوة الخراب القائم والإثم الدائم
  • البر لا يبلى والإثم لا ينسى ...
  • القواعد والفوائد من حديث: تعريف البر والإثم
  • أهل البهتان والإثم المبين
  • حديث: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم
  • ظاهر الإثم وباطنه
  • يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول
  • تخريج حديث: عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر

مختارات من الشبكة

  • من علامات حسن الخاتمة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • وقفات مع القاعدة القرآنية: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الفراسة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن العين والحسد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن التقوى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الأغذية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلقیح الأفهام في وصایا خیر الأنام للعلامة: عبد الرحمن بن سلیمان الأهدل (ت: 1250 هـ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حياة القلوب تفسير كلام علام الغيوب (الجزء الرابع عشر) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من درر العلامة ابن القيم عن الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/5/1447هـ - الساعة: 11:7
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب