• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نعمة البيوت والمساكن (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    التذكير بالنعم المألوفة (7) الطعام والشراب
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    نملة قرصت نبيا (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الضحك والبكاء في الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    علاج البواسير في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    ضيافة الصديق سعة بعد ضيق (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مشاهد من همة الصحابة في القيام بحق القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    قراءات اقتصادية (66) مبادئ علم الاجتماع الاقتصادي
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    الأسر العلمية في المملكة العربية السعودية - ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الجزاء من جنس العمل
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    مكانة العلماء في ضوء الكتاب والسنة وهدي السلف ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    نماذج من سير الأتقياء والعلماء والصالحين (11) ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    النعم.. أنواعها.. وأطنابها
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    اللامساواة من منظور اقتصادي
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    الحلال بركة والحرام هلكة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

الثبات على الدين (1) عز ونصر وفوز

الثبات على الدين (1) عز ونصر وفوز
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/9/2021 ميلادي - 9/2/1443 هجري

الزيارات: 16900

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثبات على الدين (1)

عز ونصر وفوز

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 2-4]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالدِّينِ، وَشَرَّفَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَطَّ مِنْ قَدْرِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَوَصَفَهُمْ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِأَنَّهُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ أَضَلُّ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَأَنَّهُمْ حَطَبُ النَّارِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَلَمَّا سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاثْبُتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ بِكُلِّ أَحْكَامِهِ وَتَفْصِيلَاتِهِ؛ فَإِنَّ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ عِزٌّ فِي الدُّنْيَا، وَفَوْزٌ أَكْبَرُ فِي الْآخِرَةِ، وَالثَّبَاتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَصِيَّةُ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِي إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 132].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أَعَزُّ شَيْءٍ عَلَى الْإِنْسَانِ دِينُهُ، وَأَغْلَى مَا يَمْلِكُ مُؤْمِنٌ إِيمَانُهُ، وَلَا شَيْءَ يَعْدِلُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ إِسْلَامَهُ؛ لِأَنَّ سَعَادَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، وَلِأَنَّ مَصِيرَهُ مُرْتَهِنٌ بِهِ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: 38]، ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾ [النَّازِعَاتِ: 35]، وَالْإِسْلَامُ وَأَحْكَامُهُ أَعْظَمُ مَا يَسْعَى إِلَيْهِ بَشَرٌ وَأَنْفَعُهُ فِي الدَّارَيْنِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْقِلُونَ ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهُ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ ضَعِيفُ إِيمَانٍ يَتَزَعْزَعُ إِيمَانُهُ عِنْدَ الْبَلَاءِ؛ فَيُقَدِّمُ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَلَرُبَّمَا خَسِرَهُمَا جَمِيعًا.

 

وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي الْقُرْآنِ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ يُصِيبُهُمْ بِالْبَلَاءِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ؛ لِيَهْتَدُوا إِذَا ابْتُلُوا، وَيَعْلَمُوا إِذَا فُتِنُوا، فَيَثْبُتُوا وَلَا يَفْتَتِنُوا؛ ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 142]، ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 168]، ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 35]، ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 2-3]، ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 31].

 

فَمَنْ ثَبَتَ فِي الْبَلَاءِ، وَحَافَظَ عَلَى دِينِهِ، وَاطْمَأَنَّ بِالْإِيمَانِ قَلْبُهُ، كَانَ لَهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ الْأَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَمَّا فَوْزُ الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الْجَنَّةَ جَزَاءُ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ إِلَى الْمَمَاتِ. وَأَمَّا نَصْرُ الدُّنْيَا فَوَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مُحَقَّقٌ، جَاءَ الْخَبَرُ عَنْهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 34]، فَنَصْرُهُمْ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُبَدَّلُ قَدَرُهُ، وَلَا يَتَخَلَّفُ وَعْدُهُ، وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يُونُسَ: 103]، ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النُّورِ: 55]، ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الرُّومِ: 47]، ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ*وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 171-173]، ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غَافِرٍ: 51].

 

وَإِذَا اسْتَبْطَأَ الْمُؤْمِنُونَ النَّصْرَ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ؛ ﴿ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 214]، ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصَّفِّ: 13]. وَقَدْ جَمَعَ اللهُ تَعَالَى لِلثَّابِتِينَ كِلَا الأَمْرَينِ فِي قَولِهِ تَعَالَى ﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ﴾ [آل عمران: 148] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾ [التوبة: 52].

 

وَالثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ هُوَ النَّصْرُ الْحَقِيقِيُّ، وَلَوْ قُطِّعَتِ الْأَجْسَادُ، وَهُجِرَتِ الدِّيَارُ، وَذَهَبَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الْأَنْفُسُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَهْمَا عُمِّرَ فِي الدُّنْيَا وَتَمَتَّعَ بِهَا فَمَآلُهُ إِلَى الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ؛ وَلِأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا إِلَى زَوَالٍ؛ فَهِيَ دَارُ فَنَاءٍ، وَلَيْسَتْ دَارَ بَقَاءٍ. وَهَذَا الْمَعْنَى كَانَ يَغْرِسُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ وَيُقَتَّلُونَ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ يَمُرُّ بِالْمُؤْمِنِينَ الْمُعَذَّبِينَ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ وَآلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَلَمَّا اشْتَكَى بَعْضُ الصَّحَابَةِ شِدَّةَ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْعَذَابِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ الدُّعَاءَ؛ حَثَّهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ بِذِكْرِ أَحْوَالِ الثَّابِتِينَ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ هُوَ النَّصْرُ الْحَقِيقِيُّ، وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ الْمَادِّيِّ، وَيَفُوقُهُ فَضْلًا وَأَجْرًا، وَلَا يَتَحَقَّقُ النَّصْرُ الْمَادِّيُّ إِلَّا بِتَحْقِيقِ الثَّبَاتِ مَعَ الْيَقِينِ بِحُسْنِ الْعَاقِبَةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُهُ، بَلْ كَانَ فِعْلُهُ فِي الثَّبَاتِ يَسْبِقُ قَوْلَهُ فِي تَثْبِيتِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوذِيَ فِي مَكَّةَ أَذًى شَدِيدًا، فَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ يَرْجُو إِيمَانَهُمْ، وَيَلْتَمِسُ نُصْرَتَهُمْ، فَآذَوْهُ وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ فَقَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَدْمَوْهُ، فَأَرَادَ الْعَوْدَةَ إِلَى مَكَّةَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَخْرَجُوكَ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا زَيْدُ، إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ». وَلِسَانُ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِكُلِّ الْمُعَذَّبِينَ مِنْ أُمَّتِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ: اصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى كَمَا صَبَرْتُ، وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا ثَبَتُّ، وَأَيْقِنُوا بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَيْقَنْتُ؛ تُنْصَرُوا كَمَا نُصِرْتُ، وَيُهْزَمُ أَعْدَاؤُكُمْ كَمَا هُزِمَ أَعْدَائِي؛ ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 7- 8].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِ الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ؛ ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 27].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَعُدُّونَ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَى الْمَمَاتِ فَوْزًا مُبِينًا، وَلَوْ فَقَدُوا الدُّنْيَا بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ، وَيَرَوْنَ أَنَّ الْهَزِيمَةَ فِي التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ وَالِانْتِكَاسِ وَالْحَيْدَةِ عَنِ الْحَقِّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي حَادِثَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ حِينَ قُتِلُوا غَدْرًا وَغِيلَةً، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ -وَكَانَ خَالَهُ- يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»، فَعَدَّ مَوْتَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَوْزًا. وَقُتِلَ بَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، «فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ». وَهَذَا أَعْظَمُ الْفَوْزِ، مَعَ أَنَّهُمْ قُتِلُوا وَفَارَقُوا الدُّنْيَا، وَفَقَدَهُمْ أَهْلُهُمْ وَأَحْبَابُهُمْ.

 

وَكَانَ سَلَفُ الْأُمَّةِ يَعُدُّونَ الثَّبَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ فَوْزًا مَهْمَا فَقَدُوا مِنَ الدُّنْيَا، وَمَهْمَا قَلَّ عَدَدُهُمْ، وَكَثُرَتْ أَعْدَادُ مُخَالِفِيهِمْ، وَلَمَّا اشْتَدَّتِ الْمِحْنَةُ، وَكَثُرَ أَهْلُ الْبِدْعَةِ، وَقَوِيَ جَانِبُهُمْ؛ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَوَلَا تَرَى الْحَقَّ كَيْفَ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ؟ قَالَ: كَلَّا، إِنَّ ظُهُورَ الْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ الْقُلُوْبُ مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ، وَقُلُوبُنَا بَعْدُ لَازِمَةٌ لِلْحَقِّ». وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «فَأَهْلُ الْيَقِينِ إِذَا ابْتُلُوا ثَبَتُوا؛ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ الِابْتِلَاءَ قَدْ يُذْهِبُ إِيمَانَهُ أَوْ يُنْقِصُهُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السَّجْدَةِ: 24]، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 173]، فَهَذِهِ حَالُ هَؤُلَاءِ».

 

وَالَّذِي يَعِيشُ لِنَفْسِهِ وَشَهَوَاتِهِ لَا لِدِينِهِ وَمَرْضَاةِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ يَعِيشُ صَغِيرًا ذَلِيلًا، وَيَمُوتُ صَغِيرًا ذَلِيلًا، وَيُبْعَثُ صَغِيرًا ذَلِيلًا. وَالَّذِي يَثْبُتُ عَلَى إِيمَانِهِ يَعِيشُ كَبِيرًا عَزِيزًا، وَيَمُوتُ كَبِيرًا عَزِيزًا، وَيُبْعَثُ كَبِيرًا عَزِيزًا، وَمَهْمَا فَعَلَ الْأَعْدَاءُ بِهِ لَا يَنَالُونَ مِنْهُ شَيْئًا. وَالَّذِي يَجْعَلُ إِيمَانَهُ مَطِيَّةً لِلنَّصْرِ وَالظَّفَرِ حَرِيٌّ أَنْ يَتْرُكَهُ إِذَا هُزِمَ أَوْ أُوذِيَ فِيهِ وَابْتُلِيَ بِسَبَبِهِ. وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَ دِينَهُ وَإِيمَانَهُ وَمَرْضَاةَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ الْغَايَةَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ، فَإِنْ عَاشَ عَاشَ سَعِيدًا، وَإِنْ مَاتَ مَاتَ عَزِيزًا حَمِيدًا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثبات على الدين (2) الطريق إلى الثبات (خطبة)
  • الثبات على الدين (3) ثبات الرسل عليهم السلام
  • الثبات على الدين وأسبابه (خطبة)
  • الثبات على الدين (4) التثبيت بالقرآن الكريم
  • الثبات على الدين (5) التثبيت بالسيرة النبوية
  • الثبات على الدين (6) التثبيت بأخبار الصحابة رضي الله عنهم

مختارات من الشبكة

  • الثبات على الدين: أهميته، وأسبابه، وموانعه في الكتاب والسنة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • صلوا عليه وسلموا تسليما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات: أهميته وسير الثابتين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سورة آل عمران (5) الثبات والتثبيت(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الثبات عند الابتلاء بالمعصية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات... الثبات...(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات الثبات عباد الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا مسلمي أوربا: الثبات الثبات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الإمام أبو بكر الصديق ثاني اثنين في الحياة وبعد الممات(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان
  • انطلاق فعاليات شهر التاريخ الإسلامي 2025 في كندا بمشاركة واسعة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/4/1447هـ - الساعة: 13:40
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب