• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نفحات تربوية من الخطب المنبرية (PDF)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: من قول المؤلف: فدليل ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أفضل الصيغ: جمع لأفضل الصيغ الواردة في التشهد، ...
    أحمد علي سالم أحمد
  •  
    المنهل الروي بشرح منظومة الإمام اللغوي محمد بن ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    وفد النصارى.. وصدق المحبة..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لقط الفوائد ونتف الفرائد للإمام العلامة يوسف بن ...
    د. إياد العكيلي
  •  
    التذكير بما ورد في فضل التهجير (PDF)
    سعد بن صالح بن محمد الصرامي
  •  
    شذرات الفوائد من صحيح البخاري (PDF)
    د. ابراهيم شذر حمد الصجري
  •  
    لقاء حول الفتوى والاجتهاد (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الموسوعة الندية في الآداب الإسلامية - آداب ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    خمسون قاعدة في فقه البيوع (PDF)
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    تدبر سورة العاديات (PDF)
    عبدالله عوض محمد الحسن
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

حقوق الله تعالى في الحج (خطبة)

حقوق الله تعالى في الحج (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/8/2019 ميلادي - 30/11/1440 هجري

الزيارات: 18300

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حقوق الله تعالى في الحج

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ جَعَلَ الْعَشْرَ خَيْرَ أَيَّامِ الْعَامِ، وَشَرَعَ فِيهَا صَالِحَ الْأَعْمَالِ، وَضَاعَفَ فِيهَا الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ كَتَبَ الْمَنَاسِكَ مِنْ دِينِهِ وَشَرْعِهِ، وَفَرَضَ الْحَجَّ إِلَى بَيْتِهِ، وَأَجْزَلَ ثَوَابَ الْحَاجِّ وَأَجْرَهُ، وَوَعَدَهُ إِنْ أَكْمَلَ حَجَّهُ أَنْ يَمْحُوَ ذُنُوبَهُ، وَأَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَجِّهِ كَيَوْمِ وِلَادَتِهِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَدَّعَ فِيهَا الْأُمَّةَ، وَأَرْسَى دَعَائِمَ الْمِلَّةِ، وَبَيَّنَ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ، وَحَذَّرَ مِنَ انْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاسْتِثْمَارِ الْعُمْرِ فِي طَاعَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْحِرْصِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ، وَتَخْصِيصِهَا بِمَزِيدٍ مِنَ الْعَمَلِ؛ فَإِنَّ الْأَيَّامَ تُسْرِعُ بِالْعَبْدِ إِلَى قَبْرِهِ، وَحِينَهَا لَنْ يَجِدَ أَمَامَهُ سِوَى عَمَلِهِ، فَطُوبَى لِمَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَتُقُبِّلَ مِنْهُ، وَيَا خَسَارَةَ مَنْ ضَيَّعَ حَيَاتَهُ فِيمَا لَا يَنْفَعُهُ، ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 8- 9].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَعْمَلُهُ الْمُؤْمِنُ لِلَّهِ تَعَالَى يَرْجُو رِضَاهُ وَثَوَابَهُ، وَيَخَافُ سَخَطَهُ وَعِقَابَهُ. وَالْحَاجُّ حِينَ يَشُدُّ رَحْلَهُ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَيَحْتَمِلُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ الْمَكَارِهَ وَالْمَشَاقَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرِيضَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، أَوْ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْحَجِّ لَهُ سُبْحَانَهُ. وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَعْمَلُهُ الْعَبْدُ -وَمِنْهُ الْحَجُّ- فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حُقُوقًا عَلَى الْعَبْدِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا، لِيَكُونَ عَمَلُهُ الصَّالِحُ مَقْبُولًا؛ وَلِيَكُونَ حَجُّهُ مَبْرُورًا، وَذَنْبُهُ مَغْفُورًا. وَهِيَ حُقُوقٌ سِتَّةٌ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

فَأَوَّلَهَا: الْإِخْلَاصُ فِي الْعَمَلِ؛ فَالْحَاجُّ يُخْلِصُ فِي حَجِّهِ، وَيَكُونُ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ فِيهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعَامِلُ فِي الْعَشْرِ يُخْلِصُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي عَمَلِهِ، وَالْمُضَحِّي يُخْلِصُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أُضْحِيَّتِهِ. وَكُلُّ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا الْحَقِّ الْعَظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزُّمَرِ: 2- 3]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الْبَيِّنَةِ: 5]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. «وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: مَا أَكْثَرَ الْحَاجَّ! فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَقَلَّهُمْ! ثُمَّ رَأَى رَجُلًا عَلَى بَعِيرٍ عَلَى رَحْلٍ رَثٍّ، خِطَامُهُ حِبَالٌ فَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا. وَقَالَ شُرَيْحٌ: الْحَاجُّ قَلِيلٌ وَالرُّكْبَانُ كَثِيرٌ، مَا أَكْثَرَ مَنْ يَعْمَلُ الْخَيْرَ وَلَكِنْ مَا أَقَلَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ». قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «كَانَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ يَحُجُّ مَاشِيًا عَلَى قَدَمَيْهِ كُلَّ عَامٍ، فَكَانَ لَيْلَةً نَائِمًا عَلَى فِرَاشِهِ، فَطَلَبَتْ مِنْهُ أُمُّهُ شَرْبَةَ مَاءٍ، فَصَعُبَ عَلَى نَفْسِهِ الْقِيَامُ مِنْ فِرَاشِهِ لِسَقْيِ أُمِّهِ الْمَاءَ، فَتَذَكَّرَ حَجَّهُ مَاشِيًا كُلَّ عَامٍ، وَأَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، فَحَاسَبَ نَفْسَهُ، فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُهَوِّنُهُ عَلَيْهِ إِلَّا رُؤْيَةُ النَّاسِ لَهُ، وَمَدْحُهُمْ إِيَّاهُ؛ فَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَدْخُولًا».

 

فَعَلَى الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَالْمُضَحِّي وَمَنْ يَعْمَلُ صَالِحًا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْإِخْلَاصِ، وَأَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى نِيَّتِهِ؛ لِيَكُونَ عَمَلُهُ مَقْبُولًا، وَسَعْيُهُ مَشْكُورًا.

 

وَثَانِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِ الْعَشْرِ: النَّصِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَسَائِرِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهِيَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

فَمِنَ النَّصِيحَةِ لِلَّهِ تَعَالَى: النَّصِيحَةُ لَهُ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُؤَدِّيهِ الْعَبْدُ، فَيُؤَدِّيهِ بِرَغْبَةٍ وَحَمَاسٍ وَنُصْحٍ لَا بِإِكْرَاهٍ وَتَثَاقُلٍ وَكَأَنَّهُ يُلْقِي عَنْ كَاهِلِهِ عِبْئًا يَحْمِلُهُ. وَمِنَ النُّصْحِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ الْمَنْسَكِ: إِيقَاعُهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَاجْتِنَابُ مَا لَا يَرْضَاهُ فِيهَا مِنَ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ وَالْجِدَالِ. وَمِنَ النُّصْحِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْأَضَاحِيِّ: أَنْ يَخْتَارَ أَطْيَبَهَا وَأَسْمَنَهَا، وَيَجْتَنِبَ الْمَعِيبَةَ مِنْهَا، وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ يَنْصَحُ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ؛ بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَرْضَاهُ، وَيَجْتَهِدَ فِي كَمَالِهِ وَتَمَامِهِ.

 

وَثَالِثُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِ الْعَشْرِ: مُتَابَعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكُمُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُبَلِّغُ عَنْهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعَمَلِ وَكَيْفِيَّتِهِ، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [النِّسَاءِ: 64]، ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الْحَشْرِ: 7]. وَفِي الْحَجِّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي عُمُومِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَرَابِعُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِ الْعَشْرِ: مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَمَلِهِ الصَّالِحِ؛ فَكَلُّ نُسُكٍ يُؤَدِّيهِ يُرَاقِبُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، وَكُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ تَكُونُ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى نُصْبَ عَيْنَيْهِ؛ حَتَّى يَبْلُغَ دَرَجَةَ الْإِحْسَانِ فِي أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَفِي الْكَفِّ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَيَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَمَنِ اسْتَحْضَرَ مُرَاقَبَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ فِي نُسُكِهِ وَسَائِرِ عَمَلِهِ رَاقَبَ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا يَعْمَلُ فَأَحْسَنَهُ وَأَتْقَنَتْهُ وَأَتَمَّهُ: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الْمُلْكِ: 1- 2].

 

وَخَامِسُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِ الْعَشْرِ: اسْتِحْضَارُ مِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ إِذْ هَدَاهُ لِلدِّينِ، وَهَدَاهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَعَلَّمَهُ الْمَنَاسِكَ كَمَا عَلَّمَهُ تَفَاصِيلَ مَا يَعْمَلُ مِنْ أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَعَلَّمَهُ شَيْئًا مِنَ الْأَجْرِ الْمُدَّخَرِ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِيَكُونَ حَافِزًا لَهُ. وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ، وَوَفَّقَهُ لِلْإِخْلَاصِ فِيهِ وَمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مَحْضُ فَضْلٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ ﴿ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ [الْحُجُرَاتِ: 17]، وَارْتَجَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا...» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي ثَنَايَا آيَاتِ الْحَجِّ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 198].

 

وَسَادِسُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِ الْعَشْرِ: اسْتِشْعَارُ الْعَامِلِ تَقْصِيرَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَفْرِيطَهُ فِي جَنْبِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَمَهْمَا عَمِلَ الْعَبْدُ مِنَ الصَّالِحَاتِ فَإِنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ رَبِّهِ الْعَظِيمِ؛ لِعَظَمَةِ الرَّبِّ جَلَّ فِي عُلَاهُ؛ وَلِتَتَابُعِ نِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ. فَكُلُّ مَا يَعْمَلُهُ الْعَامِلُ مَهْمَا أَتَمَّهُ وَأَحْسَنَهُ وَأَكْمَلَهُ لَنْ يُوَازِيَ نِعْمَةً أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ غَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ، وَأَغْدَقَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ. بَلْ حَجُّهُ وَأَضْحِيَّتُهُ وَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَعْمَلُهُ هُوَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَلَا يَمْنُنْ بِعَمَلِهِ وَلَوْ كَثُرَ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَسْتَكْثِرْهُ فِي جَنْبِ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعَمِهِ عَلَى عَبْدِهِ ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: 6]، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِكَ عَلَى رَبِّكَ تَسْتَكْثِرُهُ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَسْتَعْمِلَنَا فِي طَاعَتِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَرْضَاتِهِ، وَأَنْ يَقْبَلَ مِنَّا وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَثْمِرُوا هَذِهِ الْعَشْرَ الْمُبَارَكَةَ؛ فَإِنَّهَا خَيْرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ قِيلَ فِيهَا: إِنَّهَا هِيَ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ [الْفَجْرِ: 1 - 3]. وَجَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ: «إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ»، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. «وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ».

 

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَجِدُّوا وَيَجْتَهِدُوا فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ، وَأَنْ يُرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَنْفُسِهِمْ خَيْرًا؛ لِفَضْلِهَا وَفَضْلِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُرَاعِيَ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، وَهَى: «الْإِخْلَاصُ فِي الْعَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَمُتَابَعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَشُهُودُ مَشْهَدِ الْإِحْسَانِ فِيهِ، وَشُهُودُ مِنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيهِ، وَشُهُودُ تَقْصِيرِهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ».

 

وَمَنْ عَزَمَ عَلَى الْحَجِّ فَلْيَتَعَلَّمْ مَنَاسِكَهُ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى أَرْكَانِهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ إِلَى أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقالات في الحج
  • دمعة في الحج
  • الإنابة في الحج
  • حكم الإنابة والاستئجار في الحج
  • من روائع البر في الحج
  • خطبة في وجوب العناية بحقوق الله
  • لا حرج على من اتبع السنة في الحج (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خطبة: حقوق الجار وأنواعه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق كبار السن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: حقوق كبار السن في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الطريق (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: ماذا بعد الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق غير المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الميت (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الميت (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق العلماء (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/3/1447هـ - الساعة: 10:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب