• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح كتاب الدروس المهمة: أركان الإيمان (9) مترجما ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    رمضان ضيفك.. كيف تستقبله؟
    د. خالد الصديق
  •  
    المحافظة على صلاة الفجر والعصر سبب للنجاة من ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها سبب للنجاة من ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    أحكام الإمامة (PDF)
    الشيخ يوسف بن صالح بن فاضل
  •  
    التقوى سبب للنجاة من النار (بطاقة)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    جمع أحاديث الابتلاء من الكتب الستة (PDF)
    د. هناء بنت علي جمال الزمزمي
  •  
    برنامج أحكام تلاوة القرآن الكريم (PDF)
    د. هشام أحمد عبدالحي
  •  
    الصدقة ولو بشق تمرة سبب للنجاة من النار (بطاقة)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    الورقات المختصرات في الصيام (PDF)
    يحيى نعيم محمد خلة
  •  
    الاعتكاف: أحكام وآداب (PDF)
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    رمضان شهر التقوى
    الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
شبكة الألوكة / مكتبة الألوكة / المكتبة المقروءة / الرسائل العلمية / رسائل ماجستير
علامة باركود

المسائل النحوية والصرفية في شرح أبي العلاء المعري على ديوان ابن أبي حصينة

هاني محمد عبد الرازق القزاز

نوع الدراسة: Masters resume
البلد: مصر
الجامعة: جامعة الأزهر
الكلية: كلية اللغة العربية بالمنصورة
التخصص: اللغويات
المشرف: أ.د. إبراهيم حامد الإسناوي
العام: 1432هـ - 2011م

تاريخ الإضافة: 19/11/2022 ميلادي - 24/4/1444 هجري

الزيارات: 1347

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص الرسالة

المسائل النحوية والصرفية في شرح أبي العلاء المعري

على ديوان ابن أبي حصينة

 

المقدمة

الحمد لله وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه، أجمعين...

 

أما بعد:

فإن أعظم المصادر في معرفة اللغة - بعد كتاب الله تعالى، وسنة نبيه الأعظم محمد - صلى الله عليه وسلم - شعرُ العرب ورجزُها؛ " إذ كان الشعر ديوانَ العرب خاصة والمنظومَ من كلامها، والمقيِّدَ لأيامها، والشاهد على أحكامها. حتى لقد بلغ من كَلَف العرب به وتَفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تَخيَّرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القبَاطيّ المُدرجة، وعَلِّقتها بين أستار الكعبة "[1].

 

ومن الدليل على عِظَم الشِّعر عند العرب، و"جليل خَطْبهِ في قلوبهم، أنَّه لما بُعث النبيُ صلى الله عليه وسلم بالقرآن المُعجِز نظمه، المُحكم تأليفه، وأعجب قريشًا ما سمعوا منه قالوا: ما هذا إلا سِحْرٌ. وقالوا في النبيّ صلى الله عليه وسلم: "﴿ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ[2] ﴾"[3].

 

وقال ابنِ عبّاس: الشعر عِلْم العرب وديوانها فتعلَّموه، وعليكم بشعر الحِجاز. فأحسبه ذهب إلى شعر الحجاز، وحَضَّ عليه، إذ لغتهم أَوسط اللّغات"[4].

 

وقال: "الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه،....وقال أبو عبيد في فضائله‏:‏ حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر[5].

 

وقال كعبُ الأحبار: إنّا نَجد قومًا في التوراة أناجيلُهم في صُدورهم، تَنطق ألسنتهم بالحِكْمة، وأظنّهم الشُّعراء. وقال عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه: أفضلُ صِناعات الرَّجل الأبيات من الشِّعر، يُقدِّمها في حاجاته، يَستعطف بها قلبَ الكريم، ويستميل بها قلب اللئيم[6].

 

وقال عبدُ الملك بن مروان لمؤدِّب ولده: روَهم الشِّعر يَمْجدوا ويَنْجدوا. وقالت عائشة: روُّوا أولادَكم الشعرَ تعذُب ألسنتهم "[7].

 

ومن بهاء الشعر وجماله، أن يكون خاليًا من اللحن، فقد يكون الشعر ساقطًا مرذولًا؛ وما ذلك إلا لأن اللحن قد دخله، قال عبد الملك بن مروان: اللحنُ في الكلام أقبح من التَّفتيق في الثوب والجُدَريّ في الوجه...وقال: الإعراب جمالٌ للوَضِيع، واللحن هُجْنة على الشَّرِيف. وقال: تَعلَّموا النحوَ كما تتعلّمون السًّنن والفرائض.

 

ومما يُعْهد به إلى الشاعر والكاتب أن يكون "مُتوسِّطًا في، علم النَّحو والغَريب"[8].

 

وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة بين الشعر والنحو علاقة تكاملية لا تصادمية، لكن الذي حدث بين الشعراء والنحاة بخلاف هذا، فالشعراء يرون أنفسهم أمراء الكلام، والنحاة يوجبون عليهم الالتزام بقواعد النحويين، وقد مضى كلٌ في طريقه فإذا قال عبدالله ابن أبي إسحاق الحضرمي للفرذدق لما وجهه إلى لحن في قوله:

وعَضُّ زَمَانٍ يا ابْنَ مَرْوانَ لم يَدَعْ
مِنَ المَالِ إِلاَّ مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ

قال النحاة في تخريجه: "في هذا البيت ثلاث رواياتٍ، كلها اضطرار: أحدها. فتح الياء والدال من يدع: ونصب مسحت. والثانية: فتح الياء من يدع: وكسر الدال، ورفع مسحت. والثالثة: ضم الياء، وفتح الدال، ورفع مسحت.

 

فأما الرواية الأولى - التي ذكرها أبو القاسم، وهي المشهورة -: ففيها أربعة أقوال: أحدها: أن يكون مجلف مرفوعًا بفعل مضمر، دل عليه لم يدع كأنه قال: أو بقي مجلف.

 

والقول الثاني: - قول الفراء -: أن مجلف: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف، كأنه قال: أو مجلف كذلك.

 

والقول الثالث: - حكاه هشام عن الكسائي -: أنه قال: تعطفه على الضمير في مسحت.

 

والقول الرابع - وجدته في بعض كلام أبي على الفارسي -: أنه معطوف على العض: قال: وهو مصدر جاء على صيغة المفعول، كما قال جل وعز:"﴿ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾[9] كأنه قال: وعض زمان، أو تجليف.

 

وأما على رواية من كسر الدال من يدع. ورفع المسحت فإنه جعله من قولهم: ودع في بيته، فهو وادع إذا بقى، ورفع المسحت به، وفي الكلام حذف؛ كأنه قال: من أجله أو من سببه.

 

ومن روى بفتح الدال، وضم الياء - على صيغة ما لم يسم فاعله - رفع المسحت: أيضًا، إلا أنه مفعول لما لم يسم فاعله، وكان يجب أن يقول: لم يودع، ولكنه حذف الواو، كما حذفت من يدع [10].

 

هذا قول النحاة في تخريج ما ادعوا فيه اللحن، فماذا يقول أهل الأدب فيه؟

قال ابن قتيبة في هذا البيت: " فرفع آخر البيت ضرورةً، وأتعب أهل الإعراب في طلب العلة، فقالوا وأكثروا، ولم يأتوا فيه بشيءٍ يرضي، ومن ذا يخفى عليه من أهل النظر أن كل ما أتوا به من العلل احتيالٌ وتمويه؟ وقد سأل بعضهم الفرزدق عن رفعه إياه فشتمه وقال: علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا! [11].

 

وقال ابن عبد ربه: "وقد أكثر النحويّون الاحتيالَ لهذا البيت، ولم يأتوا فيه بشيء يُرضي"[12].

 

وقد بلغ النحاة في فرض القواعد على الشعراء حدًا جعلهم يُخْرِجون الشاعر عن حد الفصاحة، فيُطْرح شعره طرحًا إذا خالف كلامهم، فَعَلَ هذا الأصمعي عبد الملك بن قريب مع الطرماح، لما قال:

وَأَكرَهُ أَن يَعيبَ عَلَيَّ قَومي
هِجائي المُفحَمينَ ذَوي الحِناتِ

فجمع إحنة على غير الجمع الصحيح، لأنها إحنة وإحن، ولا يقال حنات.

 

وقد روى أبو بصير أن عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: كنا نظن أن الطرماح شيء حتى سمعنا قوله هذا البيت"[13].

 

إن النحاة قد أعلنوها صراحة أنه "مَا جعل الله الشعراء معصومين يُوَقَّوْن الخطأ والغلط، فما صحَّ من شعرهم فمقبول، وَمَا أبَتْهُ العربية وأصولها فَمَرْدُودُ "[14]. "إذ أكثر من ألَّف في هاتين الصناعتين مشفق من أن ينسب إلى العرب الفصحاء قبحًا في مجاري كلامها إلا في الندرة، فهم يتلقون كل ما روي لهم من كلامهم صحت الرواية أو لم تصح بالتسويغ والتحسين، ولا ينسبون إليهم إساءة إلا حيث يعييهم الحيل في الاعتذار عنهم"[15].

 

"ودونك هذه الدواوين الجاهلية والإسلامية، فانظر هل تجد فيها قصيدة تسلم من بيت أو أكثر لا يمكن لعائب القدْح فيه؛ إما في لفظه ونظمه، أو ترتيبه وتقسيمه، أو معناه، أو إعرابه؟ ولولا أن أهلَ الجاهلية جُدّوا بالتقدم، واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة، والأعلام والحجة، لوجدتَ كثيرًا من أشعارهم معيبة مسترذَلة، ومردودة منفية، لكن هذا الظنّ الجميل والاعتقاد الحسن ستر عليهم، ونفى الظِّنة عنهم، فذهبت الخواطر في الذبّ عنهم كلّ مذهب، وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام"[16].

 

وأما تخريجات النحويين لـ (أغلاط الشعراء) فـ" يشهد القلب أن المحرّك لها، والباعث عليها شدةُ إعظام المتقدم، والكلَفُ بنُصرة ما سبق إليه الاعتقاد، وألِفته النفس " [17].

 

هكذا كانت رؤية فريق من النحويين لما ادعوه خطًا من الشعراء، وقد كان رد الشعراء لامبالاة من جانبهم، حتى قال أبو غَسَّان "رَفيع بن سَلَمة" تلميِذ أبي عُبيدة "المعروف بدَمَاذ، يخاطب "أبا عثمان النحويَّ المازنيّ":

تَفكَّرْتُ في النَّحو حتى مَلِل
تُ وأَتعبتُ نفسي له والبَدنْ
وأتعبْت بَكْرًا وأصحابَه
بكلّ المَسائل في كلّ فَن
سِوَى أنَّ بابًا عليه العَفا
ءُ لِلْفاء يا ليتَهُ لم يَكُن
فكنتُ بظاهره عالمًا
وكنتُ بباطِنه ذا فَطَن
وللواو بابٌ إلى جَنْبه
من المَقْت أحسبُهُ قد لُعن
إذا قلتُ هاتُوا لما يُقا
ل لستُ بآتيك أو تَأتين
" أَجِيبُوا لما قِيلَ هذا كذا
على النَّصب قالُوا لإضمارِ أن
وما إنْ رأيتُ لها مَوْضعًا
فأَعْرفَ ما قِيلَ إلاّ بفن
فقد خِفْتُ يا بكرُ من طُولِ ما
أُفكِّر في أَمْر "أَن" أن أُجَن

 

إن ابن عبد ربه، وهو يمثل الأدباء، يقول عن "ما غُلِط فيه على الشعراء: "وأكثر مَا أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن، ولكنّ أصحاب اللغة لا يُنصفونهم، وربمَا غَلّطوا عليهم، وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها"[18].

 

وللإنصاف فإن ذلك كان منهجًا لقوم من نقدة كلام العرب إن في النحو أو في المعاني، اتجه قوم إلى المحافظة على ما ورد من الكلام، ورفضوا الخروج عنه لا لشيء إلا لأن العرب لم تنطق به، ولو نطقت لكان جائزًا، حتى أن أحد نقدة الأدب قال: "وليس لمتأخر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين في هذه الأقسام، فيقف على منزلٍ عامر، أو يبكى عند مشيد البنيان؛ لأن المتقدمين وقفوا على المنزل الداثر، والرسم العافي، أو يرحل على حمارٍ أو بغلٍ ويصفهما؛ لأن المتقدمين رحلوا على الناقة والبعير، أو يَرِد على المياه العذاب الجواري؛ لأن المتقدمين وردوا على الأواجن الطوامي. أو يقطع إلى الممدوح منابت النرجس والآس والورد؛ لأن المتقدمين جروا على قطع منابت الشيح والحنووالعرارة... وليس له أن يقيس على اشتقاقهم، فيطلق ما لم يطلقوا"[19] "فما كان من الكلام منظومًا وليس على تلك الأساليب فلا يكون شعرًا، وبهذا الاعتبار كان الكثير ممن لقيناه من شيوخنا في هذه الصناعة الأدبية يرون أن نظم المتنبئ والمعري ليس هو من الشعر في شئ؛ لأنهما لم يجريا على أساليب العرب" [20].

 

هذا إذن منهج سارٍ في القواعد والمعاني، وقد يكون وجهًا في القواعد، لكن إن يكن في المعاني فلا، فـ "ليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب، ولكن يعطى كلا ما يستحق" [21]. "ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن ولا خص به قومًا دون قومٍ، بل جعل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثًا في عصره، وكل شرفٍ خارجيةً في أوله"[22]. "ولو اقتصر الناس على كتب القدماء لضاع علم كثير، ولذهب أدب غزير، ولضلت أفهام ثاقبة، ولكلت ألسن لَسِنَة، ولما توشى أحد الخطابة، ولا سلك شعبًا من شعاب البلاغة، ولمجت الأسماع كل مردد مكرر، وللفظت مقلوب كل مرجع ممضغ، وحتام لا يسأم" [23].

 

أما ابن خلدون فقد قال شططًا؛ إذ زعم أن "الإعراب لا مدخل له في البلاغة، إنما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود، فيه سواء كان الرفع دالًا على الفاعل والنصب دالًا على المفعول أو بالعكس، وإنما يدل على ذلك قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه، فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة، فإذا عرف اصطلاح في ملكة واشتهر صحة الدلالة وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة ولا عبرة بقوانين النحاة"[24].

 

الأمر إذن ليس هينًا، والخلاف بين النحويين والشعراء خلاف حقيقي، فهل من سبيل للوساطة بينهم؟ وهل حُكْم الشعراء في مسائل اللغة كحكم النحويين؟ يأخذون بقواعدهم أو يطرحونها ثم لا يبالون أي شيء يكون، أو هل يتوسطون فيأخذون ويرفضون، ويزيدون مايزيدون؟

 

في التراث العربي ما يُمَكِّنُنا من أن نقترب أكثر للنظر كيف يكون حكم الشعراء على الشعراء فيما اختلف عليه الشعراء والنحاة، وذلك من خلال ما يسمى بـ (الشعراء النحاة) أو (نحاة الشعراء) إن صحت التسمية، ومن هؤلاء، المتنبي، وأبو نواس، وأبو العلاء المعري، فكلٌ قد عرف اللغة وخبرها كمعرفته الشعر وقواعده، لكن يبدو أنه لم يكن لأحدهم مشاركة في التأليف النحوي واللغوي إلا لأبي العلاء منهم، فقد ألف في النحو واللغة وعالج مسائلهلما بطريقة الأدباء، ومن هنا فإن اعتماد أبا العلاء كَحَكَم بين النحاة والشعراء قد يكون مفيدًا في معرفة حقيقة موقف النحويين من الشعراء، أهو تعنت لأجل أنهم ماعركوا الشعر وعرفوه، ولو عالجوه لتغيرت أحكامهم؟

 

إن أبا العلاء قد جمع المقومات الكافية لتجعل حكمه معتبرًا، ينبغي أن يرضى به الشعراء، وهو واحد منهم، بله من أمرائهم، كما ينبغي أن يرضى به النحاة؛ لأنه محسوب عليهم معدود في جملتهم، وكيف لا يُرْضَى بحكم أبي العلاء شيخ المعرة، وهو (شاعر) و(عروضي) و(كاتب) و(عالم باللغة) و(النحو) و(قارئ للقرآن بالروايات) و(سمع الحديث وله فيه مسند)؟

 

ولهذا فقد رأيت أن أدرس أحد شروح أبي العلاء، فوجدته شَرَحَ ديوان البحتري، وسماه (عبث الوليد)، وشرح ديوان المتنبي، وسماه (معجز أحمد) و(اللامع العزيزي) وهي شروح معروفة متداولة، لمكانة أصحابها، ومنزلة شارحها، غير أني عثرت على شرح آخر منسوب له لشاعر يجهل أمره أكثر الناس، المتخصصين منهم والعوام، وهو الأمير ابن أبي حصينة السُّلَمي، وبعد أن تحقق لي أن الشرح هو لأبي العلاء المعري الشاعر المشهور، صاحب المعرة، ورهين المحبسين عزمت على دراسة المسائل النحوية فيه والصرفية خاصة أني قد وجدته شرحًا لغويًا نحويًا خالصًا، وهو منهج يخالف طريقة غيره في شرح الدواوين؛ إذ يأتون في شرحهم بما يفسر المعنى ويوضحه، ويكشفون فيه عن مشكل مسائل النحو والصرف، إلا أن أبا العلاء لم يفعل هذا الأمر، وإنما كانت عنايته الأولى والأخيرة هي مسائل النحو والصرف واللغة، ولا أدري هل ذلك لأن لغة ابن أبي حصينة تستحق أن تدرس هذه الدراسة اللغوية النحوية، أو أن ذلك لسبب آخر؟

 

لهذا قررت دراسة المطبوع من شرح الديوان لأعرف كيف يكون حكم الشعراء على الشعراء في مسائل النحو واللغة؟ أيخالفون النحاة أم يتفقون وَهُمْ؟ ثم لأعرف بعد حال اللغة العربية نحوها وصرفها ومفرداتها وتراكيبها في أواخر العصر العباسي الثاني، لقياس التطور اللغوي في هذه المناحي، وشعر ابن أبي حصينة بعد قراءته جدير بتوضيح هذه المسألة.

 

وقد حرصت في تلك الدراسة من بعد الذي سبق على عدة أمور:

1- إذا كانت المسألة محل الدراسة من مسائل الخلاف أن أذكر ما يترتب على الخلاف من تجويز أمور متفرعة عنها أو منعها عند المجيزين والمانعين.

 

2- أن أذكر آراء النحاة في القياس على تلك المسألة إذا كانت من مسائل الخلاف، أو الاقتصار فيها على السماع، لإمكان الإفادة منها في تقديم مصكوكات لغوية حديثة إن صح التعبير.

 

3- أن أذكر الفرق في المعنى بين الأساليب التي اختلفوا فيها بين الإباحة والحظر، وذلك بتبيين رأي أصحاب المعاني فيها من البلاغيين والأدباء؛ لأن الأمر يعنيهم، كما أن كثيرًا من تلك المسائل بالتدقيق فيها يتضح أنها ليست من مسائل الخلاف، وأن كلًا جائزٌ، وفي كلٍ في المعنى فرق، وكما يقول ابن عبد ربه: "وأكثر مَا أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن، ولكنّ أصحاب اللغة لا يُنصفونهم، وربمَا غَلّطوا" عليهم، وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها".

 

4- إذا كان يترتب على المسألة خلاف في الأحكام الفقهية أذكره في الحاشية، لمعرفة فائدة دراسة اللغة في تبيين الأحكام الشرعية.

 

5- كنت أختم دراسة المسائل النحوية بالخروج بمجموعة من الأساليب التي هي صحيحة عند قوم من النحويين، وممتنعة عند آخرين، فأقول مثلًا: هذا الأسلوب جائز عند فلان من النحاة، ممتنع عند فلان، بعد أن أكون قد أوضحت حجة كلٍ، وقصدت من وراء هذا الخروج من المسألة محل الدراسة بمجموعة الأساليب الجائزة أو الممتنعة.

 

6- حرصت أكثر ما حرصت على معرفة رأي المحدثين في فهمهم لكلام القدماء في تفسير مسائل النحو والصرف، فراجعت آراءهم إن تيسر لي هذا، وكنت أقصد من وصل قديم النحو بحديثه، والاستفادة من الدراسات اللغوية الحديثة إن كان ثمة استفادة، ولذلك كنت أراجع ما ينشر في الدوريات المتخصصة، ودوريات المجامع اللغوية العربية، خاصة المجمع القاهري إن في أبحاثه المنشورة أو في مجموعة قراراته، التي يجيزها في مسائل اللغة أو يمنعها، وكنت أخضعها للدرس والبحث.

 

7- لم أنسَ أن أخفف من وطأة البحث النحوي بذكر مناسبة بيت أو مورد مثل أو قصة تاريخية، أو فائدة علمية في الحواشي.

 

8- حاولت ما استطعت أن يكون الحكم في المنع أو الجواز دقيقًا، فلذلك وسعت من مصادر البحث اللغوي، فاعتمدت على مصادر أصلية في الحكم على المسألة محل الخلاف، وهي كتب النحو مراعيًا فيها المنهج التاريخي، ومن بعد كتب النحو اعتمدت على المعاجم المختلفة وكتب التفسير، والسنة الشريفة، والمجموعات الشعرية والأمهات الأدبية، وكتب الفقه أحيانًا.

 

وبعد... فقد وقع البحث في مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة وفيها نتائج البحث، وأردفتها بالقوائم الفنية.

 

الباب الأول بين يدي الشاعر والشارح، وجاء في فصلين:

الفصل الأول: ترجمة ابن أبي حصينة وأبي العلاء المعري.

الفصل الثاني: المكانة اللغوية والنحوية لأبي العلاء المعري.

 

الباب الثاني، المسائل النحوية، وجاء في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في المفردات أو حروف المعاني.

الفصل الثاني: في التراكيب النحوية.

الفصل الثالث: في الضرورة الشعرية.

 

الباب الثالث المسائل الصرفية، وجاء في سبعة فصول:

الفصل الأول: في التوهم في التصريف.

الفصل الثاني: في حروف الزيادة.

الفصل الثالث: في جموع التكسير.

الفصل الرابع: في الإعلال والإبدال.

الفصل الخامس: في التقاء المثلين.

الفصل السادس: في النسب.

الفصل السابع: في المشتقات.

 

ثم الخاتمة، وفيها نتائج البحث.

 

وأخيرًا مجموعة القوائم الفنية، وهو قوائم القرآن الكريم، والقراءات القرآنية، والحديث الشريف، والأمثال وأقوال العرب والنماذج النحوية، وقائمة بأشعار ابن أبي حصينة وقائمة بالشواهد النحوية من الأشعار والأرجاز،، وأخرى للأعلام المترجم لهم في الحواشي، وقائمة بمراجع البحث، وشفعت ذلك كله بقائمة تفصيلية للبحث وأخرى إجمالية.

 

وقد راعيت في تقسيم البحث هكذا أن يكون على وفق ما جاء في شرح أبي العلاء المعري لديوان ابن أبي حصينة، ليكون أقرب إلى العمل الأصلي، ولم أخالفه إلا فيما تقتضيه منهجية البحث، فلذلك بدأت بعد ذكر ما يتعلق بصاحبي الديوان والشرح بذكر المفردات، أو حروف المعاني؛ لأنها بسيطة، وأتبعتها بذكر المركبات، والبسيط مقدم على المركب، أما ما يتعلق بالمفرادات والمركبات فقدمت منها في الذكر والدراسة ماتقدم في شرح الديوان، وفعلت ذلك فيما يخص فصل الضرورة الشعرية، وإن خالفت حينًا، إذا تبين لي وجاهة المخالفة، بحسب ما يقتضيه تقسيم دراسة مسائل الضرورة.

 

وفي الباب الثالث، باب المسائل الصرفية، حرصت على نفس طريقة التقسيم إلا ما تقتضيه منهجية البحث، فبدأت أولًا بذكر ما يتعلق بالتوهم في التصريف، لأنه كالمدخل لباب التصريف، ثم بذكر ما يتعلق بحروف الزيادة، لأنه كالمقدمة الطبيعية له، وسرت في باقي تقسيم الفصول على البدء بما ذكر أولًا في شرح أبي العلاء على الديوان.

 

وفي النهاية إن أنسَ لا أنسى أن أشكر مُشرفيِّ، فقد وجدت فيهما خير موجهٍ، مع تشجيع دائب، فأشكر أستاذي الأستاذ الدكتور إبراهيم الإسناوي على رحابة صدره، ونصحه وإرشاده، مع حرص على أن لا يُلْزمني برأيه إلا أن أهتدي إليه من واقع الدراسة.

 

أشكر أستاذي الأستاذ الدكتور مصطفى خليل خاطر أحد رائدي البحث النحوي المعاصر الذي شجعني على أن أمضي في طريق البحث، وإن أخطأت، مُعْلِمًا إياي أن الخطأ طريق للصواب إن خلا من التعنت والعناد، فكم أسررت له بخوفي من نتيجة دراستي لبعض مسائل النحو والصرف، فيُعْلُمُني ويُعَلِّمُني أني إن أخطأت فقد حاولت، وللمجتهد أجر.

 

والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخاتمة

اتضح من خلال ما سبق أن مسائل النحو كثيرة الخلاف، وقلما وجدت مسألة فيها من غير خلاف، وهو أمر طبعي بالنظر إلى ضخامة التراث الكلامي، وتنوع مصادر الاحتجاج المنثورة والمنظومة، واختلاف لهجات العرب اختلافًا بعيدًا أحيانًا، مع محاولة وضع قواعد جامعة تنتظم جميع هذه المصادر واللهجات، مما يؤدي ربما إلى شيء من التكلف والتأويل غير المقبول، والاحتجاج بعلل كانت مثار ضرب الأمثال في الضعف، حتى قالوا: أوهى من حجة نحوي [25]، وهذا أدى إلى أمور منها:

1- نظرًا لضخامة التراث المسموع من كلام العرب، ولاعتراف النحاة واللغويين بأن الاستقراء لم يكن كاملًا، فقد فات جامعي اللغة الأوائل شيء من الكلام الذي عليه توضع القواعد، مما يجعل الحكم بالندرة أو القلة أو الشذوذ قد لا يكون مستقيمًا دائمًا. وقد حاول اللغويون أن يقوموا بمحاولات لحصر ما حكموا عليه بالقلة، كما فعل ابن خالويه في كتابه (ليس في كلام العرب)، وهي وإن كانت منهم محاولات رائعة لكنها لم تكن دائمًا ناجحة، ويكفي أن يُنْظر فيما استدركه محقق (ليس) على ابن خالويه، أو ما استدركه غيره من القدماء والمحدثين في مختلف أبواب اللغة، إنْ في التركيبات، أو في المفردات بنية وصيغة، ومن هذا ما جاء هنا من استدراك في التركيبات بعضها من الحديث الشريف والآخر من النثر والشعر،كما في إسناد (رُبَّ) إلى الخبر المرفوع، مما رجح القول باسمية (رُبَّ) لا حرفيتها[26]، ومنها ما جاء من استدراكات في المفردات، فمن ناحية البنية أمكن استدراك الكثير من الأوزان في مبحث الإعلال خاصة في تصحيح نحو (استحوذ) [27]، واستدراك كثير من الصيغ في فصل جموع التكسير، كما في جمع فاعل في صفة المذكر العاقل على فواعل[28]، أو جمع الثلاثي المقصور على أفعلة[29] أوجمع فعيل على أفعال[30]، أو ما قالوه من الجمع على وزن (فُعَال) [31]. وقد اجتهد الأوائل أيما اجتهاد في حصر كلام العرب فيما وصلهم منه، وبنوا عليه أحكامًا من مثل الواجب أو الشاذ بالنظر إلى القلة أو الكثرة فيما وصلهم، وأصابوا من ذلك شيئًا عظيمًا أحيانًا، لكن يبقى دائمًا الحاكم الأعلى في وضع اللغة هو السماع.

 

وهنا اقتراح بتتبع ما حكموا عليه بالشذوذ لقلته لمراجعة هذا الحكم وإقرارهم عليه أو لتعديله، إن أمكن استدراك مايكفي من الكلام، وهو أمر ممكن اليوم بعد أن وصل إلينا من التراث الأول أكثره، وقد عُني به تحقيقًا، وتدقيقًا ومقارنة ودراسة، وأتيح اليوم من المعجمات ما لو أتيح لهم لربما تغير حكمهم، وصار بمُكْنة أحدنا اليوم أن يطلع على المعجمات القديمة والحديثة مضبوطة منقحة في وقت واحد، وأقترح هنا البدء بكتاب (ليس في كلام العرب) لابن خالويه، وهو العالم الذي أشاد به أبو العلاء كما لم يشد بغيره.

 

2- من الأمور التي جعلت البحث النحوي واللغوي أمرًا صعيبًا - وهو مما يتصل بالأمر الأول لاختلاف النظر في المسموع من كلام العرب - تنوع المدارس النحوية المختلفة ما بين بصرية، وكوفية، وبغدادية، وأندلسية، وشامية، ومصرية، ولكل منها أصوله التي تختلف شيئًا ما عن نظيرتها، مما جعل الحكم بالجواز أو المنع أمرًا شديد التعذر، وجعل المسألة الواحدة تحفل بالاختلاف، بله التناقض، فالمسألة الواحدة قد يقال فيها بالجواز المطلق والمنع المطلق، والجواز بشرط، والجواز في حال دون حال، وقد مر في البحث شيء من هذا، كما في مسألة دخول كاف التشبيه على الضمير[32] أوالخفض على الجوار[33]، ومنع المصروف[34] وصرف الممنوع[35].

 

3- والاختلاف بين النحويين لم يكن بين المدارس المختلفة فقط، بل كان في المدرسة الواحدة أحيانًا، فقد اختلفوا في النظر إلى ما خالف مجموع الكلام الوارد، فالبعض يرد الكلام وينكره إذا لم يتفق ومقاييسه، كالمبرد، وقد سبق بيان رأيه في مسائل كـ (كوقوع الضمير المتصل بعد (لولا))[36] و(منع المصروف من الصرف)[37]، واتضح كيف كان ينكر الروايات لا لشيء إلا لأنها لا تتفق ومقاييس النحو.

 

أما من لم ينكر الرواية فقد يؤول الكلام تأويلًا فيه تكلف أحيانًا، كما هو شأن عامة نحويِّ المذهب البصري، ومن هذا ما جاء في مسألة (رب بين الإسمية والحرفية) [38] أو (إضافة الموصوف إلى الصفة)[39] أو (الخفض على الجوار) [40].

 

والبعض الآخر يحفل بما ورد مخالفًا، ويقيم عليه قاعدة احتجاجًا باحترام كل ما ورد عن العرب، كما هو شأن عامة نحوي المذهب الكوفي، وبعضهم يرى أن العرب قصدوا المخالفة لحكمة وغاية، ومن ثم فإنه يجتهد الاجتهاد كله في تخريج هذا (الغلط)، وإن كان في تخريجهم بُعْد، وأبو هذا المذهب هو ابن جني الذي آمن بعبقرية العربية إن صح التعبير، فكان يخرج ويؤول، ويدافع. وهذا يفسر قول ابن هشام اللخمي: أنحى الناس من لم يلحن أحدًا.

 

4- والخلاف بين النحويين أنفسهم كالخلاف بين النحويين والبلاغيين، فأدلة النحو عند النحويين ثلاثة، النقل والقياس واستصحاب الأصل[41]، ولا شيء آخر، أما البلاغيون فيتمسكون بأصل رابع، هو الطبع والذوق، وهو الأمر الذي تمسك به أبو العلاء [42] فكان يجيز ويمنع أحيانًا؛ لأنه مستحسن في الطبع أو مسترذل قبيح، وإن خالف كلام النحاة، وها هو ذا ابن الأثير يقول "ونحن في استعمال ما نستعمله من الألفاظ واقفون مع الحسن لا مع الجواز. وهذا كله يرجع إلى حاكم الذوق السليم، فإن صاحب هذه الصناعة يصرف الألفاظ بضروب التصريف، فما عذب في فمه منها استعمله، وما لفظه فمه تركه " [43].

 

وهذا من ابن الأثير ليس مرضيًا على إطلاقه، فالبلاغة يطلب فيها صحة الكلام كما يطلب فيها الفصاحة، وفي التراث العربي عالم نحوي بلاغي وصل بين النحو والبلاغة في واحد من أعظم كتب التراث العربي، كتاب (دلائل الإعجاز)، وقد وضح فيه كيف أنه " ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت، فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك، فلا تخل بشيء منها. وذلك أنا لا نعلم شيئًا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه، فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراها في قولك: زيد منطلق، وزيد ينطلق وينطلق زيد، ومنطلق زيد وزيد المنطلق، والمنطلق زيد، وزيد هو المنطلق وزيد هو منطلق. وفي الشرط والجزاء إلى الوجوه التي تراها في قولك: إن تخرج أخرج، وإن خرجت خرجت، وإن تخرج فأنا خارج، وأنا خارج إن خرجت، وأنا إن خرجت خارج. وفي الحال إلى الوجوه التي تراها في قولك: جاءني زيد مسرعًا، وجاءني يسرع وجاءني وهو مسرع، أو هو يسرع، وجاءني قد أسرع، وجاءني وقد أسرع. فيعرف لكل من ذلك موضعه، ويجيء به حيث ينبغي له. وينظر في الحروف التي تشترك في معنى ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصية في ذلك المعنى، فيضع كلًا من ذلك في خاص معناه، نحو أن يجيء بـ(ما) في نفي الحال وبـ (لا) إذا أراد نفي الاستقبال، وبـ (إن) فيما يترجح بين أن يكون وأن لا يكون، وبـ (إذا) فيما علم أنه كائن. وينظر في الجُمَل التي تسرد، فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل، ثم يعرف فيما حقه الوصل موضع الواو من موضع الفاء، وموضع الفاء من موضع ثم وموضع أو، وموضع لكن من موضع بل. ويتصرف في التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير في الكلام كله، وفي الحذف والتكرار، والإضمار والإظهار، فيضع كلا من ذلك مكانه، ويستعمله على الصحة، وعلى ما ينبغي له.

 

هذا هو السبيل، فلست بواجد شيئًا يرجع صوابه إن كان صوابًا، وخطؤه إن كان خطأ إلى النظم، ويدخل تحت هذا الاسم، إلا وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه، ووضع في حقه، أو عومل بخلاف هذه المعاملة، فأزيل عن موضعه، واستعمل في غير ما ينبغي له، فلا ترى كلامًا قد وصف بصحة نظم أو فساده، أو وصف بمزية وفضل فيه، إلا وأنت تجد مرجع تلك الصحة، وذلك الفساد، وتلك المزية، وذلك الفضل إلى معاني النحو وأحكامه، ووجدته يدخل في أصل من أصوله، ويتصل بباب من أبوابه [44].

 

ويقول: "حال الكلم في ضم بعضها إلى بعض، وفي تخير المواقع لها حال خيوط الإبريسم سواء، ورأيت كلامه كلام من لا يعلم أنه لا يكون الضم فيها ضمًا، ولا الموقع موقعًا حتى يكون قد توخى فيها معاني النحو، وأنك إن عمدت إلى ألفاظ فجعلت تتبع بعضها بعضًا من غير أن تتوخى فيها معاني النحو لم تكن صنعت شيئًا تدعى به مؤلفًا، وتشبه معه بمن عمل نسجًا، أو صنع على الجملة صنيعًا، ولم يتصور أن تكون قد تخيرت لها المواقع [45]. ويقول الزمخشري عن علاقة النحو بالبلاغة: "وهو المرقاة المنصوبة إلى علم البيان المطلع على نكت نظم القرآن الكافل بإبراز محاسنه الموكل بإثارة معادنه فالصاد عنه كالساد لطرق الخير كيلا تسلك والمريد بموارده أن تعاف وتترك" [46].

 

5- وقد اتضح من خلال ما سبق أن أبا العلاء لم يكن نحويًا، وإن كان عالمًا بالنحو، وهذا ربما يفسر متابعته للنحاة في كثير من الآراء؛ لأن غرضه كان تقويم النص، بذكر مايجوز فيه أو يمتنع، وهذا يكون غالبًا بذكر آراء النحويين.

 

6- يمكن أن يقال إن الخلاف بين الشعراء والنحاة ليس بالخلاف المستحكم الذي صُوِّر في كتب الأدب، ويمكن التلاقي بينهما إلا في مسائل قليلة، وساعد على هذا الحكم أن شاعرًا في قامة أبي العلاء حين حكم على شاعر آخر هو ابن أبي حصينة بقواعد النحويين لم يكد يخالف النحاة في شيء مما قالوا إلا فيما يقتضيه الذوق والطبع.

 

7- وافق أبو العلاء النحاة في الكثير مما قالوه من مسائل الضرورة الشعرية، مع أنه قد اتضح من خلال الدراسة السابقة أن أكثر ما صنفوه على أنه من الضرورة لم يكن متجهًا دائمًا، إما لأنه ورد في القراءات القرآنية، أو لورده في لهجة من لهجات العرب، أو لوروده في النثر، ويكاد يكون باب الضرورة ومسائله المبثوثة في كتب النحو من هذا القبيل، ويبدو أنه لا يصح من مسائل الضرورة إلا ما ألجأ إليه الوزن، كتغيير الأسماء في الشعر.

 

وموافقة أبي العلاء للنحويين في هذا الأمر تبدو طبيعية، بالنظر إلى أنه شاعر، أعطى له النحاة كما لغيره من الشعراء رخصة. فاتضح أن مسائل الضرورة من مسائل الاتفاق بين النحويين والشعراء، وأنى لهم الاختلاف وقد صفا ودهم في هذه المسألة؟

 

8- مما يساعد على ترجيح بعض المسائل الخلافية النظر إلى الفروق في المعاني بين بعض الأساليب التي حكم النحاة بمنعها؛ لأنها لا تتفق وقواعد النحويين، وهي جائزة لا يمنع منها مانع إلا القياس النحوي، فينبغي لهذا جوازها؛ لأنها عند أصحاب المعاني جائزة، بل رائقة، مع ورودها عن العرب، ظهر هذا من خلال الخلاف بين النحويين وأصحاب المعاني في الوصف بالمصدر، ونحو: (رجل دنِف) و(قوم مرضيون) بالصفة الصريحة لا يدل علي ما يدل عليه: (رجل دَنَف) و(قوم رضا) بالوصف بالمصدر، وعلي هذا فإن (رجل دنِف) أقوي إعرابًا، و(رجل دَنََف) أقوي معني، كما يقول ابن جني [47]، واتضح أيضًا في هذه المسألة خلافٌ ما بين النحويين والبلاغيين، انتصر فيه الإمام عبد القاهر قبلة أصحاب المعاني، وإمام النحويين لأصحاب المعاني. وقد رد الإمام عبد القاهر قولهم في إنه على حذف مضاف بأنه "ليس بالوجه أن يعد هذا على الإطلاق مما حذف منه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه"[48].

 

والأمر الذي يقال في الوصف بالمصدر يقال أيضًا في ترجيح العطف على النصب في المفعول معه، فالمعنى في العطف ليس هو المعنى في النصب، وكذلك يقال في إضافة الموصوف إلى الصفة، كما سبق بيانه، ويقال في حذف أن المصدرية وبقاء عملها النصب في المضارع، فجواز الحذف يكاد يكون متفقًا عليه، أما بقاء العمل فمختلف فيه، والراجح أن المعنى مع الحذف وبقاء العمل، ليس هو مع الحذف والرفع.

 

9- وكما أن الدرس البلاغي ينبغي أن يكون جزءً من الدرس النحوي، فكذلك الدرس الصوتي، والفصل بينهما مُضرُّ، ظهر هذا من خلال مسائل كتعليل النحاة لقلة دخول النون في (لعل)، وقلب الياء واوًا إذا وقعت لامًا لـ(فَعْلَى) صفة لا اسمًا، واتضح من خلال الدرس الصوتي مع تحكيم كلام العرب في هذه المسألة أن الراجح هو مذهب المازني وابن مالك من أن القلب فيما كان بهذه الصفة ليس واجبًا إن لم يكن أصلًا شاذًا. أيضًا ظهرت أهمية الدرس الصوتي في مسائل كقلب الواو والياء ألفًا، واتضح منه أن هذا القلب ليس واجبًا، بل هو كثير، بشروط مخصوصة، كما اتضحت أيضًا أهمية الدرس الصوتي في مسائل (كزيادة الياء وحذفها في الجمع)، وكذلك الإشباع في ضرورة الشعر، وقطع ألف الوصل، ووصل ألف القطع، وقصر الممدود، وصرف الممنوع، ومنع المصروف.

 

10- إذا كان ممكنًا أخذ شعر ابن أبي حصينة مقياسًا لمعرفة ما طرأ على العربية من تطور في الأساليب والصيغ في أواخر العصر العباسي، فسيتضح أن العربية حافظت على صورتها في القواعد والتراكيب، لا في أعين المفردات المستعملة في عصور الاحتجاج، فالمفردات قد يقل استخدامها في عصر ويشيع استخدام مفردات أُخَر، تجري هي الأخرى على قواعد العربية، أما الأساليب والتراكيب، فقد حافظت على صورتها الصحيحة، اللهم إلا ما يقتضيه التطور الطبيعي من استخدام ألفاظ غير عربية، وإخضاعها لقوانين العربية بطريقة أو أخرى، وقد جرى ابن حصينة على ماعرف في شعر عصور الاحتجاج، ولم يخرج عنه في لغته وتراكيبه النحوية، حتى أنه لم يرد في شعره من مسائل الضرورة التي أصَّلها النحاة شيء مخالف، مع أن مسائل الضرورة هي مظانُّ التطور عند الشعراء بتوالي الأزمنة، سواء أكان تطورًا بطيئًا أم متلاحقًا، وهذا يدل على أن الشعر في تلك الفترة مع تطوره في الأساليب الفنية تطورًا كبيرًا عن صورته في عصور الاحتجاج، حافظ بوعي على السلامة اللغوية، وذلك لم يمنعهم في تلك الفترة، من إتاحة شيء من الحرية في التصرف في بعض مفردات العربية بالاشتقاق منها على الطريقة العربية، وإن كان الوارد فيها عن العرب بخلاف تصرفهم، ومن هذا تصرف ابن أبي حصينة في الاشتقاق من (الميلاد) فعلًا، فقال: (ملَّدوا) مع أن هذا الاستعمال لم يرد عن العرب، ومن هذا أيضًا اشتقاقه من لفظة (الريف) فعلًا، فقال: (ارتافوا)، ولم يرد عن العرب اشتقاقه بهذه الطريقة، ويلاحظ أن أبا العلاء قد أقر ابن أبي حصينة في هذا التصرف اللغوي، فلم يتعرض له بإنكار، وكأن أبا العلاء لكونه شاعرًا قبل أن يكون عالمًا بالنحو يرى أن من حق الشعراء أن يتصرفوا في المفردات إن هي جرت على سنن العربية وقوانينها، وقد صرح بهذا في مسألة مخالفة اشتقاق اسم المفعول لما يجب له، فقال لما أتى ابن أبي حصينة باسم المفعول على (مدنوس)، والقياس النحوي: (مُدَنَّس): "و(مدنوس) غير مستعمل ولكنه يجوز حملًا على القياس، كما يقال: (عرق مدخول) و(مكان موبوء)"[49].

 

ومما تطور في التراكيب استعمال همزة الاستفهام مع (أم) المعادلة، فقد تطور هذا الأسلوب الآن بطريقتين، الأولى حذف همزة الاستفهام أصلًا، مع بقاء (أم) المعادلة في العطف، الثانية، استخدام (هل) في الاستفهام، مع (أم) المعادلة، حتى صارت (هل) في الاستخدام المعاصر كأنها أصل أدوات الاستفهام، واستخدمت مع (أم) للمعادلة بين اثنين، وقل جدًا استخدام (الهمزة، و(أم)، وإن كان ذاك هو الأسلوب الفصيح.

 

ثبت البحث الإجمالىُّ

الإهداء

 

شكر وتقدير

 

المقدمة

أ - د

الباب الأول: (بين يدي الشاعر والشارح)

1- 49

الفصل الأول: (ترجمة الشاعر والشارح)

2- 13

الفصل الثانى: (مكانة أبى العلاء اللغوية والنحوية)

15- 49

الباب الثاني: المسائل النحوية

50 - 293

الفصل الأول: في المفردات أو حروف المعاني

51 - 112

الفصل الثاني: في التراكيب النحوية

113- 208

الفصل الثالث في الضرورة الشعرية

207- 298

الباب الثالث: المسائل الصرفية

293- 454

الفصل الأول: التوهم في التصريف

295 - 311

الفصل الثاني: في حروف الزيادة

312 - 320

الفصل الثالث: في جموع التكسير

321 - 367

الفصل الرابع: في الإعلال والإبدال

368 -409

الفصل الخامس: في التقاء المثلين

410- 419

الفصل السادس: في النسب

420 - 433

الفصل السابع: في المشتقات

434- 454

خاتمة البحث. وفيها النتائج

456-363

ملاحق البحث

463-545



[1] العقد الفريد 5/ 269.

[2] سورة الطور، من الآية: 30.

[3] العقد الفريد 5/ 273.

[4] العقد الفريد 5/ 281.

[5] الإتقان للسيوطي 1 / 119.

[6] العقد الفريد 5/ 274.

[7] السابق نفسه 5/ 274.

[8] العقد الفريد4/ 175.

[9] سورة سبأ، من الآية: 19.

[10] الحلل في شرح أبيات الجمل صـ 82، 83.

[11] الشعر والشعراء صـ 24.

[12] العقد الفريد5/ 362.

[13] سر الفصاحة صـ 82.

[14] الصاحبي صـ 469، 470.

[15] منهاج البلغاء صـ 256.

[16] الوساطة بين المتنبي وخصومه صـ 4.

[17] الوساطة صـ 8.

[18] العقد الفريد 5/ 390.

[19] الشعر والشعراء صـ 21.

[20] تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون 1 / 573.

[21] الكامل للمبرد 1/ 35.

[22] الشعر والشعراء صـ 10، 11.

[23] يتيمة الدهر 3/ 464.

[24] تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون 1 / 583.

[25] هذا من قول العرجي: ترنو بطرف فاتر فاتن أضعف من حجة نحوي انظر: يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر 3/ 469، والبداية والنهاية لابن كثير 11/ 385.

[26] هذا من قول العرجي: ترنو بطرف فاتر فاتن أضعف من حجة نحوي انظر: يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر 3/ 469، والبداية والنهاية لابن كثير 11/ 385.

[27] راجع البحث صـ377 - 387.

[28] راجع البحث صـ 332- 342

[29] راجع البحث صـ 343 - 346.

[30] راجع البحث صـ 347 -350

[31] راجع البحث صـ 357 - 363.

[32] راجع من البحث صـ 59 - 70.

[33] راجع من البحث صـ 182 -197.

[34] راجع من البحث صـ 235 - 236.

[35] راجع من البحث صـ 237 - 247

[36] راجع من البحث صـ94 - 101.

[37] راجع من البحث صـ 235 - 236.

[38] راجع صـ من البحث 71- 84.

[39] راجع صـ من البحث 161 - 167.

[40] راجع صـ من البحث 182 -197.

[41] انظر: لمع الأدلة صـ 81.

[42] راجع من البحث صـ 34.

[43] المثل الثائر 1/ 280 بتصرف يسير.

[44] دلائل الإعجاز صـ 81 - 83.

[45] دلائل الإعجاز صـ370.

[46] مقدمة المفصل.

[47] انظر: الخصائص 3/ 262، 263.

[48] دلائل الإعجاز صـ301، وانظر: المقتصد 1/ 245.

[49] شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 48.





 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات


مختارات من الشبكة

  • مخطوطة المسائل البهية الزكية على المسائل الاثني عشرية (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المسائل البهية الزكية على المسائل الاثني عشرية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • المسائل النحوية والصرفية في كتاب الإعلام بفوائد عمدة الأحكام(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • موقف شراح الحديث من مسألة الاستشهاد بالحديث على المسائل النحوية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • أصول المسائل الصرفية لصلاح بن عبدالله بو جليع(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • محاضرتان بعنوان: مسائل الإيمان والقدر، ومسائل الصفات في فتح الباري، ومنهج الأشاعرة فيها(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مسألة تكفير المعين من المسائل التي لا يحكم فيها على شخص إلا أهل العلم(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • مخطوطة أربعون مسألة من المسائل المشكلة في القراءات(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • سيبويه وبعض مسائل المعاملات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • موقف أبي حيان من الاستشهاد بالحديث النبوي في المسائل النحوية من خلال تفسيره البحر المحيط (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أول إفطار جماعي في رمضان في هونغ كونغ منذ 2019
  • مسلمو مدينة سينسيناتي يوزعون 30 ألف وجبة إفطار خلال رمضان
  • افتتاح أكبر مسجد بجنوب داغستان
  • مؤتمر عن "أثر الصيام في حياة الإنسان" في ألبانيا
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/9/1444هـ - الساعة: 9:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب