زوجي يهملني فكيف أتعامل معه؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

بداية لقد تألَّمت لحالك، وأحزنني رثاؤك لمشاعرك التي دُفنت بين أكوام الروتين والواجب والعمل والملل، لكن الله سبحانه سيبعث لك غيثًا يغيث قلبك بإذن الله، فهو الرحمن الرحيم الذي جعل محلَّ نظره القلب، فلن يترك قلبًا معلقًا به مثل قلبك حزينًا بإذن الله.

مشكلتك يا حبيبتي صارت بلاءً منتشرًا بين جميع البيوت والعلاقات، فنحن في مرحلة الصدمة، منا مَن هو مصدوم بالواقع المتطور جدًّا دون ركيزة وعي أو إنذار، ولأن الرفاهية صارت إلزامية إجبارية على الغني والفقير، أصبح العائل يعمل ويتعب ولا يكفي أسرته، ففقد الوقت والرغبة والشغف بالحياة، وانعكس هذا على من حوله.

أنت حاولتِ حلَّ مشكلتك بطرق ممتازة كالدعاء والإنابة لله، وكذلك مناقشة زوجك فيما تحتاجين إليه، وهو مقصِّر فيه، وأنا لستُ ناكرةً ما تتعرَّضين له من ضغط نفسي، وشعور بالغربة والوحدة، وتطابق الأيام كأنها نسخة واحدة؛ مما يجعل الشحوب يمتد إلى الروح والوجه.

أعترف بكل ما تعانينه، وكل ما يجعل الساعات شوكًا يخز القلبَ، ثم تنتظرين عودة زوجك ليذهب الشحوب ويتساقط الشوك، فلا تجدينه إلا غير منتبه لنزيف قلبك، وإن واجهتِه فإنه لا يرى نفسه مقصرًا.

والآن تستشيريني في الطلاق، بكل صدق وبكل صراحة أرفُض تمامًا هذه الخطوة، لأسباب كثيرة، أولها وأهمها أن لك أولادًا ربما يحرمونك من الزواج بآخر، وعاطفتك لن تسمح لك، ولو أن احتياجك للزواج كان أقوى وتزوَّجت، فلن يتحملهم هذا الزوج مدى الدهر، وغالبًا سيكون هو أيضًا عنده أولاد يحتاجون رعاية.

ثاني أسباب رفضي للطلاق وأُعيذك أن تكوني غافلة، هو التقصير في شكر النعمة، أصل مشكلتك الفراغ وأنك تعلقين فرحتك وحياتك وشغف قلبك على زوجك، وهو إنسان ضعيف مثلك، ربما لا يملِك أداة التعبير عن حبه لك وشوقه إليك، تخيَّلي معي لو أنه لا يعمل، وأنت تضطرين للعمل لتغطية حاجتكم، هل ستعودين من العمل على أتم استعداد للمرح والسعادة والحديث مع زوجك؟ تخيَّلي معي لو أنه مريض وترك لك أمرَ تدبير شؤون الأولاد والبيت كاملًا، تخيلي معي لو أنكم لا تنعمون بالأمان، وكلما خرَج كان المتوقع أنه لن يعود حفِظه الله لكم! يا حبيبة، انظري إلى ما أحاطك الله به من نعم، وأكثري شكره يزدْك.

إن أحببتِ نِعمَه عوَّضك ما تفتقدينه برحمته، زوجك مسؤول، محب لأولاده، يكفي بيته، قصَّر في واجب من واجباته، فعليك بالصبر والتقويم، الطلاق في حالتك لن يعوِّض النقص الذي تشعرين به، بل ربما يصنع وَحدة وعزلة أشد مما أنت فيها.

أما عن تركه غرفتَه أحيانًا والنوم مع الأولاد، فهذه أمور عارضة، ربما هو فيه من الهموم ما يخفيه عنك، أو ربما لم يقصد جرحك أو تَجاهُلك، في العموم نحن نُحسن الظن به وبك، أُناشدك الصبر والدعاء، ثم الأخذ بهذه الأسباب:

♦ غيِّري ترتيب بيتك، وغيِّري هيئتك، اشتري عطرًا جديدًا، وبعض الملابس والمساحيق، وليكن في قلبك أن ذلك لك أولًا؛ لتشعري بتجديد في حياتك، ثم له ولجذب انتباهه ثانيًا.

♦ هيئي لنفسك صحبة صالحة من أربع نساء على الأقل قريبات من عمرك، سواء من المسجد أو الحي، أو مواقع التواصل، وشارِكيهن اهتمامك وافرحنْ معًا، وخطِّطن لحياة ناجحة فيها حياة وتجديد وسعادة.

♦ نَمِّي موهبة الشعر والإلقاء عندك، اكتُبي ونقِّحي، وتابعي أهل اللغة، واستغلي موهبتك في تعليم أولادك النظم والإلقاء.

♦ ضعي لنفسك برنامجًا شهريًّا لزيارة أهلك على الأقل، تقضين معهم يومين تتبادلون الأخبار.

♦ اخرُجي من هذه الدائرة التي تعيشين فيها، وَحدة، وقلب ثائر، وزوج مشغول.

♦ ضعي برنامجًا لحفظ القرآن الكريم، وهناك مواقع كثيرة تساعد على ذلك.

♦ اصبري واطرُدي هاجسَ الطلاق هذا من رأسك، فرغم تقديري لما تشعُرين به مِن همٍّ ووَحدة، فإن عاقبة الطلاق ربما تكون أسوأ.

♦ لا تجعلي للشيطان سلطانًا عليك، ليس معنى تقصير زوجك في ملاطفتك أن تتحدثي مع أجنبي، كم من مؤمنة مات زوجها وعاشت لتربي أولادَها، فجعلهم الله أنسَ قلبها وذُخرَ أيامها.

♦ اهتمِّي بأولادك، وخاصة أنك صاحبة دين، حفِّظيهم القرآن والحديث، وخُذي من معين حبهم زادًا يرتوي منه قلبك.

♦ أخيرًا لا تَستسلمي، وأكثِري من الحديث مع زوجك، ابتعدي عن اللوم والعتاب، واجعلي البساطة والهدوء هما الغالبين على حديثك، وسيعود كما كان بحول الله، وتذكَّري أن نفسك من نفسه، تحتاج للدفء والحديث العذب، لكنه مشغولٌ بالعمل، اصبري ولن يَخذلك الله: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].