• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في ساحة المعركة
    د. محمد منير الجنباز
  •  
    لوط عليه السلام
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الصحيفة الجامعة فيما وقع من الزلازل (WORD)
    بكر البعداني
  •  
    شرح البيقونية للشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المؤثرون المسلمون والمنابر الإلكترونية معترك
    عبدالمنعم أديب
  •  
    مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر ...
    رانيه محمد علي الكينعي
  •  
    الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي سيوطي العصر
    د. ماجد محمد الوبيران
  •  
    سفرة الزاد لسفرة الجهاد لشهاب الدين الألوسي
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    غزوة بدر
    د. محمد منير الجنباز
  •  
    محيي الدين القضماني المربِّي الصالح، والعابد ...
    أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
  •  
    إبراهيم عليه السلام (5)
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    سفراء النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مواقف من إعارة الكتب
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    رسالة في المطلق والمقيد للشيخ محمد حسنين مخلوف
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    خرافة النباتية لليير كيث
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    كتاب: "مفاهيم قرآنية في البناء والتنمية"... في ...
    فضل محمد البرح
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / إدارة واقتصاد
علامة باركود

الإسلام ومشكلات النظام الزراعي (وضع السودان ومشكلاته الزراعية نموذجا)

الإسلام ومشكلات النظام الزراعي (وضع السودان ومشكلاته الزراعية نموذجا)
د. يوسف حسن سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/12/2015 ميلادي - 17/3/1437 هجري

الزيارات: 11251

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإسلام ومشكلات النظام الزراعي

(وضع السودان ومشكلاته الزراعية نموذجا)


(أ) تقديم:

لعل أول خاطر يتبادر إلى الذهن عند سماع مثل هذا العنوان هو: وما للإسلام (أو الدين) والمشاكل الزراعية؟!! فهي تتعلق بمسائل طبيعية مثل التربة والمناخ، وتتألف من عناصر أولية مثل التقاوي والسماد والماء - الذي يرفع بالآلات أو ينزل من السماء - ويدخل في أنشطتها أعمال عادية كاختيار السلالات الحيوانية الأصيلة أو المحسنة والقيام على علفها وترتبيها، وشتى أنواع الفواكه كالنخيل وما يتعلق بغرسه وعزقه وتنظيفه ثم تلقيحه وحصده وحفظ ثمره لحين الحاجة إليه اتقاء الشح في مصادر الغذاء أو درءً للمجاعات. وهذه أشياء يقوم بها الإنسان بفطرته وحسب حاجته ومعرفته سواء كان في مجتمع مسلم أو غيره. أولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال، عندما سئل عن تأبير النخل "أنتم أدرى بشؤون دنياكم".


وهذا هو عين المثال الذي درج على أن يضربه لنا بعض المناوئين للدعوة الإسلامية الحديثة منذ وقت طويل وقد طالعتنا بها كتبهم ومقالاتهم وأحاديثهم واصطدمنا بها في مطلع شبابنا قبل ثلاثين عاما[1] عندما بدأت أعين بعض الشباب المؤمن تتفتح على بصيص من نور الصحوة الإسلامية وأخذوا يتحسسون خطاهم نحوه في ظلام دامس، ولقد كان من شأن مثل تلك الأقوال أن تثبط بعض الهمم وتدخل في بعض النفوس كثيرا من الحيرة والبلبلة.


وعليه فليس غريباً أن يطرأ للذهن، ولأول وهلة مثل هذه الهواجس التي تضطرنا للوقوف حيال هذا الموضوع وقفة فيها كثير من التروي والتمعن.


ولكن سرعان ما تبدد العيون عندما يتفكر المرء في الأمر ملياً ويتأمله في شيء من التعمق.


فعند ذلك تجد أنه قد انبلجت في وجهك آفاق مشرقة من ميادين المعرفة وتفتحت بين يديك سبل شتى من مسالك البحث وطرائقه. ومن ثم تصبح المشكلة الرئيسية التي يتعين عليك أن تواجهها هي الاجتهاد في كيفية لم شعثها وجمع شواردها وتوجيهها نحو الغاية المرجوة.

 

وضع السودان ومشكلاته الزراعية في الإطار العام المتقدم:

بما أن الموضوع الذي نحن بصدده هنا متشعب ومعرض إلى إثارة مسائل مبدئية وأساسية كالتي استهلت بها هذه الورقة فمن الصعب معالجته معالجة تقليدية ولذلك لم تكن هنالك مندوحة مما يشبه الاستطراد وعلى ذلك فإن الغرض الرئيسي من الفقرات المتقدمة كان التوكيد على أن للإسلام شأنا كبيرا بالمسائل العمرانية وبالتالي بالسياسة الاقتصادية ومن ثم بالسياسة الزراعية ومشاكلها كما يدل على ذلك المحتوى الفكري والروحي للإسلام وكما تشهد بواقعية الأبحاث التاريخية الحديثة عندما تقوم بالميزان السليم.


وقد بقى الآن أن نركز الضوء على السودان لكي يحتل محله من الإطار العام المتقدم، ثم نحصر البحث بعد ذلك فنوجهه إلى معالجة بعض المشكلات البارزة التي تكتنف نظامنا الزراعي، وفق الأسلوب الإسلامي، بعون الله تعالى.


وتطبيقاً للمنهج الذي سار عليه النقاش المتقدم فإن تحقيق هذا الهدف تحقيقا تاما كان يقتضي الرجوع إلى تاريخ السودان الحديث منذ نشأة الدولة الإسلامية على ربوعه (عام 1504 - 910هـ) عندما أجهز الحلف العربي الفونجي على دولة علوة المسيحية بقيادة شيخ عبدالله جماع وأنشئت كل من مملكة الفونج ومشيخة العبدلاب على أنقاض الدولتين النوبيتين المسيحيتين: علوة والمقرة، وإلى اليوم. وإذا ما أتيح لنا أن نستعرض ذلك التاريخ استعراضا دقيقا ومفصلا لعناصر النشاط الاقتصادي المختلفة وتطوراتها، لأمكننا كشف الجذور الإسلامية الصرفة لتراثنا الحاضر، ولما يزناها مما امتصته من بعض الأعراف والممارسات (والتقنيات) المحلية ولأمكننا حينئذ تتبع نموها وتطورها لمدة تزيد على ثلاثة قرون، وذلك قبل أن تداخلها بعض المؤثرات الخارجية القوية التي شابتها منذ التركية السابقة في القرن التاسع عشر ثم امتزجت بها وكادت تغرقها عندما تبلورت السياسة الزراعية البريطانية منذ أول القرن العشرين وإلى ما بعد الاستقلال بمنتصف الخمسينيات وهي السياسة التي ذكرنا فيما تقدم أنها توجت بإنشاء مشروع الجزيرة العظيم[2] والتي كونت لنا تراثا جديدا جعل من الصعب تمييز العناصر الإسلامية من غيرها عندما تقوم بالوصف التحليلي للوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن بهدف الوصول إلى تشخيص الأدواء التي تعاني منها ووصف الدواء الإسلامي الذي نعتقد أنه سيشفيه إن شاء الله.


غير أن تاريخ السودان الاقتصادي كله وخاصة من تلك الحقبة الأساسية، لا يزال أرضا بكرا - إن لم أقل مهملة - يحتاج لبحث علمي دقيق مضن حقا حتى نكشف عناصره كلها أو أغلبها وعلى ذلك فلا توجد لدينا الآن - للأسف - إلا شذرات بسيطة لا تكاد تسمن أو تغني من جوع لإيجاد حل جذري للقضايا العلمية المجردة التي تؤسس عليها معرفة حقيقية للمعلومات والمتغيرات الأساسية وكشف العلاقة فيما بين هذه المتغيرات وحتى نبني نموذجا معقولا، يصلح للوصف والتحليل ومن ثم للتنبؤ بالنتائج التي تقود إليها المعلومات أو وصف العلاج للمشاكل.


هذا، وحتى عندما توجد هذه النتف من المعلومات الاقتصادية نجدها مدفونة في خضم التاريخ السياسي لأن معالجتها لا ترد في الغالب إلا في سياق الدراسات العامة الموجهة أصلا إلى سرد الوقائع السياسية ولذلك فإن القدر المتاح من المعلومات الاقتصادية لا يشكل غير الحد الأدنى مما يتطلبه مثل هذا البحث.


وعليه فلا نستطيع في هذه العجالة أن نتقدم إلا بلمحة خاطفة نتوخى بها ربط الموضوع بصفة مؤقتة ريثما يهيئ الله من يقوم بهذه الدراسات المطلوبة.


ولعل أفضل مصدر نعتمد عليه في الوقت الضيق المتاح لهذا الغرض هو الدراسة الجيدة التي نال بها الأستاذ محمد صالح محيي الدين إجازة الماجستير[3] وقد استطاع فيها أن يضع الأمور في نصابها بالنسبة لمسألة هامة في تاريخ السودان طالما أساء فهمها الكتاب والمعلقون والرحالة الأجانب وخلطوا فيها خلطا مشينا ألا وهي مكانة مشيخة العبدلاب في التاريخ السياسي والثقافي للسودان والدور الذي لعبته في توطيد أركان اللغة العربية والدين الإسلامي في هذه البلاد، وبذلك وضعت هذه الدراسة الإطار العام الملائم الذي يمكن من خلاله الوصول إلى الأسلوب الأمثل لبحث التطورات الاقتصادية خاصة في ارتباطها بالشريعة الإسلامية الغراء والتي لا شك أنها كانت هي مصدر التشريع والإدارة وبالتالي كانت هي المحور الذي كانت تدور في فلكه السياسة الاقتصادية بجميع وجوهها. غير أن غاية ما نصبو إليه الآن هو الاقتصار على هذا المصدر الوحيد للاستئناس بطرف يسير من المسائل الاقتصادية التي تهمنا بالنسبة لتلك الحقبة حتى نخلص للوضع الذي نواجهه اليوم ولنتمكن من أن نفتح الباب مرة أخرى للاستفادة مما تقدمه الشريعة الإسلامية لعلاج مشاكلنا حتى يستأنف مجتمعنا المسيرة الإيمانية بإذن الله تعالى.


فمن ضمن استعراض هذا المؤلف للنظام المالي لمشيخة العبدلاب - ورغم الاقتضاب الشديد الذي وردت به - نلاحظ مجموعتين من التعابير التي نجد لها أهمية خاصة بالنسبة لهذا البحث[4].


أما المجموعة الأولى فتشمل التعابير العربية الشرعية للموارد المالية للدولة مثل: الخراج، الذي كان يدفعه مالك الأرض بسبب ملكيته لها، والزكوات المختلفة، مثل زكاة الفطر، وزكاة الأموال كالتجارة والماشية والتي كانت تتحصلها الدولة وعمالها، وبيت المال، الذي كانت تحصل فيه الضرائب المختلفة وتوزع منه على مستحقيها.


وأما المجموعة الثانية فهي التعابير الدارجية وبعض الألفاظ العربية التي اختلطت بالعامية السودانية والتي أصبحت ضمن تقاليد مجتمعنا ولغتهم حتى اليوم، وذلك مثل: "الكليفة" و"العادة" و"العانة" و"العلوف" و"السبع" و"خدمة العرب"[5].


وكل هذه تعبيرات سمعناها عند أهلنا ولا تزال مستعملة حتى اليوم في نفس الإطار المتعلق بجباية الضرائب، وبعضها في إجارة الأرض وهي لا تزال متداولة حتى اليوم رغم التعديلات التي طرأت على بعض معانيها وتطبيقاتها، وهو أمر عادي في تطور معاني الكلمات حسب التعبيرات التي تطرأ على المجتمع، مما لا يتسع المجال هنا للإفاضة فيه.


ومما لا شك فيه أن المجموعة الأولى هي نفسها التعابير المأخوذة من الشريعة الإسلامية ولنفس الغرض من غير أي تعديل، والواقع أن أغلبها كان متعلقا بالنشاط الزراعي أو التجارة في المنتجات الزراعية. ولا بد أن يشتمل أي بحث في التاريخ الاقتصادي للسودان على كيفية تطبيقها وتقنيتها وأثرها على الحياة الاقتصادية وتحولاتها مما كان عليه الوضع في البلاد قبل تطبيقها، وكذلك مدى تمسكهم بالنظام الإسلامي الصرف، ومدى تأثرهم بأفكار ومصطلحات المجتمعات التي امتصوا تقاليدها وهضموها حتى أصبحت جزءا من حضارتهم[6].


ومن الواضح أن هذه التعبيرات تشكل في جملتها مؤشرات هامة إلى أن المصدر الأساسي للنظام التشريعي الذي كان يحكم الممارسات في تلك الحقبة هو الشريعة الإسلامية، هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى التي تهمنا هنا بصفة خاصة فإنها تفيد ضمنيا أن هذا النظام الإسلامي أصبح جزءا أصيلا من تراث هذه الأمة حتى اليوم بتخلل جميع معاملاتها ويدخل في أساليب حياتها ويسيطر على تقاليدها وأعرافها وذلك رغم التفكك والاضمحلال الذي دب في أوصال الدولة المسلمة الأولى في السودان وفت من عضدها بمرور الزمن، ورغم الشوائب التي دخلت هذا التراث ورغم التأثيرات الغربية التي طغت عليه في الآونة الأخيرة.


ولعل أهم ما وصل إلينا من هذا التراث في المجال الذي يهمنا هنا هو الهيكل العام لملكية الأرض الزراعية، والذي ورد ضمنيا في ثنايا الإطار المتقدم للنظام المالي، كما جاء أيضا في عدد من المناسبات التي تعرض لها كتاب مشيخة العبدلاب سالف الذكر وذلك في سياق معالجته لبعض الجوانب المتعلقة بأهداف تلك الدراسة خاصة فيما يتصل بارتباط نظام ملكية الأرض بالنظام السياسي، كإقطاع الأرض بواسطة الحكام للأفراد والجماعات وكتصدقهم بها إلى بعض الأولياء والصالحين وما يتصل بذلك من أنواع الجبايات المتقدم ذكرها. ويلاحظ من هذا السياق أيضا لمحات واضحة - وإن لم تكن دائما صريحة - إلى العلاقات الاجتماعية التي تكيف استغلال الأرض كما تؤثر على توزيع ثمرتها بين الأفراد والمجموعات والدولة بمختلف مستوياتها وأعوانها، وكذلك نلاحظ الأعراف والقوانين الشرعية التي تحكم المعاملات المتعلقة بهذا الاستغلال والملكية كنظم الإجارة والمساقاة، والميراث والوقف والهبات وغيرها[7].


وسنلاحظ وشيكاً من هذه الورقة أن هذا النظام لملكية الأرض الذي تبلور في تلك الحقبة على تباينه في الأقاليم المختلفة[8] هو الذي وجده الإنجليز في بداية القرن الحالي وكل الذي فعلوه هو أن قننوه بأساليبهم الخاصة، كما سيجيء، وأصبح هو الركيزة الأساسية للسياسة الزراعية الحديثة بكل وجوهها في هذه البلاد، وذلك:

أولاً: لأن التنمية الزراعية[9] لن تنطلق من عقالها إن لم يكن نظام ملكية الأرض منذ البداية قابل للاستغلال الأمثل ولم يشكل عقبة كما حدث فعلا في العديد من البلدان التي تعطلت فيها التنمية وتعوقت حتى اجتاحتها ثورات جامحة، وأحيانا مدمرة حول ما يسمى بالإصلاح الزراعي، وهذا التعبير يعني في المقام الأول أن يجري تعديل أساسي وجوهري في نظام ملكية الأرض والحيازة الزراعية وذلك بالقدر الذي يعطي حافزا قويا وضمانا ثابتا للمزارع قبل أن يستثمر جهده وعرقه وماله في استصلاح واستغلال الأرض لكي تؤتي ثمرتها الاجتماعية القصوى وبذلك يتحقق الوفاء بالشرط الاقتصادي الأول للانطلاقة التنموية للمجتمع.


ثانياً: لم تكن هذه الثورة الإصلاحية بالمعنى المعروف ضرورية في هذه البلاد عندما واجه النظام الموروث الاختبار التنموي الذي وضع على كاهله لأنه من طبيعته ومن غير أي تعديل جوهري كان مهيأ لتلبية الحاجة إلى التنمية سواء كان من جانب تحفيز المزارعين أو لضرورات الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة[10].


وقبل المضي قدما في سرد قصة هذا النظام من ملكية الأرض بوصف الطور الذي وجده عليه الإنجليز وكيف استطاعوا أن يستغلوا إمكانياته الضخمة[11] الكامنة فيه للاستفادة بها للسياسة الزراعية التي انتهجوها، فإنه من الخير أن ننعطف قليلا في شيء من الاستطراد وذلك لإلقاء نظرة سريعة إلى الجذور الأصلية لبعض أصول الأحكام المتعلقة بالأرض في الإسلام، حتى نربط هذا النظام بالمنهل الأصلي من السنة المحمدية المطهرة وبعض آثار السلف الصالح التي اعتمد عليها أسلافنا الذين أسسوا الدولة الإسلامية الأولى في هذه البلاد ووطدوا أركان هذا النظام من خلال تجربتهم الإسلامية الأصيلة التي حظيت بفترة طويلة من التطبيق والممارسة الحرة أضحى هذا النظام بفضلها عرفاً سائداً وتقليداً ثابتاً وتراثاً أصيلاً لهذه الأمة.


هذا، وبما أنه قد انتاب هذا النظام شيء من تبدل الأحوال لما أتى عليه حين من الدهر باعد بينه وبين روحه الأصيلة وخاصة إبان حكم التركية السابقة التي أعقبت عصوراً من التفكك، وأدخلت بعض الأساليب الأوربية السابقة للثورة الفرنسية في كثير من نظم الدولة في مصر ونقلت إلى السودان[12] فلا بد، والحالة هذه، من إلقاء نظرة خاطفة ضمن هذا الاستطراد إلى الجهد المكثف الذي بذله الإمام المهدي في الفترة الوجيزة في أواخر التاسع عشر، لإحياء هذا التراث وإعادته لمسيرته الأولى.


وكذلك عسى أن نجد من هذا الاستطراد قبسًا من ذلك النور نسترشد به في إصلاح ما فسد من هذا التراث حتى نؤسس انطلاقة إسلامية جديدة نحو آفاق المستقبل المشرق، وعلى هدى وبصيرة، بعون الله وتوفيقه.


فبما أن قضية امتلاك الأرض الزراعية وحيازتها واستغلالها والعلاقات التي تكتنف ذلك كله من بيع وشراء وتمويل[13] للإنتاج وتسويقه وميزات إلخ تشكل أول اهتمام لأي مجتمع مقبل على التنمية كما هو حالنا اليوم، فإن المجتمع الإسلامي الأول بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أولوها عناية كبيرة وتركوا لنا فيها آثارا عظيمة كانت هي النور الذي اهتدى به أسلافنا في أعظم عصورهم لما خلفوا لنا من آثار في هذا المضمار ولا زالت هي التي ينبغي أن نلجأ إليها لفهمها فهما صحيحا ثم نطبقها على مشكلاتنا التي تواجهنا اليوم.


هذا، ومن المعلوم أن الذي يريد أن يدرس هذه المسائل الشرعية لا بد أن يلم بالمذاهب المختلفة التي اقتدى بها المسلمون وقلدوها، كالمذهب المالكي - وكذلك الحنفي - في بلادنا، قبل أن نستطيع أن نقبل على تطبيق الشريعة تطبيقا سليما لا ينتابه زيغ ولا شطط. ولكن كان لا بد أن أكتفي في هذه العجالة بلمحة خاطفة لأضرب بها مثلا لأهمية اتباع منهج البحث في المصادر الأصلية واقترانها ببحث في تراثنا السوداني للاسترشاد به لمواجهة مشاكل اليوم والمستقبل، ومع إحساسي بالمزالق التي قد تكتنف مثل هذا الطريق لمن لم يؤت فيه سعة من العلم، وكثيرا ما يؤرقني وأنا أخوض في هذه المسائل، قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].


ولكن في نفس الوقت أرجو أن أجد مخرجاٍ في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما يزال المرء عالما ما دام في طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل".


ولهذه الاعتبارات ولضيق الوقت اعتمدت على مصدر واحد أتيح بالصدفة وميزته الكبرى هو أنه من أقدم ما كتب في الموضوع، فمؤلفه معاصر للإمام البخاري، من أهل أواخر القرن الثاني الهجري (توفي سنة 224هـ) فهو لذلك بعيد كل البعد من التأثر بالأفكار التي نسميها حديثة مثل "الأرض لمن يفلحها" وغيرها من الشعارات، وإذا استخلصنا منه شيئاً من هذا القبيل لا ندخل بها في قائمة ما يسمى بالمعتذرين Apologetics ولهذا السبب لم ألجأ للإشارة للمراجع الحديثة التي تعج بها المكتبة العربية اليوم وتتوسع في الحديث عن هذه المسائل، وما أيسر ذلك.


فالمرجع الذي أنقل عنه الآن هو كتاب الأموال، لأبي عبيد بن سلام الذي سبقت الإشارة إليه[14] في هذه الورقة.


تجد في هذا الكتاب عرضا للأحكام التي طورت في صدر الإسلام أثناء المغازي والفتوحات الأولى وأثناء عملية استقرار وتطور المجتمع الإسلامي في المدينة وفي البلاد المفتوحة حينئذ. ويمكن أن تنظر إليها في مجموعتين وفي كلتيهما سلف صالح لما طبق في بلادنا في الماضي، ونلمح على الأقل من خلال بعض التعابير المستعملة في العهدين الصلة بينهما مما يساعدنا على الاستقراء والاستنتاج لما كان يحكم التفكير والتطبيق في العهد المتأخر.


أما المجموعة الأولى فتتعلق بفتح الأرضين صلحا أو عنوة واعتبارها لذلك إما فيئا أو غنيمة وغير ذلك، والسنن والأحكام التي شرعت تحت هذه الأبواب والقيود التي وضعت لها[15].


أما المجموعة العريضة الثانية فهي تتعلق بقضايا حيازة الأرض من غير فتح أو صلح ذلك بإقطاعها[16] وإحياء مواتها وحماها وما شابه ذلك.


فقد قال أبو عبيد: "وجدنا الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده قد جاءت افتتاح في الأرضين ثلاثة أحكام:

(1) أرض أسلم أهلها فهي لهم ملك أيمانهم وهي أرض عشر لا شيء عليهم فيها غيره، أي ليس عليهم في أرضهم إلا زكاة الخارج وهو العشر إذا كانت تسقى بماء السيح أو نصفه إن كانت تسقى بالسقاية".


(2) "وأرض افتتحت صلحا على خرج معلوم فهي ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه".


(3) وأرض افتتحت عنوة، فهي التي اختلف فيها بعضهم" سبيلها سبيل الغنيمة، فتخمس[17] وتقسم، فتكون أربعة أخماسها خططا بين الذين افتتحوها خاصة ويكون الخمس لمن سمى الله تبارك وتعالى" وقال بعضهم "بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فذلك له، وإن رأى أن يجعلها فيئا فلا يخمسها ولا يقسمها ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة ما بقوا كما صنع عمر بالسواد".


أما حكم القسم ففعله الرسول صلى عليه وسلم في خيبر وإن كان بادي الأمر تركها لليهود يريدونها بمناصفة ثمرتها من النخيل والزروع، وفي خلافه أجلى اليهود إلى الشام وقسمها.


أما أرض السواد بالعراق (وكذلك مصر والشام) فقد ورد أن عمر استشار فيها فأشار عليه كل من علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل بأن لا يقسمها رغم الضغوط من بعض الصحابة الذين اشتركوا في الفتح أمثال بلال فعمل بمشورة علي ومعاذ "وذلك أن جعله فيئًا موقوفاً على المسلمين وما تناسلوا".


ولذلك تركها عند أصحابها "وضرب عليها الطسق" أي الخراج حيث فرض على كل "جريب" من الأرض درهما "وقفيزا" واختلف في مسألة وضع جعل على النخل[18].


وهنالك مناظر طويلة، خاصة بالنسبة لأرض السواد، لا سبيل في الخوض فيها هنا إلا أن هنالك مسألتين مهمتين لهذا السباق لا بد من الإشارة إليهما.


أما الأولى فتتعلق بحيثيات ما قرر في مسألة أرض العنوة - خيبر والسواد والحكم المستخلص منهما للاسترشاد به. يقول أبو عبيد إن "كلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء، إلا الذي اختاره أن النظر فيه إلى الإمام" كما قال آخرون أشار إليهم مثل سفيان الذي ذكره، فالإمام له أن يتخير في العنوة بالنظر للمسلمين والحيطة عليهم بين أن يجعلها غنيمة أو فيئا" ويبدو لنا - والله أعلم - أن هذا هو الصواب والذي يمكن أن يؤخذ كسابقه. ولكن هنالك حجة قوية يعتمد عليها هذا الاستنتاج، حيث يقول المؤلف أن النبي صلى الله عليه وسلم عمل بآية من كتاب الله تبارك وتعالى واتبع عمر آية أخرى من كتاب الله وهما آيتان محكمتان. أما الأولى فهي آية الأنفال، وهي قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].


فهذه آية الغنيمة وهي لأهلها دون الناس وبها عمل النبي صلى الله عليه وسلم.


وأما الآيات المحكمات الأخرى فهي في سورة الحشر:

﴿ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر 6 - 10].


فهذه آيات الفيء وبها عمل عمر وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها فقال: فاستوعبت هذه الآية الناس وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ حين أشارا عليه بما أشارا، فيما نرى، والله أعلم" انتهى تعليق أبو عبيد.


أما المسألة الثانية فهي علاقة هذه الأحكام بما أدخله المسلمون في السودان وأصبح لنا تراثا، الأمر الذي ركزنا عليه في هذا البحث فيما أن التحالف الذي أنشأ أول دولة إسلامية حارب آخر دولة مسيحية ووضع مكانها حكما إسلاميا ونظما إسلامية فلا يعدو أن يكون أمرهم إما فتح عنوة أو صلحا أو مزيجا من الاثنين. والمهم أصبح الحاكم المسلم - سواء في مشيخة العبدلاب أو في مملكة الفونج - هو صاحب القرار في التصرف في الأرض ولذلك فإن كل أرض وأصبحت أرض مملوكة ملكا حرا أو وقعت عليها حيازة كانت بأمر من أوامر هؤلاء الحكام. وهناك إشارات كثيرة في كتب التاريخ والمخطوطات وتقاليد بعض العوائل أنهم عندهم وثائق من تلك الحكومات.


وهذه النقطة - لكي لا نضطر بتكرارها تنطبق بطبيعة الحال على الأراضي التي انطبق عليها إما أمر الصلح أو النوع الآتي من الامتلاك، كانت "يستخرجها المسلمون والتي" ليست من الفتوح ولها أحكام سوى ما سبق كما ذكر أبو عبيد، والتي سنخلص أمرها وشيكا والمهم هنا أن كل أنواع هذه الملكيات والحيازات طبقت عليها الحكومتان المذكورتان قواعد الشريعة الإسلامية بما في ذلك سلطة الحاكم في إقطاعها وتوزيعها وكذلك توريثها.


وإما أرض الصلح فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالعهد للمصالحين بقوله صلى الله عليه وسلم "إنكم لعلكم تقاتلون قوما فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم ويصالحونكم على صلح فلا تأخذوا منهم فوق ذلك فإنه لا يحل لكم".


هذا، وأما المجموعة الثانية فهي إحياء الأرضين واحتجازها ومشاكل الدخول على من أحياها فهنالك عدد من الأحاديث ينبني عليها هذا الجزء وهو سار عليها التطبيق وقت السلف الصالح، نورد بعض هذه الأحاديث هنا ونختم هنا بتعليق بسيط:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم.." قال قلت وما يعني قال تعطونها الناس".


"وعادي الأرض" - نسبة إلى عاد - وهي التي هجرها أهلها الذين بادوا وأصبحت ليس لها صاحب. فهي للمصلحة العامة وللإمام يتصرف فيها وفق هذه المصلحة.


ويقول أبو عبيد جاءت الأحكام في الإحياء على ثلاثة أوجه:

أما الأحاديث في الوجه الأول فهي:

1- "من أحيا أرضاً ميتة فهي له. وما أكلت العافية منها فهي له صدقة" - والعافية أي: طالب رزق.


2- "من أحيا أرضا ليست لأحد فهو أحق بها"

وقال المحدث... وقضى عمر بن الخطاب بذلك في خلافته.


3- "من أحيا أرضًا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق" فسر العرق الظالم بأن يعمل الرجل في حق غيره ليستحق به شيئا ليس له.


وحول هذا الحديث عدد من السوابق نجد فيها جوهر المبدأ الذي يسمى اليوم الأرض لمن يفلحها ولكن في توازن عظيم هو سمة التوازن الذي نجده في كل شيء في الإسلام وبهذا استحق المسلمون أن يكونوا امة وسطا بنص القرآن.


وأول سابقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم فلع نحل رجل زرع في أرض غيره من غير إذنه. وهنا حكم آخر في قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حالة أخرى قال فيها "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس له من الزرع شيء".


وفي هذا عدل لكل من الزراع وصاحب الأرض وهنالك اختلاف في حكم النحل (وهو مستديم بجعل الأرض ملكا للزراع تقريبا وبين المحاصيل الأخرى ولذلك كانت الأحكام تبعا لذلك.


ولكن لعل أقرب تطبيق لمفهوم هذا المبدأ هو الحالة التي يقطع فيها الإمام رجلا أرضا فيحتجزها ولا يعمرها وهنا قضى عمر بن الخطاب في مثل هذه الحالة بأن قومها عامرة وقومها غامرة" وخير أهل الأرض أن يردوا الفرق، للزراعين أن يدفعوا ثمن الأرض.


وتطبيق أخير هو ما كان قضى به الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز "أن يقول لصاحب الأرض: ادفع إلى هذا ما أصلح فيها فإنما عمر لك فإن قال لا أقدر على ذلك قال للآخر ادفع إليه ثمن أرضه".


باب أخير من الأبواب التي نجددها من السلف الصالح ولعلها أثرت على تراثنا السوداني نجدها تحت باب "حمى الأرض، والكلاء والماء ونبدأ بقول (الرسول صلى الله عليه وسلم): "لا حمى إلا الله ورسوله".


وأقوى وجه في تفسير هذا الحديث هي إن الإمام - الذي يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم - وتأويل هذا الحديث، كما قال أبو عبيد هو إن تحمى الأشياء التي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فيها شركاء وهي الماء والكلاء والنار حيث قال صلى الله عليه وسلم "الناس شركاء في ثلاث الماء والكلاء والنار".


وهذا الحمى قد أثر في كل المجتمعات الإسلامية ولعل له صلة بالتقاليد التي تحكم عندنا استفادة القبائل البدوية بالمرعى والماء وسنرجع إلى علاقة هذا الموضوع بنظام الأرض التي وجدها الإنجليز عندنا بعد قليل.


هذا ما كان من تراث السلف الصالح وعلاقته بتراثنا السوداني الإسلامي الأصلي.


ونأتي الآن إلى ذكر موجز لفترة المهدية ونكتفي - للأسف - بمثل واحد ونلاحظ ربطه بما أسلفنا مما ذكرنا مما جاء في السنة التي لخصناها.


ففي أحد المنشورات المتعددة التي توضح حكم استغلال الأرض[19] نجد الآتي: -

".... فمن كان له طين فليزرع فيه ما استطاع زرعه وإذا عجز أو لا يحتاج إليه لا يأخذ فيه دقندى لأن المؤمنين كالجسد الواحد وما يساوي به أخاه المؤمن يكون له في ميزانه دائما بدرجات علا عند الله....... وإن كل مؤمن ملكه من الطين له ولكن من باب إحراز الآخرة فما لا يحتاج إليه يعطيه لأخيه المحتاج".


وهذه الفقرة الوحيدة تكفى لتؤكد الصلة العضوية الوثيقة بين تفكير الإمام المهدي في القرن التاسع عشر بالأحكام العمرية المتقدم ذكرها وتحمل أجمل معنى من معاني الأرض لمن يفلحها وذلك بإقناع من له أرض بأن لا يحجزها، وحتى لا يؤجرها.


وهو كان يربي أصحابه على معاني الإيثار والأخوة الإسلامية في أسمى معانيها.


هذه هي قصة المنطق وراء التراث الذي جاء في ملكية الأرض التي هي قوام السياسة الزراعية وهذه لمحة خاطفة عن وضعها أثناء الدولة الإسلامية الأولى وفي المهدية فما هو الوضع الذي وجده الإنجليز وماذا فعلوا به؟ نجد الإجابة على هذا السؤال في العبارات الآتية المقتبسة من مقالة في كتاب الزراعة في السودان عن نظام ملكية الأرض في السودان[20].


"إن التحول العادي لملكية الأرض عندما يأخذ المجتمع المتخلف في الاستقرار يسير في أطوار من الملكية الجماعية بواسطة القبيلة على الملكية بواسطة مجموعة صغيرة كالقرية إلى الملكية الفردية وتوجد أمثلة لكل هذه الأطوار في السودان كديار القبائل مثل البقارة وكالبلدان حول القرى، إلى الملكيات الفردية على النيلين أو النيل الرئيسي والجزيرة".

ولنا أن نلاحظ هنا أن هذا الوضع لم يكن يجدوه كذلك لولا الأساليب التي اتبعتها الحكومات الإسلامية منذ بداية القرن السادس عشر لتنظيم هذه الأوضاع مثلا عن طريق "الحبى" في ديار القبائل والقرى وعن طريق الإقطاع والتايبك والتوثيق والميراث في أراضي الملك الفردي.


وقد قام الإنجليزي بتقنين هذا الوضع متبعين أساليب القانون الإنجليزي تطبيقا للسياسة التي تبعتها قينسكل بأنها "السياسة المزدوجة للتعمير والحماية" ويقصد بالتنمية قيام المشروعات التي قام على رأسها مشروع الجزيرة والتي كان هدفها الكبير إنتاج القطن وغيره من بعض المحاصيل التي أعانت على تمويل الإدارة، كالصمغ وغيره.


وكل الذي فعلوه هو أن قاموا بسلسلة من أعمال تسوية ملكية الأرض وتسجيلها اعتمادا على الوثائق التي وجدوها عند الملاك والتي وصلت إليهم من الحكومات التي كانت سائدة وهي أساسا مملكة الفونج في الجزيرة ومشيخة العبدلاب في المناطق الأخرى.


وعلى ذلك فليس عندنا المشكلة العريضة التي تحتاج لإصلاح زراعي بالمعنى المعهود وإنما تواجه الآن المشاكل الآتية ونعرضها إجمالا الآن ونترك للعرض تفصيلها:

أولا: مشكلة تفتيت الملكية الفردية خاصة في الإقليم الشمالي (مسألة الميراث).


ثانيا: استخدام حقوق الملكية للتمويل وما يكتنف ذلك من مشاكل (مسألة الرهن وهل هو حلال).


ثالثا: قضية التمويل التي يرمز لها ومسألة الشيل وهل هو عمل ربوي أو هو مسألة بيع السلم الشرعية.


رابعا: مراجعة بعض علاقات الإنتاج - (نمط الجزيرة) وعرضها على المفاهيم الشرعية، من السوابق العمرية والمهدية (مثلا قضية ما سمي بالإصلاح الزراعي على النيلين تكمن أصلا في أي القانون كان فيه مسائل مجحفة (إن صاحب المشروع عليه أن يزيل كل أنقاضه - ولم تكن واقعية هنا ذكر أن مراجعة علاقات الإنتاج في الجزيرة الآن تسير في الاتجاه السليم ولكن تقييمها يحتاج لبحث مستفيض.


من بحث منشور في المؤتمر الأول لجماعة الفكر والثقافة الإسلامية

الخرطوم، السودان 29 محرم - 2 صفر 1403هـ



[1] اعتمادا على الذاكرة لعل أشهر الكتب التي قرأتها في ذلك الوقت والذي ساق هذا المثال وضغط عليه بعنف هو كتاب "من هنا نبدأ" للأستاذ خالد محمد خالد، عندما كان واضح الانتماء إلى ذلك المعسكر.

[2] ليس المقصود هنا هو مشروع الجزيرة فحسب وإنما نعني ما يمكن أن نسميه بالنمط العام الذي يرمز له نظام مشروع الجزيرة في أسلوب الاستغلال وعلاقات الإنتاج ومعاملة قضية امتلاك الأرض. لأن هذا النمط قد استنبط من خلال محاولات كثيرة بدأت على الأقل بإنشاء مشروع الزيداب عام 1906، في مستهل الحكم البريطاني واستقرت بإنشاء مشروع الجزيرة الذي بدأ إنتاجه عام 1925 ثم أصبح بعد ذلك يعتبر نظامه هو النظام الأمثل وقلد في تنظيم مشروعات القطن التي أنشئت على النيلين الأبيض والأزرق من قبل الحرب وإلى أواخر الستينات، ثم جرت محاولة نقل هذا النمط للزراعة المطرية مثلا من القدمبلية في القضارف في الأربعينيات ولكنها بدأت تظهر عيوبها وعدلت للنظام الذي لا يزال يجري تقريبا حتى الآن، ثم جرت محاولة نقلها لإنتاج السكر في الجنيد ولكن ثبت فشلها وغيرت تغييرا تاما لبقية مشاريع السكر.

هذا النمط نقلا أصلا من أسلوب الساقية كما جاء في كتاب قيشكل كما سيرد فيما بعد لابد أن يكون قد تأثر أصلا بالمعادلات الإسلامية كما سنلاحظ في سياق البحث.

[3] محمد صالح محي الدين: "مشيخة العبدلاب وأثرها في حياة السودان السياسية نشر دار الفكر، بيروت والدار السودانية، الخرطوم" الطبعة الأولى 1392هـ - 1972م.

[4] نفس المرجع: صفحات 389 - 400

[5] هذه التعابير الدارجة الواردة هنا في إطار جباية الضرائب هي: الكليفة: عندنا معناها حزمة قصب الذرة وهي وحدة قياس للعلف، وأهميتها في الجباية هي أنها كانت ضمن ما يفرض على الزراع من قبل الدولة لعلف دواب جيش الدولة والأمراء.

والعادة: معناها الواسع الذي لا يزال حتى عهد قريب يستعمله أهلنا هو العرف الذي يحكم بعض العلاقات المتعلقة بالإنتاج وقد أدركنا ذلك في مجتمعنا كان بعض الكبار يسمون أصحاب العادة ويلجأ إليهم في فض المنازعات حول أساليب استغلال الأرض والساقية وفقا للتقاليد الموروثة والمرعية - ولعلها الآن آخذة في الاندثار أو بعضا قد اندثرت تماما للأسف - أما في إطار الجباية فهي الإتاوة التقليدية التي كان يفرضها أو يتقاضاها قادة القبائل أو مناديب الدولة حسب العرف، أما العانة: فهي تحريف دارجي لكلمة "إعانة" العربية، وهي غالبا ضريبة تجبى في أوقات الملمات كالحروب وغيرها. والعلوق: وهو علف حيوانات الحكام من الحبوب خاصة الذرة أو الشعير. والسبع: هو نوع من إيجار الأرض وكل جرف من أراضي النيل لها تقاليدها، حيث يأخذ صاحب الأرض السبع أو الربع إلخ .... أو لعل السبع هنا كان ضمن الجبايات للدولة.

أما تعبير خدمة العرب: فهو معناه المجهود الذي يبذل في جمع الضرائب والإتاوات من العرب خاصة الرحل، وهو تعبير لا يزال حتى وقت قريب مستعملا عندنا في جمع الضرائب أو ما يسمى "بالطلبة" ومعناها ضرائب الأطيان والزروع.

[6] ترد ضمن هذه المجموعة الأولى كلمة "مكوس" وهي وإن كان أصلها عربيا إلا أنه وردت أحاديث وآثار إسلامية في تحريها - ولذلك لم نشأ أن نصفها بأنها شرعية بالمعنى المحدد ونلحظ بعض شأنها في هذه الحاشية

فقد ورد عنها في "لسان العرب" ما يأتي:

"المكس": الجباية ... والمكس: دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الأسواق الجاهلية. والماكس: العشار .. وفي الحديث: لا يدخل صاحب مكس الجنة، المكس الضريبة التي يأخذها الماكس، وأصله الجباية. وفي حديث ابن سيرين قال لأنس بن مالك تستعملني على المكس أي على عشور الناس فأماكسهم ويماكسوني قيل: معناه تستعملني على ما ينقص ديني لما يخاف من الزيادة والنقصان في الأخذ والترك" انتهى كلام لسان العرب، وهو يوضح أن هذا التعبير يحمل معنى غير مرغوب فيه من الوجهة الدينية، ويبدو أنه مما تحفه الشبهة على الأقل. إلا أن المعنى لهذه الكلمة الوارد في كتاب مشيخة العبدلاب ص39 يعني جمارك بالمعنى المحدد وقد ورد عن سيدنا عمر كتاب الأموال لأبي عبيد المشار إليه آنفا ص87 ما يأتي: فقيل لعمر، تجار الحرب كم نأخذ منهم إذا قدموا علينا؟ قال: كم يأخذون منكم إذا قدمتم عليهم؟ قالوا العشر قال: فخذوا منهم العشر وهذه هي المعاملة بالمثل في العلاقات التجارية الدولية فإن لم يكن يأخذ أهل الحرب بلاد الكفار من التجار المسلمين هذا العشر لما أمر عمر بأن تأخذ الدولة المسلمة أي شيء من التجار غير المسلمين الذين يعبرون بلاد الإسلام بتجارتهم هذا يعني أن المسلمين الأوائل يتحرجون من مسألة المكوس أي الجمارك.

الجدير بالذكر أن من ضمن ما وجدناه عند التجار من أهلنا أنهم كانوا يستهجنون التعبير المكوس كما يستهجنون كلمة الربا، ورأينا كثيرا ممن يتصفون بشيء من الورع يأنفون من مزاولة بعض الأشياء التي كانوا يسمونها مكوسا كبعض الجبايات التي توكلها الحكومة أيام الإنجليز لبعض التجار لقاء مبلغ عادة زهيد نسبيا يوقع للحكومة مثلا على البضائع والطرود الواردة على إحدى المواني النهرية وهذا النظام يشبه ما يسمى بالإنجليزية TAXFARMING أي المقاولة على جمع الضرائب توقعا للربح فيها.

ولعل في هذا إشارة كافية لما داخل حياة المسلمين من شوائب أو شبهات - سواء جاء من الجاهلية الأولى أو انتقلت إلى دار الإسلام من معاصريهم من الجيران غير المسلمين أو من أهل ذمتهم من العصور المختلفة أو من احتكاكهم بالحضارات التي امتصوها مثل الحالة التي نستعرضها في هذا البحث ...وقد لزمت هذه الإشارة لكي لا يظن قارئ أو سامع أننا ندعي أن تطبيق الإسلام في واقع تاريخ سودانيا كان دائما يشكل المثل الأعلى كعهد الخلفاء الراشدين مثلا، ولكن نحسب أنها بلغت مستوى لا بأس به خاصة في أرقى عصورها، والمهم أن هذا التراث في طرحنا هذا لم يعجز ولن يعجز امام اختبارات التنمية الاقتصادية، بالمقارنة مع تراث أرض الأمم في هذا المضمار.

[7] انظر كتاب مشيخة العبدلاب - المذكور آنفا - مثلا، الفصل عن نظام القضاء صفحات 411 - 438 والمراجع المشار إليها فيه. يجدر التسجيل في هذه الحاشية أن هنالك عددا من المراجع الهامة التي أشار إليها هذا البحث لم تمكن من الرجوع إليها الآن ولكنها تشكل نقطة هامة للبدء في دراسة التاريخ الاقتصادي للسودان وأهمهما.

أ- طبقات ود ضيف الله التحقيق الجيد للبروفسير يوسف فضل حسن

ب- كتاب الفونج والأرض نشر شعبة أبحاث السودان، تحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم

انظر مثلا ص 471 من كتاب المشيخة

جـ- اقتصاد السودان في العهد الفونجي للدكتور نسيم مقار مخطوطة بدار الوثائق المركزية

[8] كانت مملكة الفونج تسيطر مباشرة على منطقة الجزيرة فقط حتى أربجي شمالا - المنطقة التي تسمى الآن بالجزيرة المروية أما مشيخة العبدلاب فكانت سيطرتها المباشرة هي المنطقة التي كانت تحكمها أصلا دولة علوة المسيحية وتمتد من أربجي على النيل الأزرق إلى حدود دولة المقرة على النيل الرئيسي ولكنها كانت تهيمن بطريقة غير مباشرة على كل أجزاء السودان الحالية من البحر الأحمر وحتى حدود دارفور الشرقية ومن حدود الحبشة جنوبا، عدا الجزيرة وحتى أسوان شمالا.

ولذلك فإن ما سيأتي ذكره من أنواع ملكية الأرض بالسودان والتي وجدها الإنجليز إنما تدخل في هذا الإطار العام وهي بذلك متأثرة بالشريعة الإسلامية تأثرا واضحا مع إنها شكلت المحيط الكبير الذي ذابت فيه الأعراف القبلية الموروثة والوافدة ولا بد أن ينظر إلى التفاوت والتباين على أنه جزء من نمط عام - كما سيرد ذكره في الورقة.

[9] قد أصبح من القضايا العلمية المسلم بها اليوم أن الزراعة هي أساس التنمية الاقتصادية الشاملة في كل البلدان وعلى مر التاريخ. وهذه إحدى المسائل العلمية القليلة التي يكاد يجمع عليها المحللون الاقتصاديون ويؤيدهم إجماع أكبر من علماء التاريخ الاقتصادي: وذلك أن المجتمع الذي يحاول الانعتاق من الركود والتخلف لا يستطيع حتى أن يبدأ عملية التطور الاقتصادي ما لم يتوفر لديه ومنذ البداية فائض مستمر من المواد الغذائية. وهذا يعني بطبيعة الحال قيام قطاع زراعي يتمتع بكفاءة عالية إذا ما استثنينا القليل جدا من البلدان التي تتمتع بمخزون ضخم من البترول يكفل لها ضروريات الغذاء والكساء والمأوى لزمن طويل وبمعدلات متزايدة في النمو على الأقل تواكب نمو القطاعات الاقتصادية الأخرى كالصناعة والتجارة والخدمات إلخ ...

وفي هذا الموضوع مراجع لا حصر لها ترد في سياق المناظرة الخاصة بقضية التوزان بين القطاعين الزراعي والصناعي أو بأيهما يكون البدء وأيهما ينال الأسبقية الأولى في برنامج التنمية الاقتصادية: انظر مثلا رسالة الدكتوراه لكاتب هذا البحث التي سبقت الإشارة إليها وما ورد فيها من مراجع

SAID YOUSIF HASSAN

The Rol of Agricultal in the ECONOMIC Develoment of the SUDAN، PHD ThESIS، Op PP. 1،205 -272

وكذلك المراجع الواردة فيه عن هذا الموضوع مثلا: انظر في قائمة مصادر البحث خاصة المرجعين الواردين في القائمة على ص 206 تحت:

1 NICHOLS WILLITMA H.

2 JOHNSTON BRUCE F. And MELLOR JOHN W.

لا نستطيع الاسترسال في هذا الموضوع الهام هنا ولكن يحسن الرجوع بهذه المناسبة الى المثال الذي ضرب في أول هذا البحث ص9 وحاشية رقم 10 لقضية الإصلاح الزراعي الذي قام به المسلمون في الأندلس في القرن الثامن الميلادي وبعده، وكان هو نقطة الانطلاق للتنمية الزراعية الشاملة والتي كانت بدورها أساسا للتنمية الصناعية التي جلبت الرخاء إلى أسبانيا لفترة السبعة القرون التي سبقت نكبة الحضارة الإسلامية هنالك فانتقلت أفكارها وعلومها إلى أوروبا بشهادة الأبحاث التاريخية التي أشرنا إليها في مكانها فيما تقدم.

أما قضية الموازنة بين المصلحة الخاصة والعامة فسيرد ذكرها في إطار الشريعة الإسلامية، عندما نعرض لها باختصار، وعندما نستعرض ما حدث في السودان خاصة حول السياسة التي رسمت حول نمط الجزيرة فيما يلي في هذا البحث.

[10] اعتمد الإنجليز أولا على السوابق التي جرت - في القرن التاسع عشر من سياسة محمد علي باشا الزراعية في مصر وفي السودان انظر رسالة الدكتوراه لصاحب هذا البحث، المذكورة آنفا ص34 وانظر كذلك قائمة المراجع RIVLIN، HELENAB كتابه عن سياسة محمد علي الزراعية في مصر بالإنجليزي.

وثانيا: اعتمدوا اعتماد كبيرا على نظام المهدية في هيكل الضرائب الذي وجدوه معمولا به في ذلك الوقت، وهي أغلبها ضرائب أطيان وزروع على النظام الإسلامي حتى إن بعض الأسماء ظلت مستعملة في عهدهم وبعضها حتى اليوم مثل كلمة عشور وهو طبعا تعبير شرعي للزكاة كان أيضا مستعملا في المهدية مع بعض التحوير في المعاني وهنالك مرجع مفصل بهذه المسائل قرأته منذ مدة ولكن لم تسعفني الذاكرة الآن باسمه لكي أعثر عليه في الوقت الضيق المتاح لهذا البحث.

[11] من أساليب محمد علي باشا في مصر مثلاً نظام الإقطاع الذي نقل عن أوروبا. انظر مثلاً:

RIVLIN، HELEN AR: MOHAMMAD ALIS AGRICULTURAL POLICY IN EGYPT OP. CIT CAMBRIDGE، HARNARD، 1961

وقد ورد في المصادر الإنجليزية التي سوف يأتي ذكرها فيما بعد أنه بدأت تتكون في السودان قبل مجيئهم نزعات تشبه الاتجاه إلى الإقطاعية بمعناها الحديث إلا انهم أوقفوها.

[12] منها قضية الشيل التي سنأتي على ذكرها وهي فيما يبدو ناشئة عما يعرف في الشريعة بين السلم ولكن لم يسعفنا الوقت للخوض في أحوال هذه الأشياء وهي مما يحتاج لبحث أصولي مستفيض.

[13] كتاب: الأموال "للإمام أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ تحقيق محمد خليل هراس دار الفكر - القاهرة بيروت 1395هـ 1975م.

[14] نفس المصدر الصفحات 69 إلى 122 من باب فتح الأرض تؤخذ عنوة وهي من الفيء والغنيمة جميعا" وأحكامها وسننها، وهي من الفيء، ولا تكون غنيمة "باب الوفاء لأهل الصلح وما يجب على المسلمين من ذلك وما يكره من الزيادة عليهم".

[15] نفس المصدر الصفحات 347 - 381 وهنا أرضية مشتركة في قضية الإقطاع مع مسألة الفتح نجدها في باب الإقطاع ص347 - 361 - ثم قضية الإحياء تحت باب "إحياء الأرضين واحتجازها والدخول على من أحياها" صفحات 362 - 381.

[16] انظر نفس المصدر ص 382 "كتاب الخمس وأحكامه وسننه، باب ما جاء في الأنفال وتأويلها وما يخمس منها"

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ .. آية سورة الأنفال

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آية 41 الأنفال] - يقول ابن سلام أن الآية السابقة تنسخ الأولى ويعترض محقق كتابه، أن الأمر يسن بشح وإنما هو تفصيل بعد إجمال، والله أعلم.

[17] الجريب = وحدة مساحة إذ أرسل عمر عثمان بن ضيق فمسح السواد ووجد 36 مليون جريب ولا ندري مقداره وأما القفيز فوحدة كيل للحبوب وفي هذه الحالة دروس كثيرة أ المساحة التفصيلية التي سبق فيها المسلمون الأوربيين بعهود طويلة وعندما يثبت أن بريطانيا مثلا نقلتها من صقلية وأول سجلات مساحة في إنجلترا يسمونها DOOMSDAY BOOK وهو سجل للمساحة والضرائب ب أننا حتى في قضية المقاييس والموازين - كأساس لمعرفة الأحكام - ولا بد أن تقوم بأبحاث كثيرة جـ هنالك مناظرة عن هل عمر فرض على النخل أيضا، وهنا وردت بعض العبارات التي تحتاج لبحث في الاقتصاد الإسلامي مثل كلمة قباله وهي تشير إلى الجعل الذي قيل إنه فرض على النخل، واعتبره آخرون أنه منهي عنه لأنه من قبل بيع الخمر قبل نفجه واعتبرت شبيهة بربا الفضل وسميت أيضا ربا العجلان ... وهذا مجال كبير للبحث العلمي.

[18] منشورات المهدية: تحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم 1969 منشور رقم 46 صفحة 196 الدقندي: إيجار الأرض.

[19] وهي مقالة بعنوان نظام ملكية الأرض الزراعية في السودان في كتاب:

J.D TOTHILL ed AGRICULTURE IN THE SUDAN LONDON ODFORD 1948.

[20] كلمة إقطاع هنا لا تعني ماهية الكلمة في الأدب الغربي والشيوعي .. لأن الكلمة في النظم الأوربية هي نظم اجتماعية يملك فيها اللورد حتى رقاب الناس.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • ثم جاء الدور على السودان
  • مصر والسودان من أين؟ وإلى أين؟
  • الإسلام ومشكلات النظام الزراعي (مقدمة)
  • الثقافة الإسلامية في السودان قبل القرن الحاضر
  • حماية الأراضي الفلاحية

مختارات من الشبكة

  • أرجوزة منذرة الأنام في نظم نواقض الإسلام لشيخ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليابان وتعاليم الإسلام وكيفية حل الإسلام للمشاكل القديمة والمعاصرة (باللغة اليابانية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم النظام الأخلاقي في الإسلام(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • خطبة عن النظام الاقتصادي في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النظام القضائي في الإسلام(مقالة - موقع أ.د. مصطفى مسلم)
  • النظام السياسي في الإسلام (PDF)(كتاب - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • النظام في الإسلام(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • النظام القانوني في الإسلام (باللغة الألمانية)(PDF)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • النظام القانوني في الإسلام (باللغة الألمانية)(WORD)(كتاب - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • النظام السياسي في الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية
  • متطوعون مسلمون يحضرون 1000 حزمة طعام للمحتاجين في ديترويت
  • فعالية تعريفية بالإسلام في مسجد هارتلبول

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/8/1444هـ - الساعة: 17:40
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب