في "ثلاثية" الأمير أحمد بن بندر السديري
الأستاذ فاروق بن سعد الزومان يحاضر عن: (التغلب على المعوقات)
الرياض: محمد شلال الحناحنة
أقامت ندوة "ثلاثية" الأمير: أحمد بن بندر السديري في الرياض محاضرة بعنوان: (التغلب على المعوقات) ألقاها الشاب الرياضي المعروف فاروق بن سعد الزومان السعودي الأول الذي يصعد قمة جبل: (إفارست) وذلك مساء الثلاثاء 24 / 4 / 1432 هـ، وأدار اللقاء الأستاذ عبد الله الراشد، وحضرها حشد من المفكرين والمثقفين والإعلاميين منهم سمو الأمير نهار بن سعود بن عبد العزيز، وسعادة سفير جمهورية مالي، وعدد من جمهور الندوة ومحبيها.
الرياضة جزء من الحياة:
بداية شكر المحاضر - بعد حمد الله والصلاة والسلام على النبي - سمو الأمير أحمد بن بندر السديري على دعوته له في هذه "الثلاثية" المباركة ثم أضاف قائلا: الرياضة جزء من الحياة، وقد أصدرت في نفسي قرارا بتسلق أعلى قمة خلقها الله، وأردت أن أرى إبداع خلقه من أعلى مكان، وأن أتعبد الله بتسلقي للجبل، أتعبد بنيتي المخلصة لله، وتأملت في علو الجبل، وأدركت أن كل واحد منا عنده قمة (إفارست) بطريقته الخاصة، أبو هريرة رضي الله عنه قمة (إفارست) لديه حفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وخالد بن الوليد قمته في الجهاد، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قمته في الصدقة، وهكذا.
معوقات في الرحلة:
ووقف المحاضر الأستاذ فاروق الزمان أمام أبرز المعوقات في صعوده لجبل (إفارست) فأجملها بما يلي:
1- ارتفاع قمة (إفارست) 8850 مترًا فوق سطح البحر.
2- انهيارات ثلجية مما يعيق الصعود.
3- انخفاض درجات الحرارة إلى (- 70) درجة مئوية تحت الصفر.
4- أمراض المرتفعات المتعددة.
5- التعرض للسقوط.
6- نقص حاد للأكسجين.
7- طول المدة للوصول إلى قمة الجبل بما يزيد عن شهرين.
يقول أحد الأمريكيين:
الكثيرون في أمريكا يعتقدون بأن الحرية أن تعمل ما تريد، أما الحرية الصحيحة الحقيقية ألا تكون عبدا لشهواتك، ورغباتك، وهواك، والسؤال الذي يلح علينا: هل الوصول للقمة مستحيل؟! وهل الوصول لقمتك التي تحلم بها مستحيل؟ هل حفظ القرآن الكريم في سنة مستحيل؟! هل الصيام والقيام من خلال نظام محدد ودائم مستحيل؟! نستطيع جميعا أن نصل إلى أهدافنا وقممنا بالعزيمة، والإصرار، والصبر.
لا مستحيل مع قدرة الله:
الشئ الذي رسخ في نفسي، وثبت في قلبي ألا مستحيل مع قدرة الله وعندما وقفت على قمة جبل (إفارست)، قلت هل الجنة مستحيلة، قد تكون صعبة، ولكن ليست مستحيلة، وهناك فرق بين الاستحالة والصعوبة، ولابد من الكد والصبر، والأمل، وأدركت هذا الشئ عندما وصلت إلى القمة، أدركت أنه لا مستحيل مع قدرة الله، وعونه، وتوفيقه للعبد المسلم.
الوصول إلى الجبل:
وأشار المحاضر إلى وصوله إلى الجبل فقال:
حتى تتسلق إلى الجبل لابد من الاشتراك في شركات استكشافية، وقد اشتركت مع شركة كندية، وكان معنا أربعة أمريكيين، وعماني، وأنا وبعض الأجانب الآخرين.
ومن المواقف التي حصلت معي أن أحد الرجال كان يتأملني... قال لي: من أين أنت؟! قلت له: من السعودية... قال: أنت أول سعودي يستوقفني، ثم سألني: ماذا تعمل هنا في نيبال؟! قلت: أتسلق الجبال؟ قال أي جبل؟ قلت: جبل إفارست. نظر إلي باستغراب وقال: لن تستطيع.. فقلت ربما في السنة القادمة، وإذ لم أستطع سأحاول في السنة التي بعدها أو ما بعدها. فرد علي: أنا متسلق لكثير من الجبال، بل ولدت على الجبال، وأنت أتيت من الصحراء والرمال، تريد أن تتحدى الجليد أتيت من درجة حرارة فوق 50 درجة مئوية إلى 50 درجة تحت الصفر، ونظرت إليه أتأمله، وهو يبتعد عني بعصاه التي أوحت بكبر سنه، وهو معوق كسر مجاديفي، والكثيرون منا يكسرون مجاديفنا تارة بالصعوبة، وتارة يقولون نحن ناصحون لكم، نحن واقعيون... وأنتم تحلمون، تحلقون... بعيدا عن الواقع. تأملت مثل هذا الموقف، وجعلت الإحباط تحفيزا لي مثل من يقول أنا أتحداك!
فرحة الوصول:
ثم تحدث المحاضر عن الوصول إلى تلك القمة العظيمة فقال: مضت الأيام، لنصل إلى جبال الهملايا بالطائرة الشراعية، دخلنا بطون الأودية، وصلنا إلى المخيم الأساسي، العقبات لا تتوقف... واستشرت العلماء في رحلتي هذه، هل هي إلقاء نفسي إلى التهلكة؟ بالطبع إنما الأعمال بالنيات... والنية كانت خالصة لله، والحمد لله، واكتشفت أثناء التسلق أن هناك مسببات تجعلنا نتغلب على العقبات، وأدركت من حسي الإسلامي أن هناك ثلاث قدرات ينبغي أن نتصف بها في هذا المجال وهي:
1- الأولى (معرفة قدرة الله)، ما معنى لا حول ولا قوة إلا بالله، نقرأ سورة الصمد، ما معنى الصمد؟ ما معنى سبحان الله وبحمده؟ ما الفرق بين الرحمن والرحيم، ومعرفة قدرة الله، هي أول الأسلحة الفتاكة للتغلب على المعوقات والصعوبات. وكذلك معرفة أسماء الله وصفاته، معرفة معنى كل اسم، وكل صفة واستشعارها في حياتنا. وأذكر أنني قرأت كتاب الشيخ سلمان العودة في أسماء الله وصفاته، ما معنى المسخر (المذلل) سواء بالإكراه أو بالرضا... ماذا سخر الله لك؟! سخر لي، زوجتي، أولادي، أصدقائي، أهلي... عقلي... سخر لي الشركة، والدائرة التي أعمل بها، أصبح عندي قوة، لأنني استعنت بأسماء الله، وصفاته، ولا ننسى أن في الجسد مضغة إذا صلحت، صلح الجسد كله، ألا وهي القلب.
2- القدرة الثانية: (معرفة قدرات النفس)، فكل منا عنده نقاط قوة، ونقاط ضعف، كل منا عنده قدرات ومداخل، كل يعرف نفسه، والله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 8]، ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9- 10] و (كل ميسر لما خلق له) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أناس يكون ضعفهم في النساء، وآخرون في المال أو الجاه، أو شهوات الدنيا، ومن أهم العوامل للوصول إلى القمة هو التفكير الإيجابي، وتحويل المعوقات إلى محفزات، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له) كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم.
3- القدرة الثالثة: (معرفة قدرة الشيطان ووسوسته) فوسوسته عظيمة، وجنوده كثيرون، ولذلك فهو يغوينا، ويوسوس لنا، ستواجهون صعوبات، اتركوا العمل فهو شاق، تعب وقلة نوم، وهناك مخاطر... كيف نرقى لتلك القمة من هذا الجبل؟! هكذا هو الشيطان !.
نافذة الروح:
وأشار المحاضر الأستاذ فاروق الزومان قائلا: حين وصلت إلى القمة، قمة (إفارست) كانت السعادة تغمرني، شعرت أنني أقرب إنسان إلى السماء، وأنا على القمة، ثم أذنت... الله أكبر... الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وتخيلت أن هذه القمة، والجبال، والثلوج تسمع قول الحق، وأنا أستشعر أنها ستشهد لي يوم القيامة، ثم رفعت راية التوحيد علم المملكة العربية السعودية، ثم رفعت القرآن الكريم للمسلمين وغير المسلمين، لأن هذا الدين دين حق، وإن العزة والمجد لا تنال إلا بالعمل بهذا القرآن الكريم، عدت إلى الوطن، واستقبلني المحبون من الأهل والأصدقاء، الأمير سلطان، والأمير سلمان حظيت بالسلام عليهما، الأطفال المعاقون... قالوا لي... نحن نتحدى الإعاقة، ونتغلب على المعوقات.
المداخلات والحوارات
وفي الختام، أثارت المحاضرة العديد من المداخلات والأسئلة علق عليها المحاضر ومنها:
قول الأستاذ عبد الله الراشد أن المحاضر الشاب الرياضي جعل هذه الرحلة إعلاء لكلمات الله، وقد ربطها بالمفاهيم الإسلامية. ونحن نفخر، ونعجب به.
أما سمو الأمير أحمد بن بندر السديري؛ فقال: نرحب بالجميع، بسمو الأمير نهار بن سعود بن عبد العزيز، وسفير جمهورية مالي، وضيفنا المحاضر فاروق الزومان، وضيوفنا في هذه (الثلاثية) المباركة، وقد أفاد الضيف بإنجازاته المفيدة، وكان كلامه مرتبطا بقدرة الله، وبالإيمان الذي حمله معه إلى أعلى قمة في العالم، وقد بلغ الرسالة، فكل منا على ثغرة، وسررنا حين رفع علم المملكة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وأسأل الله أن تظل هذه الراية خفاقة عالية، وأن نعمل بها، لأنها أساس عقيدتنا وديننا:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
ولأن هدفنا الأعلى هو الفوز بالجنة.
وتحدث اللواء الدكتور سعد العريفي؛ شاكرًا الله على نعمه العظيمة، وشكر الأمير أحمد السديري والأمير نهار بن سعود بن عبد العزيز، والمحاضر، وقال: الطرح هذا اليوم متميز، وقد استفدت استفادة عظيمة، وأعجبني بالمحاضر همته العالية، وعزته بدينه وإسلامه، وترفعه عن الشهوات، والهوى، وسيطرته على نفسه، وأطرها على الحق، والدعوة لله، وتسخيره لقوتها وطاعته الله لرفع الإسلام والمسلمين، والعمل لدينه ووطنه ومليكه.
أما الأستاذ سعد العليان؛ فقال: حين سمعت بعنوان المحاضرة قلت: ما لنا ولقمة "إفارست"؟! لكن محاضرنا أعطانا صورة فارقة لشباب هذا الجيل!
وأشار الإعلامي مازن الجعيد إلى أن النجاح يواكب الإبداع والمبدعين، فالمبدع يتجاوز العقبات، وكذلك فإن فوائد التضرع والتوسل بأسماء الله وصفاته هو العمل بها.
وأخيرًا ذكر الدكتور سليمان محمد الصغير أنه يشعر بسعادة غامرة في هذه "الثلاثية" ثم شدا قصيدة: (علي- عليوة) عن أحد أبنائه الصغار عبرت عن رؤية اجتماعية، وحنو أبوي رقيق بأسلوب تميز بالطرافة والفكاهة، وقد نالت استحسان الجميع.