إن أحاديث الأحكام التي بها يعرف الحلال والحرام لقيت من أهل الحديث عناية فائقة يعرفها من كان من أهل هذا الشأن. فتجدهم مثلًا يتسمَّحون في رواية بعض الأحاديث الضعيفة في أبواب الدين؛ كالفضائل ونحوها، إذا لم يكن ضعفها شديدًا، لكنهم إذا رووا ما يتعلق بالأحكام والحلال والحرام شدَّدوا.
ولقد كنت أرجع إلى هذا الكتاب الفينة بعد الأخرى حسب الحاجة التي تعرض لي، مع انشغالي بأعمال أخرى، وفي كل مرة أرجع إليه يتمادى بي البحث، ويتزايد العجب إلى حد الدهش والانبهار بهذا العمل العلمي المتين الرصين، وما زال يستهويني حتى اجتذبتني أمواجه، وغمرتني لججه، ولم أجد بدًا من إيثاره بالجهد، والبداءة به قبل غيره، عسى أن يكون في ذلك وفاء لهذا الإمام، وتكفير عما نال كتابه هذا من عقوق، وأن أكون بهذا العمل قد فتحت لطلبة العلم وأهل السنة والحديث خزانة علمية زاخرة، طالما استحكمت دونها الأغاليق، وانقطعت دون الوصول إليها الآمال.