أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي [1]
اسمه، وولادته، وطلبه:
هو الإمام، سيد الحفاظ؛ عبيدالله بن عبدالكريم بن يزيد بن فرُّوخ، محدث الري، وجدُّه فرُّوخ: مولى عياش بن مُطرِّف بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وأبوه عبد الكريم هو خال رفيقه أبي حاتم الرازي.
ولد أبو زرعة سنة مئتين؛ على ما روي عنه نفسه، وقيل في مولده غير ذلك.
طلب الحديث وهو حدث صغير، وارتحل إلى الحجاز والشام ومصر والعراق والجزيرة وخراسان، وكانت نية الرحلة والسماع من الشيوخ تخالط نيته في الرباط؛ قال: «لا أعلم صفا لي يوم رباط قط؛ أما بيروت فأردنا العباس بن الوليد بن مزيد، وأما عسقلان فأردنا محمد بن أبي السري، وأما قزوين فمحمد بن سعيد بن سابق». وكتب وصنف ما لا يوصف كثرة.
شيوخه:
سمع خلقًا كثيرًا؛ منهم: أبو الوليد الطيالسي، والإمام أحمد بن حنبل، وأحمد بن يونس اليربوعي، والربيع بن سليمان المرادي، وسليمان ابن بنت شرحبيل، والعباس بن الوليد بن مزيد، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعمرو ابن علي الفلاس، وأبو حاتم الرازي رفيقه، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وموسى بن إسماعيل، وقبيصة بن عقبة، ويحيى بن بكير، ويونس بن عبد الأعلى.
تلاميذه:
حدث عنه الخلق الكثير أيضا؛ منهم: أبو بكر بن أبي داود، وأبو عوانة الإسفراييني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وعبدالله ابن الإمام أحمد، وعدي بن عبد الله والد ابن عدي، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وحدث عنه من شيوخه: إسحاق بن موسى، وحرملة بن يحيى، والربيع المرادي، وعمرو بن علي الفلاس، ويونس بن عبد الأعلى، ومن أقرانه: ابن وارة، وأبو حاتم، ومسلم، وإبراهيم الحربي.
ثناء العلماء عليه:
قال أبو إسحاق الجوزجاني: كنا عند سليمان بن عبد الرحمن، فلم يأذن لنا أيامًا، ثم دخلنا عليه فقال: بلغني ورود هذا الغلام - يعني أبا زرعة - فدرست للالتقاء به ثلاث مئة ألف حديث.
وقال عبد الله بن أحمد: لما ورد علينا أبو زرعة، نزل عندنا، فقال لي أبي: يا بني، قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ.
وقال الإمام أحمد أيضا: ما جاوز الجسر أحد أفقه من إسحاق ابن راهويه، ولا أحفظ من أبي زرعة.
وقال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.
وقال محمد بن إسحاق الصاغاني: أبو زرعة يُشَبَّهُ بأحمدَ بن حنبل.
وقال علي بن الحسين بن الجُنَيْد: ما رأيت أحدًا أعلم بحديث مالك من أبي زرعة، وكذا سائر العلوم.
وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي فليس له أصل.
وقال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أكثر تواضعًا من أبي زرعة، هو وأبو حاتم إماما خراسان.
وحدَّث يونس يومًا فقال: حدثنا أبو زرعة، فقيل له: من هذا؟ فقال: إن أبا زرعة أشهر في الدنيا من الدنيا.
وقال فضلك الصائغ: دخلت على الربيع بمصر فقال: من أين؟ قلت: من الرِّي. قال: تركتَ أبا زرعة وجئتَ؟! إن أبا زرعة آية، وإن الله إذا جعل إنسانًا آية أبانه من شكله، حتى لا يكون له ثانٍ.
ودخل فضلك أيضا في المدينة على أبي مصعب الزهري، فقال له: تركتَ أبا زرعة وجئتني؟! لقيتُ مالكًا وغيره، فما رأتْ عيناي مثلَ أبي زرعة.
وفاته:
كانت وفاته رحمه الله في آخر يوم من سنة أربع وستين ومئتين.
قال أبو جعفر محمد بن علي وراق أبي زرعة: حضرنا أبا زرعة بـ «ماشَهْران» وهو في السوق [2] ، وعنده أبو حاتم وابن وارة والمنذر ابن شاذان وغيرهم، فذكروا حديث التَّلقين: «لقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله» واستحيوا من أبي زرعة أن يُلقِّنوه، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث؛ فقال ابن وارة: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح. وجعل يقول: ابن أبي. ولم يجاوزه. وقال أبو حاتم: حدثنا بندار، حدثنا أبو عاصم، عن عبد الحميد بن جعفر، عن صالح. ولم يجاوز. والباقون سكتوا. فقال أبو زرعة، وهو في السَّوْق: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد الحميد، عن صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان آخرَ كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة». وخرج روحُه معه، رحمه الله تعالى.
المصدر: مقدمة تحقيق كتاب «العلل لابن أبي حاتم»
تحقيق فريق من الباحثين بإشراف وعناية د. سعد بن عبدالله الحميد، د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي
قناة التليجرام للشيخ أ. د. سعد بن عبدالله الحميد
[1] بتصرف واختصار من "سير أعلام النبلاء" (13/ 65-85). وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" (1/ 328-349)، (5/ 325)، و"الثقات" (8/ 407)، و"تاريخ بغداد" (10/ 326-337)، و"طبقات الحنابلة" (1/ 199-203)، و"سير السلف الصالحين" (4/ 1223-1227)، و"تاريخ دمشق" (38/ 11-39)، و"المنتظم" (5/ 47-48)، و"الأنساب" (3/ 24)، و"التدوين في أخبار قزوين" (3/ 284)، و"تهذيب الكمال" (19/ 89-103)، و"تاريخ الإسلام" (ص124-132/ حوادث 261-280)، و"تذكرة الحفاظ" (2/ 557-559)، و"العبر" (2/ 28-29)، و"الوافي بالوفيات" (19/ 255-256)، و"البداية والنهاية" (11/ 37)، و"طبقات الحفاظ" (ص249-250)، و"المقصد الأرشد" (2/ 69-71)، و"شذرات الذهب" (2/ 148-149). وانظر كتاب "أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية" للدكتور سعدي الهاشمي.
[2] في السوق، أي: في نزع الموت، كأن الروح تساق لتخرج من البدن، ويقال له: السياق أيضا، وهما مصدران من «ساق يسوق». انظر: "النهاية" لابن الأثير (2/ 424).