أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي [1]
اسمه، وولادته، وطلبه:
هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران، الحنظلي الغطفاني الرازي.
ولد سنة خمس وتسعين ومئة، وبكَّر بطلب الحديث وكتابة العلم؛ فبدأ كتابة الحديث وهو ابن أربع عشرة سنة؛ ورحل رحلته الأولى وهو ابن ثمانَ عشرة سنة؛ سنة ثلاث عشرة ومئتين، واستمرت أكثر من سبع سنين. ورحل رحلة أخرى في سنة اثنتين وأربعين. وتكبد المشاق في رحلاته، ولاقى الشدائد، وعدَّ ما مشى على قدميه في أول رحلة، فبلغ ما يقرب من مسيرة أربعة أشهر سيرَ الجادِّ، ثم ترك العدَّ!.
شيوخه:
سمع خلقًا لا يحصون كثرة؛ قال الخليلي: «قال لي أبو حاتم اللَّبَّان الحافظ: قد جمعت من روى عنه أبو حاتم الرازي، فبلغوا قريبًا من ثلاثة آلاف».
ومن هؤلاء الشيوخ: الإمام أحمد بن حنبل، وآدم بن أبي إياس، والربيع بن سليمان المرادي، وسعيد بن أبي مريم، وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وعبدالملك بن قريب الأصمعي، وعبيدالله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي رفيقه، وعمرو بن علي الفلاس، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن بشار بندار، ويحيى بن معين، ويونس بن عبد الأعلى.
تلاميذه:
حدَّث عنه خلق كثير، منهم: إبراهيم الحربي، وابن ماجه، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وأبو داود، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو زرعة الرازي رفيقه، والربيع بن سليمان المرادي - وهو من شيوخه - وعبد الرحمن بن أبي حاتم ابنه، والنسائي، وابن صاعد، ويونس بن عبد الأعلى، وهو من شيوخه.
ثناء العلماء عليه:
قال عنه الذهبي: الإمام الحافظ الناقد، شيخ المحدثين، كان من بحور العلم، طوَّف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول: ما رأيت أحفظ من والدك. قال عبد الرحمن: وكان قد لقي أبا بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، وابن معين، ويحيى الحماني.
وقال الخليلي: كان أبو حاتم عالمًا باختلاف الصحابة وفقه التابعين ومن بعدهم. سمعت جدِّي وجماعةً سمعوا عليَّ بن إبراهيم القطان يقول: ما رأيت مثل أبي حاتم. فقلنا له: قد رأيت إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي؟ قال: ما رأيت أجمع من أبي حاتم وأفضل منه [2] .
وقال علي بن إبراهيم الرازي: حدثنا أحمد بن علي الرقام، سمعت الحسن بن الحسين الدرستيني قال: سمعت أبا حاتم يقول: قال لي أبو زرعة: ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك! فقلت له: إن عبد الرحمن ابني لحريص. فقال: من أشبه أباه فما ظلم. قال الرقام: فسألت عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالاته لأبيه؟ فقال: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه!.
وقال أحمد بن سلمة النيسابوري: ما رأيت بعد إسحاق[3] ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث من أبي حاتم الرازي، ولا أعلم بمعانيه.
وقال يونس بن عبد الأعلى: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان. ودعا لهما، وقال: بقاؤهما صلاح للمسلمين.
وقال الخطيب: كان أبو حاتم أحد الأئمة الحفاظ الأثبات.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: جرى بيني وبين أبي زرعة يوما تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث وعللها، وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ، وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم، قل من يفهم هذا! ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين، فما أقل من تجد من يحسن هذا! وربما أشك في شيء أو يتخالجني في حديث، فإلى أن ألتقي معك لا أجد من يشفيني منه. قال أبي: وكذلك كان أمري.
وقال الذهبي: إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله؛ فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث، وإذا لين رجلا أو قال فيه: لا يحتج به، فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه؛ فإن وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم؛ فإنه متعنت في الرجال؛ قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك.
وفاته:
قال أبو الحسين بن المنادي وغيره: مات الحافظ أبو حاتم في شعبان سنة سبع وسبعين ومئتين، وقيل: عاش ثلاثًا وثمانين سنة. رحمه الله تعالى.
المصدر: مقدمة تحقيق كتاب «العلل لابن أبي حاتم»
تحقيق فريق من الباحثين بإشراف وعناية د. سعد بن عبدالله الحميد، د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي
[1] بتصرف واختصار من "سير أعلام النبلاء" (13/ 247-263) . وانظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" (1/ 349-375)، (7/ 204)، و"تاريخ بغداد" (2/ 73-77)، و"طبقات الحنابلة" (/ 1/ 284-286)، و"سير السلف الصالحين" (4/ 1227-1231)، و"تاريخ دمشق" (52/ 3-16)، و"المنتظم" (5/ 107-108)، و"الأنساب" (2/ 279-280)، و"التدوين في أخبار قزوين" (1/ 215-216)، و"تهذيب الكمال" (24/ 381-390)، و"تاريخ الإسلام" (ص430-435/ حوادث 261-280)، و"تذكرة الحفاظ" (2/ 567-569)، و"العبر" (2/ 58)، و"طبقات الشافعية الكبرى" (2/ 207-211)، و"الوافي بالوفيات" (2/ 183)، و"البداية والنهاية" (11/ 59)، و"طبقات القراء" لابن الجزري (2/ 97)، و"طبقات الحفاظ" (ص255)، و"المقصد الأرشد" (2/ 370-371)، و"شذرات الذهب" (2/ 171) .
[2] كذا، والجادة: «ولا أفضل منه» .